وسّع الائتلاف الدولي غاراته في سوريا ليل الاربعاء-الخميس، منفذاً الهجوم الواسع الاول على “جبهة النصرة“، وذلك بعد أسبوع من سيطرة الفرع السوري لتنظيم “القاعدة“، على الجزء الاكبر من محافظة ادلب، في شمال سوريا، واستيلائه على قواعد ومخابئ أسلحة تعود الى مجموعات من المعارضة ، بينها “جبهة ثوار سوريا” و”حركة حزم” اللتين تحظيان بدعم أميركي.
أثارت الغارات الاميركية على “جبهة النصرة” في شمال سوريا وشمال غربها قرب الحدود التركية، تساؤلات في شأن احتمال انخراط واشنطن أكثر في النزاع السوري المتعدد الجبهات، وذلك من خلال توسيعها الضربات الى فصائل تسعى الى إطاحة النظام السوري بشار الاسد وتقاتل في الوقت نفسه مجموعات معارضة غير اسلامية. لكن مسؤولين أميركيين أكدوا أن الغارات التي نفذتها مقاتلات وطيارات من دون طيار هدفت فقط الى ضرب فصيل متطرف محدد تسميه واشنطن “مجموعة خرسان” التي قالت إنها تخطط لضرب أهداف في الولايات المتحدة.
وهذه المرة الثانية يستهدف الائتلاف مواقع ل”جبهة النصرة” منذ بدء حملته الجوية في العراق وسوريا ضد “الدولة الاسلامية” في الاسبوع الاخير من ايلول. ولم تفصح القيادة المركزية الاميركية عن الخطط المفترضة ل”خرسان”، مكتفية بأن خمس غارات دمرت أو الحقت اذى كبيراً بمواقع المجموعة، بينها منشآت لصنع متفجرات في شمال سوريا، ومراكز تجمع. وأوضحت إن من ضمن أهداف الضربة ديفيد دروجون، وهو متشدد مولود في فرنسا اعتنق الاسلام ويصفه بعض المسؤولين الأميركيين بأنه صانع قنابل للجماعة.
وسجل “المرصد السوري لحقوق الانسان” “استهداف طائرات الائتلاف العربي- الدولي بعد منتصف ليل الأربعاء- الخميس مقراً لجبهة النصرة في ضاحية المحامين في ريف حلب الغربي” مما تسبب بمقتل “ما لا يقل عن ستة عناصر من جبهة النصرة، إضافة الى دمار المقر الذي سوي بالارض”.وقال أيضاً إن “ضربات عدة استهدفت عربة لجبهة النصرة في بلدة سرمدا القريبة من الحدود السورية التركية، ومقرا للجبهة في مدينة حارم” الواقعة كذلك في محافظة ادلب على مقربة من سرمدا، مشيراً الى وقوع قتلى بين المقاتلين، بالاضافة الى مقتل طفلين.
وتحدث المرصد أيضاً عن غارة على مقر ل”حركة احرار الشام” الاسلامية المتطرفة في منطقة اخرى من ريف ادلب، وهي الاولى للائتلاف ضد هذه المجموعة.
و”حركة احرار الشام” مجموعة مقاتلة إسلامية متطرفة معارضة للنظام السوري، وقريبة اجمالا من “جبهة النصرة” التي تقاتل النظام وانخرطت اخيرا ايضا في قتال ضد “جبهة ثوار سوريا” التي تضم كتائب عدة مقاتلة ضد النظام، وتمكنت من طردها من مساحات واسعة من ريف ادلب.
“النصرة”
وفي اي حال، كانت “النصرة” تعتبر أحد أقوى الجماعة المسلحة في سوريا، الا أن سنتها هذه كانت صعبة وعانت انتكاسات عسكرية وانشقاقات وأزمة ايديولوجية.أما السبب الرئيسي لذلك فكان الصعود القوي لنجم تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي انشق عنها.
فبعدما تواجه الجانبان في معارك قوية، نجحت “النصرة” في اخراج “داعش” من اللاذقية وادلب وحلب ، الا أن التنظيم الذي يتزعمه أبو بكر البغدادي عوض خسائره بسرعة باستيلائه على مناطق جديدة في سوريا والعراق.وكانت الموصل فاتحة هذه الانتصارات الجديدة، قبيل اعلان “الدولة الاسلامية” الخلافة في آب الماضي.ومذذاك، اكتسب التنظيم زخما كبيرا وزاد مكاسبه.وخلال الربيع والصيف الماضيين، طرد التنظيم “النصرة” من معاقلها على طول نهر الفرات، منتزعا منها حقوق النفط التي كانت أساسية في تمويل معاركها ومقاتليها.
