بعد امتلاك احتياطيات من الغاز تعادل 78% من سعة التخزين، وفقاً لـ”Gas Infrastructure Europe”، يسعى الاتحاد الأوروبي للوصول إلى 80% في 1 تشرين الأول/نوفمبر المقبل.
لكن الأمور، تتخذ منحىً صعباً أكثر فأكثر، إذ من غير الواضح إذا ما كانت كميات الغاز ستستمر بالوصول من من روسيا. هذا الحديث بات واقعاً، بعدما أغلقت “غازبروم” خط الأنابيب الذي يربط بين روسيا وألمانيا أمس، بعد ساعات فقط من إعلان مجموعة الدول الصناعية السبع أنها ستفرض سقفاً سعرياً على النفط الروسي. ردّت الشركة سريعاً، إنه تم اكتشاف تسرب نفطي ولن يعاد فتح خط الأنابيب إلى أجل غير مسمى. الاضطرابات والنقص المطولان يمكن أن يؤديا إلى التقنين المكثف، ومن المرجح أن يدفع اقتصاد القارة المتعثر بالفعل، إلى الركود.
“خطوة غازبروم ليست مفاجئة”، غرَّد شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، الذي أكد أيضاً “الإسراع نحو الاستقلال في مجال الطاقة“.
عنوان يبدو غير منطقياً، إذ إن بحث المفوضية الأوروبية عن حلول للحد من أسعار الطاقة وخفض الطلب على الكهرباء، يتمثل بزيادة استيراد الغاز الطبيعي المسال من بلدان مختلفة: قطر، الولايات المتحدة، نيجيريا، مصر، إيران، العراق، تركيا أو الاحتلال الإسرائيلي. لكن كل هذه الدول من دون استثناء، تحتاج إلى سنوات عدة من أجل زيادة صادراتها إلى أوروبا.
وفوق عامل الوقت الذي لم يعد، حسب المنطق، سريعاً، تحتمل هذه الخيارات نفسها، تحديات تتعلّق إما بكثرة الاستهلاك أو ضعف الإنتاج أو وجود تحديات سياسية تحول دون تصدير الغاز، خصوصاً أن جزء لا يُستهان به من هذه الدول تقع في مناطق قد تتعرض لخضَّات أمنية، وهو ما قد يؤثر على إمدادات الطاقة في أي لحظة توتر.
تحدٍّ آخر، هو أن تكلفة الغاز الطبيعي المسال أعلى من تكلفة غاز الأنابيب، وبالتالي فإن اعتماده كخيار أساسي، يعني زيادة في الدفوعات بالتوازي مع معاناة كل دول العالم من موجة تضخم بدأت عام 2019 مع وصول “كوفيد 19”.
ألمانيا هي المتضرر الأكبر، ورغم أن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك قال إن الاستعدادات اللازمة لهذا الشتاء بدأت، إلا أن برلين لا تملك حالياً أي محطة للغاز المسال، بل تخطّط لبناء محطتين في وقت اضطّرت فيه لإيقاف مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي كان من المفترض أن يورد 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في هذا العام.
محللوا شركة “وود ماكنزي” للأبحاث حذَّروا أمس، من أنه إذا ظل خط الأنابيب مغلقاً وتبين أن الشتاء في أوروبا سيكون بارداً بشدة، فقد تنخفض احتياطيات الطاقة في القارة إلى مستويات خطرة، ما يفرض قيوداً صارمة على استخدام الغاز الطبيعي والكهرباء، وبالتالي سيؤثر على أكثر من صعيد: من توليد الطاقة الذي يأخذ 32% منه، إلى الصناعة (26%) و38% للمباني السكنية والتجارية.
هذا يعاكس تماماً تصريح المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتلوني، الذي أكَّد أن الاتحاد “على استعداد جيد” في حال الوقف الكامل لإمدادات الغاز الروسي، بفضل التخزين وإجراءات اقتصاد الطاقة.
