بدأ قدامى زعماء تنظيم القاعدة المختبئين من ضربات الطائرات دون طيار والعاجزين عن توجيه ضربة للغرب يخسرون صراعا على النفوذ مع متشددين أصغر سنا وأكثر تشددا في العراق وسوريا يرون أنهم أنفسهم الأحق بخلافة أسامة بن لادن.
فعلى نحو متزايد يبدو التنظيم السري الذي استهدف الغرب وحلفاءه من العرب على مدى ما يقرب من 30 عاما باليا وغير فعال في عيون المترددين على المنتديات الجهادية الرئيسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحسابات تويتر التي تعد مفارخ للمجندين المحتملين من المتشددين.
ويصر المسؤولون الغربيون على أن شبكة القاعدة ما زالت تمثل خطرا كبيرا لعوامل منها أن الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي تمنحها المجال لتنظيم نفسها كما أن فروعها في سوريا واليمن تضم مقاتلين متمرسين وخبراء في صناعة القنابل.
لكن كثيرين من الاسلاميين الشبان الذين كانوا في سن الدراسة عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2011 على الولايات المتحدة يتطلعون الان لا للقاعدة التي أصبح زعيمها أيمن الظواهري في منتصف الستينات من العمر بل إلى جماعة تقدم نفسها في صورة “دولة الخلافة“.
وتثير الهجمات الطائفية التي يشنها تنظيم داعش إعجاب أنصارها ثقة منهم أن هذا العنف جزء من حرب أوسع نطاقا مع الغرب نادى بها بن لادن الذي قتلته القوات الامريكية عام 2011.
وتنذر الفجوة بين الأجيال التي ظهرت في صفوف المتشددين بالإطاحة بتنظيم القاعدة من موقع الصدارة في تزعم موجة التشدد بعد أن أنتشر صيته في الافاق في أعقاب هجماته بطائرات مخطوفة التي أسفرت عن سقوط ما يقرب من ثلاثة الاف قتيل في مركز التجارة العالمي في نيويورك وفي واشنطن وبنسلفانيا.
واستقطب “داعش” أتباعه من الشبان باقتطاع مساحات كبيرة من الاراضي العراقية في هجوم خاطف الشهر الماضي.
وتقدر وكالات المخابرات الامريكية أن نحو سبعة الاف من بين 23 ألف متطرف يؤمنون بالعنف سبيلا ويعملون في سوريا هم من المقاتلين الأجانب وأغلبهم من أوروبا.
ويقول دبلوماسيون في المنطقة إن الكثيرين من هؤلاء الأجانب يحاربون باسم “داعش“.
معقل الجهاديين
اختلف “داعش” مع تنظيم القاعدة في عام 2013 بسبب توسعه في سوريا التي نفذ فيها أتباعه عمليات إعدام بقطع الرؤوس وصلب وإعدامات جماعية.
ولم يعلن أي فرع للقاعدة موافقته رسميا على دولة “داعش” وندد بها علماء الدين المتعاطفون مع القاعدة مشيرين إلى ما يعتبرونه استعداد التنظيم لاستخدام العنف في حل النزاعات مع فرع القاعدة في سوريا.
لكن هذه الآراء لا توفر العزاء لتنظيم القاعدة. ويقول محللون إن ما تسمى دولة “داعش” أعلنت بغرض التأثير في المجندين المحتملين لا للفوز بثناء كبار العلماء.
وبالنسبة لكثيرين كان إنشاء “داعش” لمعقل جهادي يمتد في غرب العراق وشرق سوريا أفضل من فشل القاعدة على مدى نحو عشر سنوات في تنفيذ هجوم كبير في الغرب.
ولا يغيب الفارق عن اسلاميين من أمثال عبد المجيد الهتاري الشيخ اليمني الذي عنف القاعدة في رسالة على تويتر وفيسبوك في 15 يوليو تموز الجاري وأشار إلى اختباء زعمائها في اسيا بالمقارنة مع تنظيم “داعش” الذي أصبح له دولة على الارض.
عالم الخيال
وأضاف أن القاعدة تسعى لإقامة دولة “في عالم خيالي” رغم أن زعماءها يقاسون في الصحارى والقفار وعلى قمم الجبال وفي الوديان.
وحتى بين أقرب حلفاء القاعدة في جنوب اسيا تبدو الصورة مختلطة.
فقد نشرت طالبان الافغانية التي منحت بن لادن ملاذا آمنا في التسعينات رسالة تحث المسلمين على تفادي التطرف والحفاظ على وحدتهم في رسالة موجهة فيما يبدو إلى “داعش“.
وبصفة غير رسمية يقول بعض قادة طالبان لرويترز أنهم لا يريدون إغضاب القاعدة التي اعتبروها حليفا قديما في قتالهم ضد قوات حلف شمال الاطلسي.
لكن بعض قادة طالبان يبدون حماسهم لتنظيم “داعش“. وقال متشدد في الثلاثينات من العمر “عشرات من رفاقي من هناك معهم.”
وتنعكس الضجة التي ثارت حول “داعش” لا في سيل المجندين الذين اجتذبتهم في سوريا والعراق فحسب بل في الحرب الدعائية التي يشنها علماء دين على الانترنت تأييدا للتنظيم ومعارضة له.
وكتب كول بونزل طالب الدكتوراة بجامعة برينستون يقول إن أكثر أصوات “داعش” فعالية هو رجل الدين البحريني تركي البنعلي والذي قال إن عمره 29 عاما.
سكوت القاعدة ليس من الحكمة
وسلطت المشاحنات بين شخصيات كبيرة الضوء على الهوة بين الأجيال. فالبنعلي من الأتباع السابقين للأردني أبو محمد المقدسي أحد كبار المفكرين الجهاديين.
وعندما اختلف الرجلان على تنديد المقدسي بـ “داعش” أشار المقدسي إلى أن شباب العلماء المتشددين مثل البنعلي لا يحترمون كبار العلماء.
وفي وقت سابق عزا البنعلي انتقاد متشدد آخر من كبار السن لـ “داعش” إلى ارتباك رجح أن سببه كبر السن.
ويخشى بعض المسؤولين عن مكافحة الارهاب أن تضاعف فروع القاعدة جهودها لتنفيذ هجوم كبير في الغرب في محاولة لانقاذ سمعتها.
غير أن جهودها الدعائية تبدو فاترة.
وقبل سنوات قال تنظيم القاعدة إن البغدادي لم يعد يمثلها لكن الظواهري لم يعلق على “الخلافة” التي أعلنها “داعش” ونشر بدلا من ذلك مقاطع فيديو من الماضي تمجد بن لادن.
ولم يتأثر بعض الاسلاميين بذلك.
وقال عالم الدين المصري هاني السباعى الذي يعيش في لندن إن صمت قادة القاعدة وفروعها على إعلان “خلافة” جديدة ليس من الحكمة. وأضاف “لا ينفع التلميح والتعريض. لابد من بيان صريح جامع مانع. فالخطب عظيم.”