ما فرقته وباعدته الحرب السورية بين حماس وحزب الله لم يجمعه وتقربه الحرب
الإسرائيلية على غزة. ما زالت العلاقة بين «المقاومتين» اللبنانية والفلسطينية في
حالة اضطراب وعدم استقرار، ولم تستعد وضعها الطبيعي في فترة حرب غزة. خلال الحرب
صدرت أصوات فلسطينية (بينها موسى أبو مرزوق) تنتقد بلغة اللوم والعتب حزب الله على
اكتفائه بتضامن إعلامي من دون أن يبادر الى خطوات عملية لتخفيف الضغط عن حماس وغزة.
وبعد الحرب، صدرت انتقادات في صفوف حزب الله في أعقاب «خطاب النصر» الذي أدلى به
خالد مشعل من الدوحة. هذا الخطاب عزز قناعة لدى حزب الله بأن حماس صارت في مكان آخر
وأن الدعم يجب أن يتحول الى حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية «كتائب أبو علي
مصطفى» وتنظيمات أخرى.
في وسائل الإعلام القريبة من حزب الله نشر تعليقان حول «خطاب مشعل» يعكسان
الخيبة من الخطاب وصاحبه:
? كتبت جريدة «السفير»: أسهب مشعل في خطاب «النصر» الذي ألقاه
من قطر في الحديث عن دلالات الانتصار الذي تحقق في غزة، خصوصا على صعيد المواجهة
التاريخية مع العدو الإسرائيلي، على المستويين السياسي والعسكري. كما حرص على توجيه
التحيات يمنة وشمالا، لقطر و«الجزيرة» وتركيا واليمن وصولا الى الرئيس المنصف
المرزوقي في تونس، لكنه أغفل، ربما عن عمد أو سهوا، الإشارة ولو من باب الوفاء،
لحاضنتي المقاومة في لبنان، وحزب الله تحديدا، وسورية التي كان لها ما لها من
احتضان ودعم لحركة حماس عندما كانت تقاطعها غالبية العواصم العربية والغربية.
وخص مشعل بالتحية «قطر وأميرها الشجاع» (تميم بن حمد آل ثاني)، موجها له ما
سماه «شكرا مقدرا ومستحقا». وقدم أيضا «شكرا للرئيس (رجب طيب) أردوغان الرجل
الأصيل»، مضيفا أنه «لم تشغله انتخاباته وترتيب بيته الداخلي عن معركة غزة، وشكرا
للرئيس الثائر المنصف المرزوقي».
وشكر «قناة الجزيرة» القطرية، واصفا إياها
بـ «درة الإعلام»، موجها التحية إلى شخصيات سياسية عدة، من بينها أمير الكويت ورئيس
السودان والرئيس اليمني. وبعد التحية، شكر على سبيل الذكر فقط الجزائر وعمان
وماليزيا.. وإيران. وشكر دول أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا لما وصفه بموقفهما
المميز تجاه العدوان على غزة، ومصر على احتضانها للمفاوضات التي أنهت الحرب.
? كتبت صحيفة «الأخبار» (في افتتاحيتها): هناك كلام عام عن
الشراكة في الانتصار من قبل مشعل، يخفي إعلان الانضواء التام في محور يخضع مباشرة
للهيمنة الأميركية والغربية، تقوده تركيا وقطر. لم يكن ممكنا توقع لائحة شكر من
قبله لا تبدأ بقطر وتركيا وكل رعاة «الإخوان المسلمين». لكن المشكلة تكمن في العقل
الذي وقف خلف ما كتبه وقرأه. وإذا كان مشعل يصدق أن تحرير فلسطين يمر عبر شركائه في
تنظيم الإخوان، فهو حر، وعسى أن يكون صادقا. علينا بالتالي انتظار أن تتولى قطر
بناء منظومة قتالية استثنائية، وأن تخوض تركيا أكبر معركة ضد أميركا وإسرائيل، وأن
ينسق أمير الكويت وسلطان عمان مع رئيس وزراء ماليزيا في تعزيز ثقافة المقاومة،
بينما يتولى مهرج تونسي عملية حفر الانفاق.
وإذا كان مشعل لم ير من إيران سوى التضامن، ولم يلمح أثرا لسورية وحزب الله في
قدرات المقاومة المنتصرة في غزة، وكاد ينسى رئيس السودان الذي منح المقاومين
الجنسية السودانية، وفتح بلاده لإقامة مصانع عسكرية بتمويل إيراني، وترك حدوده
للمقاومين ينقلون ما في حوزتهم الى غزة عبر سيناء.. فهذه هي المصيبة.
واجب علينا القول صراحة: لا شعار ولا صوت ولا قامة ترتفع فوق قامات المقاومين في
فلسطين، ومجنون من يراهن على خيار آخر.
لكن الحقيقة المتلازمة أن الجحود هو الموت بعينه، وما علينا إلا التعود على
حقيقة مرة تقول: «لا أمل من الإخوان المسلمين.. لا أمل».