المفارقة التاريخية او «المصادفة» غير السعيدة، جعلت من التصريحات المنقولة على لسان الأمين العام لتيار المستقبل احمد الحريري خلال «سهرة سياسية» في الاردن، تتزامن مع سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة الموصل العراقية، واذا كان كلام الحريري «المفاجىء» او «الصادم» بالنسبة لمن كانوا في تلك الجلسة يرتبط بالقراءة «البرغماتية» التي قدمها حول عودة الرئيس بشار الأسد «منتخبا» الى السلطة، وتقديره ان هذا الامر قد يكون مفيدا وافضل من انتخاب رئيس ينتمي الى الطائفة السنية سيتعامل مع لبنان في المستقبل على انه المحافظة السورية رقم 19». واذا كان تبريره احتمال القبول بحالة رئاسية يمثلها الجنرال ميشال عون، بالقول «انه قد يكون مفيدا وجود شخصية قوية قريبة من الحكم السوري في الرئاسة»، كلام يسلم بالامر الواقع و«الهزيمة» في الخيارات السورية، تقول اوساط في 8 آذار وهو برسم حلفائه «السياديين» في لبنان، فان وجه «الغرابة» يبقى في بقاء مواقفه من حزب الله بعيدة عن الواقع واقرب الى الخيال من خلال رهانه على «تأزم» العلاقة بين الحزب وحركة أمل، إضافة الى تقديره بأن الأزمة الأكبر التي يواجهها الحزب تتمثل في انه تورط وسمح بان يتم جره الى «مصيدة» او «كمين» «داعش» و«النصرة» في سوريا، وتسأل الاوساط فهل يعاني احمد الحريري من «غيبوبة» افقدته القدرة على قراءة الوقائع؟ وهل صحيح انه غير مطلع على التقارير الاستخباراتية التي جاءت لتؤكد صحة خيارات حزب الله السورية؟ هذه الاوساط لا ترغب في التعليق على الكلام السياسي للحريري القادر على نفيه او تصحيحه، ولكنها تؤكد انه لم يعد خافيا على احد ان ثمة تسليماً داخل تيار المستقبل بواقع خسارة الرهان على تحقيق انجازات في سوريا يمكن التعويل عليها في تحقيق مكاسب داخلية على الساحة اللبنانية، ويمكن القول ان خلق «الاعذار» «لهضم» بقاء النظام في سوريا والتبريرات المقدمة حول الحوار مع «الجنرال» تأتي في هذا السياق، فمنذ دخول تيار المستقبل في شراكة حكومية مع حزب الله ينشغل في البحث عن تقليل الخسائر بعد ان نجح الحزب في اعادة «عقارب الساعة» الى الوراء واقفل الحدود اللبنانية امام محاولة استغلالها لتقديم العون العسكري لمسلحي المعارضة السورية، وقد عاد «التيار الازرق» فعليا الى دوره «الريادي» في تقديم حليب الاطفال والبطانيات للمعارضة السورية في الخارج، مع تعديل وحيد طال اللاجئين السوريين الموالين للنظام. وبمعنى آخر تضيف الاوساط اصبح تيار المستقبل وقوى 14 آذار «شغلة اللي ما الو شغل» ومن لزوم «الديكور» الذي لم يستحق حتى اطلالة من قبل وزير الخارجية الاميركية جون كيري، مع العلم ان زيارة «تطييب الخواطر» التي قام بها السفير ديفيد هيل «للامانة العامة» لم تغير من الواقع شيئا. لكن ما يثير «القلق» جديا بحسب تلك الاوساط، تلك القراءة المغلوطة لواقع التطورات الميدانية في المنطقة انطلاقا من «التعمية» «على خطر التنظيمات المتطرفة واهدافها المعلنة، وكل ذلك بهدف تشويه صورة حزب الله مع العلم ان عدداً من السفارات الغربية في بيروت قدمت تقارير موثقة عن وجود مخطط وضعته قيادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لإيجاد موطئ قدم للتنظيم في الدول المجاورة لسوريا والعراق، بهدف تعزيز نفوذه وتأمين خطوط إمداده. وفقا للمعلومات ناقش امير «داعش» أبو بكر البغدادي مع كبار قياداته، إمكانية التمدد وإيجاد ملاذ آمن في بلد ثالث غير سوريا والعراق، وطرحت أفكار عدة في هذا الإطار، منها التركيز على شبه جزيرة سيناء حيث يوجد نفوذ «للجهاديين»، والأردن حيث يوجد نفوذ لتلك المجموعات السلفية، ولبنان الذي يملك ميزة المنفذ البحري ويؤمن وصولا للتنظيم على شواطىء البحر