«حزب الله» في المشهد العاشورائي .. هو غيره في مشاهد اخرى، وهو حين يجيد تحشيد مناصريه وجمهوره العريض في زحف بشري لا مثيل له في لبنان .. الى الشارع، على الرغم من الاستهدافات الارهابية، لاحياء ذكرى مقتل «شفيع» الحزب والشيعة في لبنان والعالم، فهو يُجيد ايضا توجيه الرسائل «لمن يهمه الامر» وهم كُثُر، لا مجال عنده للتغاضي عما يجري، والاكتفاء بتخصصه في مقاومة الاحتلال، دون الالتفات الى الحضن الدافىء للمقاومة لحمايته من اية استهدافات هدفها ضرب بنية المقاومة ومجتمعها وهز ساحتها الداخلية.
كثيرون يعتقدون، ان «حزب الله» لم ينتظر ذكرى عاشوراء، وهي الذكرى الاهم في ادبياته وعقيدته، لكي يعلن التعبئة العامة في صفوفه، بل هو اعلنها منذ زمن، منذ قرر توجيه مقاتليه الى الداخل السوري، وبخاصة الى المناطق الحدودية شمالا، بدأت في الجانب السوري، لتمتد الى الجانب اللبناني، بعد «موقعتي» جرود عرسال وجرود بريتال، ليتجنب حزاما امنيا شبيها بالحزام الامني الذي اقامه الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان على مدى 22 عاما.
فما هي الرسائل التي حملها خطابا امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله العاشورائيين، وماذا اراد منها ؟.
اوساط متابعة لحراك حزب الله السياسي والميداني قالت: لقد اعاد السيد نصرالله، في رسالته الاولى الموجهة الى الاسرائيليين، الى اذهان الذين استخفوا او شككوا بقدرات المقاومة وضعف الاحتلال، عناصر القوة التي تتمتع بها المقاومة، اكان ضد الاحتلال الذي راهن كثيرا على اضعاف قوة المقاومة اللبنانية، من خلال الحرب التي تتعرض لها سوريا من اعدائها العرب والغربيين برعاية اميركية، لكنهم وجدوا ان لا المقاومة انشغلت في سوريا على حساب معركتها مع الاحتلال الاسرائيلي، ولا المناورات التهديدية التي يلجأ اليها الاحتلال من حين لآخر دفعت بـ «حزب الله» الى الانكفاء عن الخيار الذي اتخذه باكرا في سوريا، تقول الاوساط، ام ضد القوى الارهابية والتكفيرية التي، كي لا يصل لبنان الى مشهد اكثر فظاعة وبشاعة من المشهد العرسالي الذي يشهده اللبنانيون منذ الهجوم على مراكز الجيش واختطاف العسكريين.
وترى الاوساط، ان ما بات يُقلق الاسرائيليين من «حزب الله»، تنامي قدراته القتالية المكتسبة من معارك حرب العصابات التي يخوضها في منطقة القلمون السورية، ووجوده على الارض في المناطق المتاخمة للجولان السوري المحتل، وفق ما تتحدث اوساط عسكرية صهيونية، ما يعني ان مقاتليه باتوا على معرفة وافية للواقع الجغرافي والعسكري للمنطقة الممتدة الى جبهته الاساسية في جنوب لبنان، من خلال الطرف الغربي من الجولان السوري المحتل عند بلدة الغجر ونهر الوزاني، وترابطها بجبهة مزارع شبعا.. كل هذا التنامي يُسجل لصالح «حزب الله»، الذي رأى جنرالات كبار في جيش الاحتلال انه قادر على خوض جبهتين في وقت واحد، الجبهة مع اسرائيل جنوبا، والجبهة مع الارهابيين والتكفيريين شمالا، فالاسرائيليون لا يعلقون على ما يُطلق من نظريات الضعف والاستنزاف الذي «اصاب» الحزب، جراء مشاركته في القتال داخل سوريا.
والسيد في خطابه العاشورائي، تضيف الاوساط، مطمئن من الحال التي وصل اليها عدوه، والمقاومة درست لحظة بلحظة، وقائع العدوان على غزة، الذي اظهر العجز العسكري الاسرائيلي الذي زرع «حزب الله» بذوره الاولى في العام 2000، وتنامى هذا العجز خلال العدوان على لبنان في العام 2006، ليقول السيد نصرالله .. «ما سمعناه من الاسرائيليين لا يقلقنا ولا يخيفنا، بل يزيدنا طمأنينة ويكشف لنا قلق عدونا، على الاسرائيلي ان يقلق، وعليهم، كما قالوا هم، ان يغلقوا مطار بن غوريون وميناء حيفا، وعليهم ان يغلقوا كل المطارات والموانىء .. لن تجدوا مكاناً على امتداد فلسطين المحتلة لا تصل إليها صواريخ المقاومة الإسلامية في لبنان. هذا هو واقع الحال في المعركة المفتوحة بين المقاومة التي يمثلها «حزب الله»، وبين الاحتلال الاسرائيلي الذي وصل الى طريق مسدود في كل محاولاته الهادفة الى التخلص من خطر «حزب الله» الداهم والمتربص عند تخوم مواقعه وثكنه العسكرية في جبهتهم الشمالية.
