سيكتب التاريخ بحروف من مادة غير معروفة أن ما جرى ويجري في أدمغة قطاعات شتى من الشباب المصري منبعه خيوط العنكبوت. هذه الخيوط التي يسهل تشبيكها فتتحول من خيط ضعيف إلى شبكة كاملة متكاملة، على رغم أن نفخة صغيرة من طفل ضعيف كفيلة بتقطيع أواصرها. لكن العنكبوت يظل عنكبوتاً، يُهدم له بيت فيبني مقابله بيوتاً.
بيوت عدة ذات عشرات البيانات ومئات الصفحات وآلاف التدوينات وملايين الـ «لايكات» تم تشييدها عبر جيوش إلكترونية بعضها بدافع التربية «الإخوانية» والبعض الآخر بأوامر من الجهات التنظيمية وآخرين انجذبوا لدغدغة مشاعر تطالبهم بالإبداع الثوري نصرة للدين والابتكار العنكبوتي.
قواعد الجماعة من الشباب والشابات الذين يشكلون الوريد الوحيد المتبقي محلياً والقادر على تحريك بعض الدماء، سواء من طريق ضخه في جسد التنظيم، أو إسالته من أجساد المصريين، يدينون في تحركاتهم ونقاط لقائهم وتظاهراتهم وشعاراتهم وكتاباتهم الجدارية وشتائمهم الممنهجة ومحاولات اقتحامهم بوابات الجامعات، إلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة حيث الملاذ الآمن الوحيد للتجمع ووضع الخطط والمخارج البديلة.
وبدلاً من أن تنتظر القواعد الطالبية وصول الأوامر القيادية من الكوادر «الإخوانية» كما هي عادة الجماعة بحكم تركيبتها الهرمية وقيادتها الهرمة التي لم تكن تسمح حتى وقت قريب بالتفكير خارج الإطار المحدد أو الابتكار في مجالات غير تلك المقررة سلفاً، وجدت القواعد نفسها في شكل متزايد مدفوعة نحو الانغماس في العالم الافتراضي، علها تتمكن من تغيير مكونات المعادلة السياسية وقلب الموازين الشعبية، فتعود الجماعة إلى سدة الحكم بفضل العناكب «الإخوانية» الشابة.
الطالبة المنقبة التي ربطت بحقيبة يدها بالوناً أصفر وعصبت رأسها بشارة صفراء تحمل اسم «رابعة» ونزلت من بيتها في الأيام الأولى للعام الجامعي محملة بزجاجات الألوان وخربشت على الجدران عبارة «جوز الست» التي نشرها شباب «الإخوان» عنكبوتياً بـ «هاشتاق» لتشويه صورة رئيس جامعة الأزهر الجديد، عادت إلى بيتها في ذلك اليوم وهي غالباً تشعر بفخر عارم وفرحة غير مسبوقة لأنها جاهدت في سبيل الله وتعبت من أجل الدين وتعرضت للخطر لوجه الحق، وذلك بعد ما نفذت المطلوب من «حرائر» (فتيات الإخوان) عبر تويتر.
