لم تعد غرف مستشفى “الرحمة” في منطقة عرسال شرقي لبنان تتسع للمزيد من المقاتلين السوريين الجرحى الذين يسقطون في معارك القلمون المحتدمة في سوريا.
فخالد (20 عاما)، الذي أصيب في رجله وهو يقاتل في منطقة يبرود، وُضع على مرتبة على الأرض في أحد أروقة المستشفى بعد أن تلقى العلاج. أما راتب حسنة (22 عاما) فالحظ أسعفه وحصل على سرير متحرك وضع في أحد الزوايا.
خالد وراتب يرويان كعشرات المقاتلين في المستشفى الذي لا يزال قيد الانشاء، قصص المعارك الدامية والمستمرة في مناطق القلمون، الا أن معظمهم اصيب على جبهات يبرود التي سيطر عليها النظام مدعوما بعناصر حزب الله وألوية عراقية نهاية الاسبوع الماضي.
تختلف رواياتهم باختلاف الجبهات التي كانوا يقاتلون عليها وظروف اصاباتهم، الا أن الكل يجمع على استخدام قوات النظام السوري وعناصر حزب الله اسلحة جديدة لم يشهدوها من قبل، ويشتكون من تحولهم “حقل تجارب” لهذه الأسلحة.
أحد قادة المجموعات المقاتلة في يبرود، والذي رفض ذكر اسمه مكتفيا بالقول أنّه “مجاهد في سبيل الله”، لفت أنّه لم ير يوما مثيلا للاسلحة التي يقاتل بها حزب الله، وقال للأناضول: “حتى خلال فترة الخدمة العسكرية لم أر هذا النوع من السلاح، هم يأتون بأسلحة من ايران والعراق وروسيا ليجربوها علينا، وكأننا أصبحنا حقل تجارب لهم”.
ويعتبر “المجاهد” الذي افترش الأرض في احدى زوايا المستشفى أن “مجرد الصمود لفترة في يبرود بمثابة انجاز، فسلاحنا عبارة عن بندقية أو قذيفة أر بي جي أما سلاحهم فمدفعية وصواريخ وبراميل متفجرة وقذائف”.
وأكّد أن حزب الله ولوائي “أبو فضل العباس وذو الفقار” يقاتلان الى جانب قوات النظام في القلمون، معتبرا أن “كل الألوية الشيعية تتجمع لقتال السنة” في سوريا. واضاف: “الدور الأساسي بحسم معركة يبرود يعود لحزب الله”.
وينتظر “المجاهد” أن تشفى الجراح الخطيرة التي أصيب بها في رجله ليعود الى القتال، تماما كراتب حسنة المصاب في حوضه، والذي يجزم أيضا بأنّه عائد الى ساحة المواجهة وأنّه سيقاتل حتى آخر نقطة دم في جسده.
حسنة الذي كان يقاتل في منطقة ريما في القلمون، تحدث عن اعتماد قوات النظام السوري تماما كعناصر حزب الله على صواريخ الـ(كورنت) وهي صواريخ روسية مضادة للمدرعات، “الا انّها تستخدم في معارك القلمون لاستهداف الأفراد”.
وقال حسنة للاناضول: “هم يجربون فينا كل أنواع الأسلحة ويستخدموننا كحقل تجارب، لم يعودوا يستخدمون الرصاص والمدفعية والقذائف انما فقط الصواريخ”.
وأكّد أنّه تم قتل واسر عناصر من حزب الله لا يزالون بقبضة مقاتلي المعارضة في القلمون.
ويبدو مستشفى الرحمة اشبه بمشفى ميداني نظرا لكونه قيد الانشاء ولا يحتوي الا على غرفة واحدة للجراحة لا تكاد أن تفرغ حتى يدخل جريح جديد اليها. هناك الدماء تملأ الارض ورائحتها تفوح في المكان، فيما الكل منهمك باسعاف هذا وتضميد جراح ذاك.
في احدى الغرف المتاخمة لغرفة العمليات، يرقد أحد الأطباء، فهو ايضا اصيب في يبرود خلال قيادته سيارة اسعاف ونقله الجرحى الى رنكوس السورية وعرسال اللبنانية.
وروى الدكتور أبو صالح (27 عاما) كيف اصيبت سيارة الاسعاف بصاروخ كورنت حراري ما “أدّى لاصابتي اصابة مباشرة في الظهر والى حروق مختلفة في جسدي”.
واشار أبو صالح الى أنّها المرة الأولى التي يشهد فيها على معركة تستخدم فيها أسلحة تصيب بحروق مماثلة في الأجساد المصابة، لافتا الى أن صواريخ الكورنت تترك “حروقا شديدة بخلاف قذائف الدبابات التي تطلق شظايا تترك جراحا مختلفة”.
وأوضح الخبير العسكري رياض قهوجي الى ان صواريخ االكورنت الروسية الصنع هي عادة مضادة للدروع لكن هناك نوع آخر منها مضاد للمشاة، وهي “ذات مفعول كبير وعندما تستهدف الفرد لا يبقى شيء منه”.
وتتميز هذه الصواريخ بدقة اصابتها التي تتراوح ما بين 90 و 95% على مدى 4 كلم. وقال قهوجي لـ”الأناضول”:”النظام السوري يمتلك صواريخ مماثلة كما حزب الله الذي استخدمها في حربه ضد اسرائيل في العام 2006´´.
ولفت الى ان المعارضة السورية قد تكون حصلت على صواريخ مماثلة بعد سيطرتها على مخازن اسلحة تابعة للنظام.
وقد بدأ العمل بمستشفى “الرحمة” قبل 3 اشهر وهو يستقبل يوميا ما بين 150 و 200 مريض يوميا من اللاجئين السوريين في عرسال، بحسب ما يؤكد الطبيب المسؤول باسم قليح.
واوضح قليح في حديث مع وكالة “الأناضول” أن 10 أطباء سوريين ولبنانيين، يعملون حاليا في المستشفى الى جانب كادر تمريضي من 20 ممرض، “لكن ومع احتدام معارك القلمون اصبحنا نتعرض لضغط هائل، اذ يصلنا يوميا ما بين 10 و 15 جريحا معظمهم بحاجة لجراحات”.
واشار الى انّهم ظلوا مؤخرا ليلتين من دون نوم يعملون بشكل متواصل حتى يتمكنوا من تأمين العلاج لعشرات الجرحى الذين توافدوا من يبرود.
وقال أنّهم متفاجئون من نوعية الاصابات التي يعاينون، موضحا أنّه “بفترة من الفترات كان يتم استهداف المقاتلين بالرؤوس والأعين وفي معظم الاحيان كان يتم التصويب على العينين ما يؤدي مباشرة للعمى”.
واضاف أن الاسلحة المستخدمة حاليا تؤدي “لتفتت العظام وتحرق أيضا الأوعية والأعصاب وكأن هناك شيئا خطيرا فيها”.
ونظرا للأعداد الكبيرة للمقاتلين الذين يصل كثير منهم بحالات حرجة الى المستشفى، بات العشرات من اللاجئين السوريين المتواجدين في عرسال ويتخطى عددهم الـ100 ألف، يئنون من عدم قدرتهم على تلقي العلاج واضطرارهم للانتظار ساعات طويلة ليتمكن الطبيب من معاينتهم.