تُثار كثيرًا مسألة تلطّخ أيدي الزعماء اللبنانيين
بالدماء أعقاب الحرب الأهليّة، ولهذه الغاية يرى البعض أن ترشح سمير جعجع لرئاسة
الجمهورية حق طبيعي له طالما أنه حصل على عفو عام أعاد إليه اعتباره وجعل سجله
العدلي نظيفًا، وفي مطلق الأحوال هو جزء من منظومة دموية عانت أهوال الحرب
الأهلية، وشاركت في إراقة الدماء. فهل يُمكن التسليم بصوابية هذا الرأي؟
حقيقة الأمر، أن الفرق والأحزاب اللبنانية قد انغمست في
لعبة الدم، ولا يمكن أن ننسى فترة الاقتتال الدولي على الأراضي اللبنانية، والحروب
الذي ألقت أوزارها على أبناء الطائفة الواحدة، ويكفي أن نستشهد باقتتال حزب الله –
حركة أمل، لندرك ماهية الاختلاف القائم في ذلك الحين.
بيد أن الاقتتال، كان قد تجاوز مسألة القتل المنظم،
والبون شاسع وكبير بين كلتا المفردتين. وبتعبير آخر، إن الحروب الأهلية – التي ذاع
صيتها في أكثر من دولة عربية وأوروبية – تفرض نوعًا من الاقتتال المجاني بغية
إعادة رسم الخارطة السياسية، وعلى الرغم من سوداويتها وبشاعتها وقذارتها، إلا أنها
تحمل بين طياتها فرصة نادرة للوعي وتجنب الوقوع في فخ الائتمار الخارجي مرة أخرى،
وهذا ما كرسه اتفاق الطائف بحيث لم يعد الحديث عن الاقتتال الإسلامي المسيحي
واردًا وإن ارتدى حلة جديدة لها طابع الاقتتال السني والشيعي، على الرغم من تعالي
الأصوات الحكيمة، وبخاصة لدى حزب الله تحول دونه.
وفي هذا السياق، يمكن القول بأن سمير جعجع لم ينطلق في
أعماله الإرهابية من منظومة حكمت الحرب الأهلية، وقضت مضجع اللبنانيين، بل انطلق
من فعل قتل منظم له طابع الفردانية وشهوة القتل للقتل.
والواقع، أن البون شاسع بين الاقتتال المبني على معادلات
سياسية دولية- وفعل القتل هنا ليس واحدًا،
وإلا كيف نفسر قانونًا الفرق بين القتل المقصود وغير المقصود؟ (مع التأكيد مجددًا
على بشاعة وفظاعة ما جرى) – وفعل القتل المبني على توجه دموي يرتوي من خلاله
القاتل، ويشفي غليله، ويروي ظمأه للدم.
يصدر سمير جعجع في جميع أفعاله الجرمية عن رغبة دموية
تصحبها ميليشا أشبه ما تكون بالعصابات والمافيات السائدة في أكثر من دولة أجنبية،
وهو في منطلقاته ومعتقداته يروم الدم لأنه لا يمكن أن يستمر في كينونته ووجوده إلا
من الدم.
والمضحك المبكي أنه يمثل نفسه مانديلا لبنان، في إشارة
إلى مظلوميته، ويكفي أن نشير هنا إلى أن إدانته القضائية وثبوت الجرائم المنظمة
بحقه والتي لا يمكن أن تطبق على الأطراف المتقاتلة في الحرب الأهلية دليل إضافي
على أننا أمام كائن مجرم بطبيعته، بعيدًا عن الظروف السياسية والاعتبارات الدولية.
أما الحديث عن العفو العام، فتلكم لعمرنا، عذر أقبح من
ذنب، إذ أن الصفح عن القاتل لاعتبارات سياسية فرضتها المرحلة لا يعني أن سجله
العدلي أصبح نظيفًا، وسدة الرئاسة لا يمكن أن تحتمل رئيسًا سجله الدموي حافل،
وتاريخه الاستخباراتي الاسرائيلي ينضح بعمالته، ولا يمكن لسدة الرئاسة أن تحتمل
رئيسًا يقضي على الصورة المضيئة الوحيدة في تاريخ الأمة العربية قاطبة، ونعني
المقاومة بأطيافها كافة.
لعل أهم أهداف وصول جعجع إلى سدة الرئاسة، ضرب المقاومة
وفسح المجال أمام حمام دم جديد، وشرعنة القتل المنظم، فمن يقتات من الدم لا يمكنه
أن يعيش إلا على الدم.
أ.باسل بديع الزين
للتواصل مع الكاتب عبر الفايسبوك:
https://www.facebook.com/bassel.elzein?fref=ts