ومن «تويتر» إلى «يوتيوب»، ومنهما إلى «فايسبوك» وبالعكس… فزميلاتها من «الحرائر» كُلِفن عبر خيوط عنكبوت الجامعة التجمع في نقاط معينة والقيام بمسيرة لا ينبغي أن تنفض قبل التصوير والتحميل على الشبكة. والأهم إرسال تلك المقاطع المصورة للمواقع الغربية والقنوات الفضائية ومشاركتها عبر تقنية «شير» بأكبر مقدار ممكن للمقطع دفاعاً عن الشرعية وتطبيقاً للشريعة. وتكتمل عناصر الاستعانة بمواقع التواصل، عبر اختيار عناوين جاذبة وكلمات يعرفها الشباب جيداً. «شمس الحرية على طرومبيطة حرائر الأزهر» هو عنوان المقطع الذي يسابق «الإخوان» الزمن لتحميله يميناً ويساراً ويصور مجموعة من الأخوات وهن يهتفن ضد الجيش ويكبرن «الله أكبر». ويضم الشريط لقاءات مع عدد من الفتيات المنقبات اللاتي يشكين الإجراءات الأمنية ويطالبن بإنهاء عمل شركة الأمن المكلفة تأمين الجامعات والسماح لهن بالدخول من دون تفتيش، لا سيما أن صاحب الشركة «…». وهنا يحذف الـ «أدمن» أو مدير الصفحة الصوت لإمكان الإتجار بالمقطع عنكبوتياً في شكل أفضل. وكان «الإخوان» روجوا أن صاحب شركة الأمن الخاصة هو رجل الأعمال المسيحي المهندس نجيب ساويرس، بهدف إحماء نيران الغيرة على الإسلام بين قواعدهم. ولما لم تفلح المحاولة، ذيلوها بمحاولة أخرى عنكبوتية أيضاً، لكن أعتى وأقوى. فقد أذاعت قواعد «الإخوان» أن اسم شركة «فالكون» يعني «صقر الصليب»، وهي الترجمة التي توصل إليها أحد «الأكاديميين» وانتشرت كالنار في هشيم «فايسبوك» و «تويتر».
ويظل شر البلية ما يضحك. فالواقع الافتراضي الذي اتخذ منه شباب «الإخوان» طوق نجاة للجماعة، عبر مواقع التواصل وصفحات «فايسبوك» والتغريدات والهاشتاق، انقلب إلى النقيض. فكلما زعموا أن «الشعب المصري انضم إلى تظاهرات الإخوان الرافضة الانقلاب» وشاركوا صوراً عن مليونيات «هادرة» قابلهم واقع آخر يكشف أعداداً هزيلة أو سكان بعض المناطق وهم يرشقونهم بالطماطم والبيض.
ولكن، مهما يكن من أمر فإن «الحقيقة الوحيدة المثبتة حالياً هي أن الإخوان باتوا ظاهرة عنكبوتية بخطاب هولوكوستي» وفق ما يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق. ويوضح «رجل الأعمال الإخواني وكادر التنظيم البارز المحبوس حالياً المهندس خيرت الشاطر تبنى في أوائل التسعينات نشر أكشاك بيع البرمجيات بأسعار تناسب البسطاء وقواعد الجماعة، لا سيما الشباب. واليوم يعتمد التنظيم عليهم في استعادة ما فقدته الجماعة وذلك من خلال الشبكة الإلكترونية. وفي الحقبة نفسها تم تجهيز قاعدة عريضة من صغار الإخوان تقنياً، وهؤلاء تحولوا إلى جيشها الإلكتروني وقت الشدة».
الطريف أن تفجر موجة التدوين الشبابي في مصر في 2003، ظل «منزوع الإخوان» حتى 2006. وربما يعود ذلك – وفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن الأميركية الدكتور مارك لينش في ورقته المنشورة في عنوان «الإخوة الشباب في الفضاء الإلكتروني» (2007) إلى أن نوعية التعليم التي يتلقاها «الإخوة» و «الأخوات» تسير في اتجاه مخالف تماماً لفكر المدونات، حيث لا مجال للانفتاح أو الحرية أو الاستقلالية أو الانتقاد أو السؤال في ما هو غير مطروح من جانب مكتب الإرشاد.
ولكن مع مرور السنوات، والقدرة على التكيف، تصول عناكب الجماعة وتجول لكنها لا تخرج عن دوائر فكر حسن البنا وتعليمات المرشد.
البنك الدولي يوافق على قرض لمصر بـ400 مليون دولار
قالت وزارة التعاون الدولي المصرية إن البنك الدولي أعطى موافقة على إقراض مصر مبلغ 400 مليون دولار، تخصص لعدة مجالات...