في 3 آذار/مارس 2022، أي بعد بدء الحرب بنحو شهر، نشرت وكالة الطاقة الدولية خطةً من عشر نقاط لتخفيف اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، لكن بعدها بشهر أيضاً، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الاتحاد كان ولا يزال يدفع إلى روسيا ما يقارب المليار دولار يومياً مقابل الغاز والفحم والنفط الروسي. وأثناء لقائه مع سفراء الاتحاد أضاف بوريل: “لقد منحنا أوكرانيا مليار يورو. قد يبدو الرقم كبيراً، لكن مليار يورو هو ما ندفعه لبوتين يومياً مقابل الطاقة التي يوفرها لنا”.
عملية عسكرية روسية في أوكرانيا، موّل جزءاً منها، وبطريقةٍ غير مباشرة الاتحاد الأوروبي نفسه، الذي اعتمد تاريخياً على روسيا في حوالى 40% من غازها الطبيعي، الذي يتم تسليم معظمه عبر خطوط أنابيب. منها “يامال”، الذي يعبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا، ونورد ستريم 1، الذي يمتد مباشرة إلى ألمانيا، وخطط أنابيب عبر أوكرانيا.
لا تحصل جميع البلدان على الغاز مباشرةً من روسيا، ولكن إذا تلقت دولٌ مثل ألمانيا، أكبر مشتر للغاز الروسي في أوروبا، كميات أقل، فيجب عليها سد الفجوة من أماكن أخرى، على سبيل المثال من النرويج، التي لها تأثير غير مباشر على الغاز المتاح للبلدان الأخرى. ونتيجةً لذلك، يمكن أن تتسبب التغيرات في الإمدادات الروسية في تقلبات أسعار الغاز في بريطانيا كما هو الحال في بقية أوروبا، على الرغم من أن بريطانيا تحصل عادةً على أقل من 4% من غازها من روسيا. لكن انخفاض المعروض الروسي يعني أن كميات أقل يمكن أن تكون متاحة من أكبر مورد لها، أي النرويج.
منذ عام 2000، طرحت أوروبا، طرحها الجديد نفسه، عنوان ضرورة السعي لتنويع مصادر الغاز المستوردة وعدم الاعتماد على الغاز الروسي فقط. وقتها كانت أوروبا تستورد 41% من غازها من روسيا وتنتج 59% من حاجتها، معظمها من بريطانيا وهولندا. لم تكن شبكة خطوط الأنابيب موجودة كما هي حالياً. اليوم، وبعد 22 عاماً تستورد أوروبا ما يقارب 46% من حاجتها من الغاز من روسيا وما زالت تسعى لتنويع مصادر الطاقة كي لا تبقى الطاقة سلاحاً تستخدمه موسكو عندما تحتاج إلى لذلك.
الاعتماد على روسيا كان الخيار الأكثر منطقية بالنسبة لأوروبا، إذ تملك موسكو حسب أرقام عام 2020، أكبر احتياط من الغاز الطبيعي بـ4.37 تريليون متر مكّعب، ما يعادل 19.9% من مجموع الاحتياطات المؤكدة في العالم، وهي قريبة جغرافياً، ومرتبطة بأوروبا بخطوط أنابيب ما يعني سهولة في نقل الغاز وكلفة أقل من الغاز المسال المنقول عبر البحر أو البر.
هذا الوضع تدرك أهميته روسيا، وهو ما وضعها في موقع متقدم في قطاع الطاقة. ورأت منذ عام 2014، بعد ضمها لجزيرة القرم، أن اعتماد أوروبا على الغاز الروسي ضرورة جيوبوليتيكية لها، وهذا ما تبين لواشنطن أيضاً، وعليه عارضت انشاء خط أنابيب “نورد ستريم 1”.
ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا صعد إلى السطح الحديث عن التقاطع الكبير بين الجيوبوليتيك وأمن الطاقة. النتيجة كانت تصب لصالح بوتين باعتبار أن الغاز بات السلاح الأقوى في وجه الأوروبيين الذين ظنوا أن فتح الباب لشركات الغاز الروسية طوال السنين الماضية سيكون بتكلفة جيوبوليتيكية قليلة أو معدومة.