«حيث يجب ان نكون سنكون»، تلك هي العبارة التي اطلقها ـ القائد العام ـ لقوات المقاومة المسلحة امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، والتي تحولت الى عقيدة استراتيجية، منها ينطلق في التعامل مع الوقائع العسكرية الميدانية على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، مع دراسة المتغيرات الجارية في المنطقة، والتعامل بمرونة بين ما يجرى في جبهات القلمون السورية وجرودها المطلة على لبنان، بعد «ألغزوات العسكرية التي تشنها القوى الارهابية، والتي كان اخرها على جبهة بريتال، وبين الجبهة الاساس.. المفتوحة مع العدو الاسرائيلي، ومنها يرسم السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة، ليكون متحكما بحسب مصادر مقربة من حزب الله من ادارة الصراع وكيفية استخدام ادواته للوصول الى اكثر مما وصلت اليه المقاومة في لبنان، من دور فاعل ومؤثر تجاوز حدود لبنان،.. الم تفرض الظروف نفسها على المنطقة، ليتسع الصراع ويتنوع، وتتجاوز المخاطر كل الجغرافيا التي سقطت مع اول مجموعة مسلحة وصلت من اقاصي الصحراء والمحيطات لتحط في سوريا.
فعلها «حزب الله»، ورد على العدوان الاسرائيلي المتمثل بزرع اجهزة تجسس في منطقة عدلون في الخامس من ايلول الماضي، والاعتداء الاخير الذي شنه الاحتلال على احد مواقع الجيش اللبناني في منطقة شبعا، انطلاقا من موقع السدانة.
سريعا رد «حزب الله « ومقاومته، وبالنار، على الرسائل التصعيدية الاسرائيلية، تضيف المصادر، بما لا يقبل للشك، بان «حزب الله» باق على جهوزيته العسكرية على جبهة الجنوب اللبناني، على الرغم من انشغالاته في المعارك العسكرية والامنية التي يخوضها ضد القوى الارهابية وعصاباتها المنتشرة عند جرود بلدتي عرسال وبريتال، وكان «الرد» الاسرائيلي المتريث والمربك والقلق من الضربة الجديدة التي يوجهها «حزب الله»، انطلاقا من الجبهة التي كانت قبل سنوات مسرحا لاسر جنود اسرائيليين، ليعلن العدو انه سيرد على استهداف جنوده «في الزمان والمكان المناسبين»، فيما اللافت يبقى في عملية حزب الله في السدانة، الرسالة التي ارادها الحزب توجيهها الى العدو.. «نحن جاهزون في الزمان والمكان المناسبين.. وكل الازمنة والامكنة باتت مناسبة لحزب الله.
ولعل الكيان الاسرائيلي تعامل مع «مغامرة» حزب الله، وفق ما يقول فريق الرابع عشر من اذار، من «موقع المسؤولية»، وهو في المنطق على حدّ قول المصادر من موقع العجز الذي اظهرته تقديرات جنرالات الحرب عن القدرات القتالية والصاروخية التي وصل اليها حزب الله، يضاف اليها الحسابات المربكة والمقلقة التي تحتل الحيز الاكبر من الفكر العسكري العسكري المقتنع بالتهديدات الجدية على الكيان برمته.
في رسم المشهد القائم على جبهة الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب، ماذا قال القادة العسكريون للاحتلال، قبل ساعات من العملية الجريئة التي نفذها مقاومو «حزب الله» في عمق مزارع شبعا المحتلة؟.
«في اي سيناريو حرب مستقبلية مع حزب الله، فان تل ابيب ستتلقى الكثير من الصواريخ، حيث يتوقع أن تكون الأضرار والإصابات كبيرة جداً، وستكون المواجهة أمام حرب مختلفة مع صواريخ دقيقة وكبيرة وليست صورايخ بدائية محلية الصنع، ويقول قائد لواء «دان» في جيش الاحتلال الاسرائيلي العقيد «آفي ميشوف» لموقع أخبار القناة الثانية إنَّ الأمور ستكون أيضاً مختلفة، وإنَّ القيود التي كانت هامشية على منطقة «غوش دان»، ستكون كبيرة جدا خلال أي سيناريو حرب شمالية لأنَّ التهديد مختلف ايضاً»، هذا ما قاله جنرال صهيوني يرى ان ما حصل في حرب غزة، ما هو الا مقدمة لمواجهة محتملة من الشمال مع حزب الله، وبحسب موقع القناة الثانية الصهيوني فإن «لدى حزب الله 100 ألف صاروخ أي ما يعادل عشرة أضعاف صواريخ «حماس»، وعلى هذا الاساس فان «إسرائيل لن تستطيع التصدي لصواريخ حزب الله، حيث يوجد 5000 صاروخ في بيروت وبقية الضواحي اللبنانية تستطيع حمل رؤوس صواريخ كبيرة تزن طن وأكثر، وتحتوي على أنظمة توجيه دقيقة، وتستطيع الوصول إلى جميع أنحاء إسرائيل.
ولا يستبعد الباحث الصهيوني في قسم دراسات الشرق أوسطية في جامعة بار ـ إيلان العبرية أودي بلنغا وقوع حرب أخرى مع حزب الله على الإطلاق، ويرى ان حزب الله يتعرض إلى ضغط كبير داخل لبنان بسبب انغماسه في المستنقع السوري. وهو يردد المعزوفة نفسها التي ترددها قوى لبنانية معادية لـ «حزب الله» لماذا اُجبر الحزب على الدخول إلى هناك، فهو بهذا العمل كشف لبنان أمام هذه المنظمات التي ترغب بالانتقام منه، وهو الذي أدى إلى حرب مع متطرفين في شمال لبنان وتنفيذ عمليات انتحارية في الضاحية الجنوبية لبيروت».