وفي ظل العجز اللبناني الرسمي على المستوى الحكومي، تقول الاوساط، لم يجد «حزب الله» امامه سوى تقديم نفسه، وهو جدير بذلك، كجهة معنية مباشرة بالحفاظ على موازين ومعادلات الحرب الدائمة مع الاحتلال، وممارسة الردع تجاه اي عدوان على لبنان، من خلال خروقات تمثلت مؤخرا بتفجير اجهزة تجسس «في عدلون وغير عدلون»، فالمقاومة باتت هي التي تختار حجم الرد ونوعه ومكانه وزمانه، وهي معادلة بات الاسرائيلي يفهمها ويهابها.
وترى الاوساط ان امين عام «حزب الله»، وفي خطابه العاشورائي، اراد التأكيد بصوابية خيار التصدي لها في سوريا وفي لبنان، والقدرة على تحقيق الانجازات الكبيرة، لم يُبد الخطر الاسرائيلي عن خطر الارهاب والتكفير، سيما وان الخطرين هما اشبه بالتوأمان، والتشخيص عنده يصف القوى الارهابية بـ «الوجه الآخر للصهيونية»، قادرون على تحقيق الإنجازات الكبيرة على هذا الصعيد ونحن الآن في قلب الإنجاز.
وتقول ان الخطر الارهابي والتكفيري الذي شخّصه «حزب الله» في كل هذه السنوات التي مضت على الحرب في سوريا بـ «المخاطر»، باتت هذه المخاطر «حرب ابادة» يمكن ان تقوم ضد اتباع الاديان الاخرى والمذاهب الاسلامية الاخرى، فيما لو نجح التكفيريون في السيطرة على سوريا، وهذا يكفي ليضع حدا لاحلام بعض من في الداخل اللبناني الذي يطلق الحملات للضغط عليه من اجل سحب مقاتليه من سوريا، وبالمقابل، ليؤكد للمشككين بالقدرة على هزيمة المشروع التكفيري وان لا مستقبل للتكفيريين، وسيكون لنا شرف اننا كنا جزءاً من الحاق الهزيمة بهم، وفق ما قال السيد نصرالله.
اما الرسالة الثالثة، برأي الاوساط، فانها لا تقل اهمية عن الرسالتين الاخريين، فقد اراد «حزب الله» ان يُطمئن الداخل، وتُرجمت سياسة اليد الممدودة التي تحدث عنها الخطاب العاشورائي لنصرالله بصناعة «الحل» الذي وضعه اركان الحكم في ملف التمديد للمجلس النيابي، «رفضا لدخول البلد في الفراغ»، مع التأكيد على مرشحه للانتخابات الرئاسية رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون، فيما اطلق اشارات ايجابية تجاه طرابلس وبعض فاعلياتها، في عز الحملات المنظمة التي يطلقها بعض ابرز رموز «تيار المستقبل» ضد «حزب الله»، وينبري في هذا السياق وزير العدل اشرف ريفي .
ربما السبب الذي دفع بالسيد نصرالله، تضيف الاوساط، لان يشفع للحكومة اللبنانية في حال رفضت قبول الهبة العسكرية الايرانية للجيش اللبناني، والتي تنتظر «موافقة» الحكومة، بالقول «لا نريد ان نُحرج احدا»، ان السلاح الايراني سيكون حاضرا في المواجهات المقبلة مع الاحتلال الاسرائيلي، ومع القوى الارهابية، سواء جاء هذا السلاح عبر الحكومة ام عبر المقاومة.. فالمواجهة واحدة والخندق واحد في مواجهة المخاطر التي تتهدد لبنان.
وتخلص الاوساط الى القول ان رسالة نصرالله العاشورائية الى الاخصام في الداخل اللبناني، كانت السمة الابرز فيها، التنويه بموقف «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري من القوى الارهابية والحملات الامنية والسياسية الدائرة ضد الجيش اللبناني، والتي وصلت الى حد اعلان الحرب عليه، وقد اراد نصرالله ان يُعطي للصراع القائم مع القوى الارهابية والتكفيرية البعد الحقيقي له، في ظل تسويق مبرمج لـ «الصراع السني ـ الشيعي»، كذلك الاستعداد للحوار في ملف الاستحقاق الرئاسي تحت سقف مرشح الحزب الى الرئاسة الجنرال ميشال عون، مع اشارات ايجابية اطلقها تجاه تيار المستقبل، جيّرها لجهات حليفة وصديقة حثت على حوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، «اللي مش قاتل حالو ع الحوار»، ولكن لا موانع لديه لقيام الحوار، اذا ما نضج «الايعاز» الاقليمي بذلك فهل يتلقف «تيار المستقبل» وحــلفاؤه يد «حزب الله» الممدودة، لحماية لبنان من فتن الداخل والحروب القادمة عبر الحدود؟.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...