المتوسط. وبحسب تلك التقارير، فأن القياديين الكبار في «داعش» لديهم ريبة من تحول الحرب على الإرهاب الى مطلب إقليمي ودولي، ولذلك قرروا السيطرة على حيز جغرافي يجيز لهم إقامة – إمارة إسلامية – وهم سيسعون إلى التمدد نحو دول أخرى تحسباً لذلك، كما سيسعون الى ضم «المجموعات الجهادية الاخرى الى صفوفهم. اما الاخطر لبنانيا فيرتبط بما جرى في الاونة الاخيرة من تعديل للهيكل القيادي للتنظيم، فتم اقصاء معظم العراقيين، وتم اعطاء المسؤولية لقيادات ليبية، وخليجية، وفلسطينية، وهذا الاخيرة لها امتدادات مع مجموعات متطرفة على الساحة اللبنانية خصوصا داخل مخيم عين الحلوة، ولذلك تم تزخيم العمل الامني خوفا من تحريك «الخلايا النائمة». وتلفت اوساط متابعة لهذا الملف، الى ان حزب الله بضرباته الاستباقية على الحدود اللبنانية السورية «اجهض» الجزء الاكبر من المخطط المتعلق بلبنان، فسقوط معظم قرى ومدن القلمون والمنطقة المحاذية للشمال، اخرج الساحة اللبنانية من دائرة الخطر المباشر، ومنع حصول اجتياح شبيه بما يحصل في الموصل والانبار العراقية، لكن هذا الامر لا يعني زوال كافة المخاطر «فالزخم» الذي يعمل من خلاله تنظيم داعش في العراق وفي محافظة دير الزور السورية، دفع الى رفع اكبر للجهوزية الامنية والعسكرية على الساحة اللبنانية، خوفا من خلايا «نائمة» قد تعمد لتوسيع رقعة ساحات المواجهة، ولذلك تتوقع تلك الاوساط، ان تشهد الايام المقبلة «اعادة تفعيل» للعمليات العسكرية في المناطق الجردية الفاصلة بين الحدود اللبنانية السورية للاجهاز على ما تبقى من مجموعات «تكفيرية» تابعة لجبهة «النصرة» تسعى قيادة «داعش» الى استمالتها بعد ان فقدت مقومات الصمود بفعل خسارة مواقعها وانقطاع الامدادات عنها، و ثمة معلومات عن توجه لاقفال ملف «جبهة» الحدود اللبنانية السورية بشكل كامل بعد ان استنفدت محاولات «المصالحة» مع هؤلاء، وخوفا من تلك «القنبلة الموقوتة» التي قد تنفجر على الطريقة العراقية بدخول واسع الى قرى بقاعية في خطوة «انتحارية» لن يكتب لها النجاح ولكنها ستكون مكلفة. وبحسب تلك الاوساط، فان ما يحصل في العراق وسوريا اكد صوابية خيار حزب الله ووعيه المسبق لخطر تلك المجموعات، وستنضم اليه متأخرة، دول جارة لسوريا مثل الأردن وتركيا في الحرب على «الارهاب» مع ترقب اعلان «داعش» قريبا عن اقامة دولة «الخلافة» في مناطق شمال العراق وسوريا، فتلك الدول ترى بأم عينها ان هناك دولة تظهر تدريجيا على ارض الواقع، حدودها في طور التشكل وتحتل منطقة واسعة تمتد ما بين حدود البحر المتوسط وحتى بغداد، أما عاصمتها فلم يتم تحديدها بعد ولا حتى اسمها. لكن ما هو معروف ان هذه الدولة غير متسامحة مع أي شخص لا يتبع التعاليم الوهابية، وعندما ستقيم دولتها ستصبح العقوبات هي قطع الأطراف والرجم وقطع الرؤوس، وسيصبح استرقاق البنات وبيعهن أمرا شائعا. وتسأل الاوساط فهل لدى تيار المستقبل حلو عجائبية لمواجهة هذا المد المتطرف؟ وهل تملك قوى 14 آذار نصائح للبنانيين لكيفية التعامل مع هذه الدولة؟ هل يمكن هزيمة هؤلاء من خلال تجاهلهم على أمل ان يختفوا بقرار ذاتي منهم؟ وكيف يمكن هزيمتهم اذا كان هذا الفريق لا يزال يروج لمقولة «بالية» تفيد بان دخول حزب الله الى سوريا خطأ؟ وتحتفي لانه وقع في «المصيدة»؟ اسئلة لا تحتاج الى اجابات، ولكنها تفسر اسباب اعادة واشنطن لحساباتها في المنطقة، كما تشي باقتراب حصول حزب الله وقياداته على اعتذار علني من قسم من اللبنانيين تم تضليلهم وهم سيتوجهون قريبا بتقديم «الشكر الجزيل» لحزب الله على دوره التاريخي في حمايتهم، وحماية دولة «السيادة والحرية والاستقلال».
*الديار
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...