تتسارع الجهود والمساعي السياسية في بغداد وفي عواصم الدول العربية وخصوصا تلك المهتمة بالحرب على الارهاب، والتي تنتظر زيارة و زير الخارجية الاميركية جون كيري لها كالرياض وعمان وغيرهما من اجل بلورة استراتيجية شاملة لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا. واثمرت هذه الجهود اول امس حيث اعلن عن تشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة حيدر العبيدي، وقد نالت الحكومة ثقة البرلمان العراقي باكثرية ساحقة مما يـؤشر الى وجود توافق سياسي بين مختلف الكتل النيابية، والتي تمثل مختلف المكونات السياسية والشعبية في العراق.
يشكل اعلان الحكومة العراقية الجديدة خطوة اساسية على طريق التأسيس لبناء سلطة قادرة على جمع شمل كل المكونات العراقية حول الدولة وتمكينها من استعادة سيادتها على المناطق التي اجتاحتها «الدولة الاسلامية»، لكن لا يمكن توقع ان يحدث تشكيل الحكومة العراقية الجديدة تغييرا جذريا في الوضعين العسكري والامني داخل العراق، حيث يبدو بوضوح بان الجيش العراقي وقوات البيشمركية الكردية غير قادرين على شن هجمات ردية كاسحة لدحر «داعش» وذلك بالرغم من المساندة الجوية الاميركية المستمرة. من هنا فان المواجهة الحقيقة تنتظر تشكيل تحالف دولي واقليمي واسع لشن حرب شاملة على الارهاب وتتحدث المعلومات عن امكانية ان يضم هذا التحالف ما يقارب اربعين دولة غربية واقليمية، بعضها سيشارك في المواجهة العسكرية مع «داعش» بينما يشارك الاخرون في تقديم مساعدات مختلفة لدعم كل الخطط الاخرى الخاصة بمحاربة الارهاب، بما فيها الدعم اللوجستي اللازم للجيش العراقي والبيشمركة الكردية والمعارضة السورية المعتدلة.
نظرا لاهمية الدور المحوري الذي ستلعبه واشنطن في تشكيل التحالف الدولي وفي قيادة الجهد العسكري لدحر «الدولة الاسلامية» القائمة على مساحات واسعة من العراق وسوريا فان العالم ينتظر الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الاميركي باراك اوباما خلال ساعات والذي سيعلن فيه رؤيته واستراتيجيته للحرب على «داعش» والتي من المتوقع ان تحدد اهداف الحرب، ووسائل وطرائق خوضها، مع توزيع الادوار لمختلف اللاعبين الدوليين والاقليميين، مع ترجيح ان تستند هذه الاستراتيجية على ما سبق للرئيس اوباما ان حدده كاطار عام لعمل الولايات المتحدة في مساعدة حلفائها في الخارج في مواجهة الازمات والتي تتطلب العمل على بناء قدرات هـؤلاء لايجاد الحلول اللازمة، دون توريط الولايات المتحدة عسكريا، وذلك في خطابه السنوي في الاكاديمية العسكرية في «ويست بوينت» ويتطلب تطبيق مثل هذا الاطار ان تتوصل واشنطن مع حلفائها الى التعرف على مستوى التهديد الذي تمثله «الدولة الاسلامية» وعلى بناء رؤية للمواجهة مع تحديد الاولويات في استعمال القدرات وتوجيه الجهود المتناسقة بين قوى التحالف للقضاء على «داعش» وغيرها من المنظمات الارهابية.
يبدو من الاتصالات الجارية والاجتماعات التي ستعقد في جدة في المملكة العربية السعودية والتي ستحضرها الدول الخليجية ومصر والاردن والعراق وتركيا بان الطريق بات مسهلا للتوافق على هذه الدول في التحالف الكبير التي تسعى الولايات المتحدة الى تشكيله في اقصر مهلة ممكنة. ويجري الحديث الان ان لا تقتصر وظيفة هذا التحالف الدولي على العملية العسكرية اللازمة لدحر «الدولة الاسلامية» في العراق والشام، بل ستمتد لبضع سنوات وذلك من اجل التأكد من استئصال جميع المجموعات والارهابية وملاحقة المقاتلين المنتمين الى الجهادية التكفيرية اينما ذهبوا وتوزعوا. وتشمل هذه الملاحقة الواسعة التعامل بجدية مع الاسباب التي تدفع الى اعتناق ايديولوجية العنف والتكفير.
على مسار مواز للمهام العسكرية المباشرة وللمعالجات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهة الفكر التكفيري التي سيضطلع بها الائتلاف، هناك مؤشرات حول امكانية التوافق على قرار دولي يتخذه مجلس الامن من اجل اجبار مختلف الدول على المساهمة في تجفيف مصادر تمويل الارهاب ومنع مواطني مختلف الدول من الالتحاق باية حركة ارهابية اصولية، والدعوة المشددة للاجهزة الامنية في الدولة لمنع سفر المشتبه بهم والحؤول دون التحاقهم بالجماعات المتطرفة او الارهابية.
