القوات اللبنانية د.سمير جعجع الى المملكة السعودية، وهي الثانية له في غضون شهرين،
مظاهر الحفاوة والترحيب التي أحيط بها والمعاملة الاستثنائية التي لقيها. فلم
يستقبل كسياسي وكرئيس حزب، وإنما أيضا كحليف لبناني من موقعه كزعيم وقطب مسيحي
رئيسي في 14 آذار.
وأجرى جعجع لقاءات مع القيادة السعودية على جميع المستويات، حيث التقى صاحب
السمو الملكي ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي رئيس
الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي وزير
الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدلله بن عبدالعزيز، اللقاءات كلها خرجت الى العلن
والى الإعلام وأرفقت بإشارات التقدير السعودي لشخص جعجع ودوره، وهذه الحفاوة
المقصودة تعني أمرين:
? الأول: مكانة جعجع الشخصية والسياسية لدى القيادة السعودية
التي تقدر وضوحه وثباته على مواقفه وإيفائه بالتزاماته، وحيث لا صعود وهبوط ولا
تأرجح وتكيف مع ميزان القوى واتجاه الريح، في إشارة الى ما فعلته شخصيات لبنانية
صديقة كانت الرياض تراهن عليها وصدمت بها.
? الثاني: دور جعجع في المرحلة الآتية التي يعاد فيها تحريك
الملف الرئاسي اللبناني وتكون الرياض مركزا لاتصالات ومبادرات دولية وإقليمية
أكثرها وضوحا المبادرة الفرنسية المتحركة بين طهران والرياض وبيروت. زيارة جعجع الى
السعودية في هذا الوقت وبهذا الشكل تشكل الارتقاء بالعلاقة من مرتبة صداقة الى
مرتبة تحالف وتكريسا لدوره في موضوع رئاسة الجمهورية ليصبح أساسيا ومحوريا وموازيا
لدور العماد عون. فإذا كان عون بالنسبة لإيران وحزب الله ممرا إلزاميا وينبغي
إرضاؤه وأن تكون له كلمة أولى في صنع الرئيس الجديد، فإن جعجع بالنسبة للسعودية
والمستقبل له نفس الدور والموقع، وإذا حدث الانتقال الى مرحلة الرئيس التوافقي،
فإنه ينتقل من صفة المرشح الى موقع الشريك في عملية اختيار الرئيس، وبذلك تكون
الرعاية السعودية لجعجع بمنزلة تكريس لمعادلة مسيحية ثنائية تتحكم بمسار الانتخابات
الرئاسية ومصيرها.
زيارة جعجع لم تقتصر على لقاءات رسمية مع كبار المسؤولين السعوديين وإنما كان
لها جانب أو شق لبناني، ان لجهة حفل الاستقبال الذي أقامته السفارة اللبنانية في
الرياض واللقاء مع الجالية اللبنانية ومع مناصري القوات في السعودية، والأهم لجهة
اللقاء السياسي الذي انعقد بين جعجع والرئيس سعد الحريري في ظل أجواء جديدة أكثر
حرارة وتناغما مقارنة بلقاء باريس أو حتى بلقائهما الأخير في السعودية قبل شهرين،
ذلك أن ما حدث في فترة الشهرين الأخيرين ساهم في تقوية العلاقة وعنصر الثقة فيها
عندما وجد الحريري أن القوات قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة وتغطية التمديد
مسيحيا والوقوف الى جانبه رغم أنها ليست شريكة في الحكومة، وعندما وجد جعجع أن
الحريري باق على التزامه به مرشحا رئاسيا لـ 14 آذار حتى الاتفاق على الرئيس
التوافقي وليس قبل ذلك.
موضوع رئاسة الجمهورية شكل محورا رئيسيا في محادثات الحريري ـ جعجع التي ينضم
إليها اليوم الرئيس فؤاد السنيورة والوزير نهاد المشنوق، ولكنه لم يكن الموضوع
الوحيد: فهناك أولا الحوار الذي على وشك الانطلاق بين المستقبل وحزب الله، وحيث
استمع جعجع، الذي له تحفظات، الى تطمينات وتوضيحات من الحريري، وهناك ثانيا مسألة
الأمن والاستقرار ودعم الجيش، وهناك ثالثا أوضاع 14 آذار التي ليست في أفضل حال
وتكاد تختصر بثنائية المستقبل ـ القوات.