وكان واضحاً أن هذه الازمة أدت الى مشاكل داخلية في صفوف “النصرة”، ووردت معلومات عن مناقلات بين القيادات وتزايد الانشقاقات في اتجاه “الدولة الاسلامية”.
ويقول الباحث أرون لاند من معهد “كارنيغي” إن “النصرة” لم تحسم بعد طريقة مواجهة هذا التحدي، الا أنه في بعض المناطق، وتحديدا في ادلب، بدأت الجبهة تستعيد قوتها وتستعيد أراض من قوات معارضة منافسة، في طريقة لا تختلف عن تصرف “الدولة الاسلامية” عام 2013.
ويوضح أنه منذ الصيف بدأت الجبهة حملة لتطبيق الشريعة على طول الحدود التركية، واستهدفت العصابات الاجرامية والفصائل المتورطة في سرقات وعمليات ابتزاز،علماً أن أكثر هذه الفصائل يرتبط ب”جبهة ثوار سوريا” التي تتلقى دعماً من دول خليجية.
وبتلبيتها رغبة حقيقية لدى السكان بالقضاء على الجريمة ، نجحت”النصرة” في السيطرة على بلدات على غرار حارم ودركوش وتوسيع نفوذها على مناطق حدودية.
وبدأت مواجهات كبيرة بين “النصرة” و”جبهة ثوار سوريا” في أيلول، الا أن تدخل جماعات أخرى ساهم في الاتفاق على وقف للنار بين الجانبين.غير أن الغارات الاولى التي شنها الائتلاف على “النصرة” في شمال سوريا، زاد التوتر بين الجانبين ، وباتت “النصرة” تنظر الى “جبهة ثوار سوريا” و”حركة حزم” كحركتين مكلفتين تدميرها.
ويبدو أن “النصرة” قررت الانتقام أخيراً.ومن الواضح أنها وجهت ضربة قوية لخصومها. فقد سيطرت السبت الماضي على بلدات جديدة في شمال غرب سوريا، بعد استيلائها على معقل احدى اكبر القوى المقاتلة في المعارضة السورية.
ففي حينه، قال “المرصد السوري لحقوق الانسان” ان “جبهة النصرة سيطرت على بلدة خان السبل الواقعة على طريق رئيسي يربط محافظة ادلب بمحافظة حلب، وذلك عقب انسحاب حركة “حزم”، من البلدة.
وجاءت سيطرة الجبهة على هذه البلدات بعد تمكنها من طرد “جبهة ثوار سوريا” من بلدة دير سنبل، مسقط زعيمها جمال معروف.
وشكلت سيطرة “النصرة” على جبل الزاوية ضربة قوية لجمال معروف وحلفائه المحليين.كذلك، مثلت هذه الانتكاسة لقوات جمال معروف ضربة للجهود الاميركية لتدريب قوة من المعارضة المعتدلة قادرة على التصدي للجهاديين ولقوات نظام الرئيس السوري بشار الاسد في الوقت نفسه.
فمطلع هذه السنة، كان معروف يعتبر الفارس الابيض الجديد للثورة السورية.ففي ايام ، تمكن مع رجاله في كانون الثاني الماضي من طرد رجال “الدولة الاسلامية” من ادلب، مجسداً الامل في عودة قوية للمعارضة المعتدلة.وكان يفترض أن يكون مقاتلوه من المستفيدين من الخطة التي أعلنها الرئيس الاميركي باراك أوباما في أيلول الماضي لتدريب الاف المقاتلين السوريين على مقاتلة “داعش“، غير أن “صحوة النصرة” قد تضطر واشنطن الى تغيير خطتها.
أمس، رفض مسؤول أميركي ربط الغارات على “النصرة” بالاقتتال بين الفصائل السورية المعارضة للنظام، لكن المؤكد أن نجاح الفرع السوري ل”القاعدة” في في السيطرة على الطرق المؤدية الى باب الهوى الواقع في شمال ادلب، سيعقد أكثر ايصال المساعدات العسكرية والاقتصادية والمؤن الاخرى الى المقاتلين غير الاسلاميين، ومن شأنه أن يقوض الاستراتيجية الاميركية الراهنة في سوريا.