تؤشر التحركات والتصريحات التي قام بها الرئيس اوباما شخصيا، بما في ذلك لقاءاته مع زعماء الكونغرس بان هناك جدية في تنفيذ الخطة التي سيجري التوافق عليها مع الحلفاء الغربيين ومع الدول الاقليمية، وكان من البارز في هذا الموضوع بان الرئيس قد اطلع الكونغرس على قراره للتطرف عسكريا، ومن دون الحاجة لطلب موافقة الكونغرس وذلك انطلاقا من الصلاحيات التي يخولها له الدستور والقوانين كقائد اعلى للقوات المسلحة الاميركية، ويشكل هذا القرار مفارقة كبيرة مع الرئيس اوباما لطلب موافقة الكونغرس لاجازة الضربة التي وعد بتنفيذها لمعاقبة نظام بشار الاسد بعد اجتيازه «للخوط الحمر» واستعماله للسلاح الكيماوي ضد شعبه في غوطة دمشق العام الماضي.
من الطبيعي الافتراض بان تشكيل مثل هذا التحالف العريض في الحرب على الدولة الاسلامية سيؤدي خلال اشهر معدودة الى تحقيق النجاحات الميدانية الحاسمة والتي تمكن الدولة العراقية من استعادة سيطرتها على كل الاراضي والمدن التي تخضع الان «للدولة الاسلامية» لكن يبقى من الصعب جدا تصور ما يمكن ان تؤول اليه التطورات الميدانية داخل سوريا، وذلك بسبب رفض القوى الدولية والاقليمية اية امكانية للتنسيق او التعامل مع نظام بشار الاسد وتسيطر اجواء من الشك والغموض حول قدرة «الجيش الحر» والتنظيمات المسلحة التي ترفض فكر القاعدة والتطرف من الصمود والقتال على جبهتين: الاولى ضد قوات النظام والثانية ضد قوات «داعش».
لا يكفي ان تنجح العمليات العسكرية في العراق للقول بتحقيق انتصار على «الدولة الاسلامية» وبدحر الارهاب فالانتصار العسكري الفعلي على الارهاب يتطلب دون ادنى شك اجتساس كل قوى «الدولة الاسلامية» ومنها كل التنظيمات التكفيرية والجهادية الاخرى في سوريا والعراق. من هنا تبرز ضرورة بلورة رؤية واضحة لدى الائتلاف الدولي الذي سيشكل حول الخيار الذي سيعتمد في مسرح العمليات السوري، وخصوصا لجهة هوية وقدرات القوى العسكرية التي ستخوض غمار العمليات البرية، وبالتالي مفاعيل الهجمات الجوية التي ستقودها قوى التحالف ضد قوى «داعش» وما شابهها في الشمال السوري.
مع عودة الموفد الدولي دي ميستورا الى دمشق يمكن البحث مع النظام السوري في مدى قابليته للعودة الى طاولة المفاوضات مع المعارضة السورية، والعمل بجدية وبنوايا حسنة للتوصل الى حل سياسي للازمة. اذا نجح النظام السوري في اقناع التحالف الدولي في القبول للتباحث حول الحل السياسي وفق النقاط الست التي اقرت في مؤتمر جنيف الاولى، فان ذلك سيسهل عملية القضاء على تنظيم «داعش الاسلامية». لكن يبقى السؤال حول مدى مصداقية النظام في الوفاء بما يمكن ان يقدم من وعود للسير قدما في السير نحو حل سياسي وفق الرؤية التي اسست لها محادثات جنيف الاولى. سبق للنظام السوري واعلن قبوله بمبادىء جنيف، ولكنه تبين لاحقا بانه كان يناور من اجل كسب الوقت من اجل التحضير لدحر المعارضة واسترجاع هيمنته على الارض، بمعاونة حلفائه في روسيا وايران وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية.
في الاستنتاج العام، لا يمكن الركون الى السلوكية التي يمكن ان يعتمدها النظام، اذا ما فتحت امامه امكانية استغلال العملية الجوية الدولية ضد «داعش» في مناطق دير الزور والرقة وريف حلب من اجل استعادة سيطرته على هذه المناطق. هناك احتمال ان ينقلب من جديد ويخنث بكل الوعود التي قطعها، ولا بد في هذا الاطار من التساؤل حول الموقفين الايراني والروسي من هذه الحرب على «الدولة الاسلامية» والارهابية اذا ما تناولت الداخل السوري؟
لا يبدو بان ايران او روسيا مرشحتان للمشاركة في التحالف الدولي، ولذلك تفرض الضرورة دراسة ما يمكن ان تعتمداه من خطوات لعرقلة مسار العمليات العسكرية على الارض، هناك خطوات عديدة يمكن ان تـؤدي الى عرقلة العمليات الجوية والبرية على حد سواء، ليس هناك من امكانية لبحثها الان.
في النهاية يمكن للعملية العسكرية التي يخوضها التحالف الدولي والاقليمي ان تنجح في تفتيت ودحر «الدولة الاسلامية» وان سرعة تحقيق ذلك ستتوقف على اعتماد استراتيجية واضحة، وخطة عملانية تفصيلية تغطي مسرح العمليات السورية مع التركيز على استخلاص الدروس اللازمة من الاخفاقات التي واجهتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد احتلال العراق، والى حين الانسحاب منه عام 2011.
الصدر: نوافق على الحوار إذا كان علنيًا ولتشكيل حكومة بعيدة عن التبعية والتدخلات الخارجية
أعلن زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عن موافقته على المشاركة في الحوار مع جميع الجهات في البلاد ولكن...