وبحسب صحيفة «معاريف» الصهيونية التي تسأل هل يبادر حزب الله إلى مواجهة مع إسرائيل؟، لكن الباحث الصهيوني، يرى وعلى عكس الوقائع الميدانية، أن «المصلحة الوحيدة لحزب الله هي خلق هدوء مع «إسرائيل»، لأنه مشغول في سوريا. هو ينظر إلى «داعش» وإلى المتطرفين على أنهم تهديد وجودي حقيقي، لذلك هو يفضِّل التركيز عليهم فقط بشكل خاص. لكن من تحت سطح الأرض لدى حزب الله حقد كبير على إسرائيل. فهم لم ينتقموا بعد لعملية اغتيال عماد مغنية ولم يصفحوا بعد عن مهاجمة شحنة الصواريخ التي كانت تنقل من سوريا إلى لبنان وقصفها من قبل الجيش الإسرائيلي. لذلك هم يبحثون عن انتقام. لذا من دون قصد، من المتوقع أن ينفذ حزب الله عملية كبيرة تجره إلى مواجهة مع إسرائيل».
ويقول خبير الشؤون الاستخباراتية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية رونن بريغمان للقناة الثانية الإسرائيلية، إن «حزب الله ـ ومنذ سنة 2006 وعدم قدرة إسرائيل على هزيمته، عاد للتسلح واليوم هو أكثر تسلحاً مما كان عليه عشية اسر الجنديين الاسرائيليين في 12 تموز 2006. وهو في الحقيقة يهدد كل «إسرائيل» ولديه ترسانة ضخمة من الصواريخ، فيما قوات المشاة لديه من جهة تلقت خسائر فادحة في سورية، ومن جهة أخرى ـ بعد ثلاث سنوات من القتال المتواصل كتفاً إلى كتف مع الجيش السوري ومع إدخال أسلحة متطورة جداً إيرانية وسورية والتدرب عليها.. نحن اصبحنا أمام تشكيل قوي واستراتيجي وأستطيع أن أقول وبكل بساطة إنه العدو المركزي لـإسرائيل اليوم».
وعن امكانية أن تبادر اسرائيل الى اشعال حرب مع حزب الله قال بريغمان «لا، أنا أقول التالي: في إسرائيل اليوم يقولون إننا انتصرنا في حرب 2006، لكني أعتقد ان الجيش الإسرائيلي يفهم جيداً أننا لم ننتصر، هذا إذا لم نكن قد هُزمنا هزيمة قاسية جداً. ومن جهة أخرى حزب الله تعهد بالانتقام لمقتل مغنية، وتعهد بالانتقام لحوادث أخرى منسوبة لإسرائيل آخرها في كانون أول 2013: رئيس «الصناعات الأمنية» لحزب الله حسان اللقيس، أحد أهم المطلوبين بالنسبة لإسرائيل وهو اغتيل امام مدخل منزله في الضاحية الجنوبية، تعهدوا بالانتقام، وهذا أمر يكويهم. يبدو لي أنه في نهاية المطاف، التعاظم العسكري، وتعارض المصالح، والدعم الإيراني والدعم لسوريا، كل هذه الحسابات الدموية، سيقود الطرفين إلى مواجهة حتمية. هذا لن يحصل الآن، لكنه سيحصل في وقتٍ ما».
مع كل ما تقدم، يكفي ما اطلقه رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني، بني غانتس، من تهديدات الى لبنان وحزب الله، مع الاعتراف الصريح بامكانيات حزب الله في أي مواجهة مقبلة. كقوله ان لدى حزب الله وسائل كثيرة متنوعة، ومن بينها عدد كبير من الطائرات من دون طيار، ومنها ما هو قادر على اطلاق صواريخ، الاّ اننا قادرون على مواجهة هذا التهديد وان اسرائيل لا تواجه فرقاً نظامية، بل إن وحدات حزب الله تملك الكثير من السلاح وكميات هائلة من الصواريخ..انا أصف هذا السيناريو طوال الوقت، وأنقله للمسؤولين السياسيين لدينا، لكنني في نفس الوقت لا اتحدث عن سيناريوهات رعب، فهذا ليس هدفي، بل اتحدث عن واقع ووقائع، وان الخطر من الشمال، من لبنان وحزب الله، هو الاكثر تحدياً لاسرئيل،.. نظرياً نعم، حزب الله قادر على السيطرة على الجليل، فهم لديهم نظريتهم القتالية التي تتيح لهم فعل ذلك، كما انهم اكتسبوا خبرة كبيرة في قتالهم في سوريا، لكن عليهم ان يواجهوا الجيش «الاسرائيلي» أولاً، قبل القيام بذلك».
وحين سأل غيتس محاوريه «هل تريدون ان نباشر حرباً ضد حزب الله؟»، أجاب «بالتأكيد لا تريدون». وأضاف: «يجب علينا ان ندير المخاطر بحكمة مع تهديد كتهديد حزب الله، اذ ان الخطورة ليست كخطورة ادارة المخاطر في البورصة، حيث الخطأ يؤدي فقط الى خسارة في المال، بل نتحدث عنها عن ادارة مخاطر أي خطأ فيها يؤدي الى موت الكثير من الناس». وعما اذا كانت اسرائيل مستعدة عسكريا للوضع الميداني الذي يطلق فيه حزب الله 1000 صاروخ يوميا، قال «أنا قلق جداً من الموارد الناقصة لدى المؤسسة الأمنية. اعتقد ان الفجوات كبيرة جدا».
محمود زيات