نجحت التسوية السياسية التي فرضت التوافق على سلسلة الرتب والرواتب تحت شعار «المقتضى والضرورة» والمظللة بصفقة التمديد في سحب احد فتائل الملفات المتفجرة الموزعة على الساحة اللبنانية، فيما بقيت عاجزة عن سحب فتائل التوتر الامني المتنقل، وفي مقدمها ملف العسكريين المخطوفين، المتحول الى «كرة ثلج» من تعقيدات تلو التعقيدات يتشابك فيها السياسي بالأمني والمذهبي والطائفي، تتداخل مع «كرة النار» السورية ومع الارتدادات المحتملة للحرب «العالمية» على الارهاب، رغم الرياح الايجابية التي لفحته، وسط بارقة امل ناتجة عن وساطة دولية افضت الى «حلحلة ما» اعادت الوسيط القطري الى جرود عرسال واعادة احياء الاجتماعات الامنية الثلاثية في انقرة.
حلحلة تمثلت تقول مصادر وزارية في عزم رئيس الحكومة وضع مسألة «المفاوضة والمقايضة» على طاولة مجلس الوزراء على وقع تحول قضية العسكريين المخطوفين شيئا فشيئا الى قضية مركبة ومعقدة، في ظل التصعيد المتواصل من قبل اهاليهم على مستوى اغلاق الطرق والشرايين الرئيسية في البلاد كوسيلة للضغط على الحكومة من أجل التعجيل في إطلاقهم، بات مشكلة تضاف الى ملف الاسر وواقعه الضاغط الذي قد يسقط التحفظات وضيق الهوامش أمام الحكومة بحيث باتت ملزمة بمقاربة المسألة من زاويتين: المقايضة المفتوحة، والمقايضة من موقع القوة، وسط سلسلة الأبواب المقفلة.
تفاؤل عززه مغادرة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم لبنان الى تركيا حيث تضيف المصادر انه سيعقد اجتماعاً امنياً ثلاثياً يضمه الى رئيسي جهاز المخابرات في كل من قطر وتركيا، بناء على الاتفاق الذي جرى بين الرئيسين اردوغان وسلام في نيويورك، في حين بدا الموفد القطري، يرافقه شيخ مشايخ عشائر البدو في البقاع، لقاءاته مع قادة جبهة «النصرة»، مستكملا الوساطة الجارية بعيدا عن الاعلام بين الاخير والمسلحين، والتي كانت وصلت الى نقطة تحديد اسماء عسكريين كان سيطلق سراحهم كبادرة حسن نية عشية عيد الاضحى، علماً ان احدهم مصاب بمرض قصور في الكبد فيما رجح ان يكون الثاني درزيا او مسيحيا.
تلك الصورة غير الواضحة ينتظر ان تتبلور تؤكد المصادر الوزارية، بعد التقدم الحاصل في اعقاب زيارة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الى نيويورك، والمبني على الوعد التركي بتكثيف الجهود لإنقاذ العسكريين اللبنانيين، والتأكيد القطري بان وساطته جارية ولو تعثّرت في أماكن معينة وان التنسيق جارٍ بين المسؤولين الأمنيين المعنيين على خط ثلاثي لبناني – قطري ـ تركي. سبق ذلك موقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال اطلالته التلفزيونية الاخيرة، والذي تلقفه النائب وليد جنبلاط وبنى عليه، تزامنا مع التحركات الميدانية التي قام بها الجيش والمداهمات التي نفذها.
اجواء ايجابية يفترض ان تظهرها جلسة مجلس الوزراء المنتظرة تضيف المصادر، بعد التقدم المفاجئ الذي احرزته الاتصالات خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية، ما يستوجب تحركا حكوميا سريعا لالتقاط الفرصة، وسط اتجاه لدى وزراء كتلتي الرابع عشر من آذار والوسط للدفع باتجاه تذكية خيار المقايضة بعيدا عن مزايدات الهيبة والسيادة.
علما ان العقدة الابرز تبقى،بحسب آلية عمل مجلس الوزراء الموضوعة في الحصول على اجماع الوزراء، ما دفع بوزير من 14 آذار الى التشكيك في ان يكون الامر مسهلاً لجهة قبول بعض الأطراف بالمبدأ، هم الذين سبق لهم ان رفضوا حتى مبدأ التفاوض ثم تراجعوا عنه متأخرين، متخوفا من ان يعمد الفريق المعطل الى اغراق النقاشات بامور وتفاصيل «تطيير» الموضوع مع ابقاء الباب مفتوحاً امام الاستمرار في عملية التفاوض، مشيرا الى ان الوقت يلعب ضد الطرف اللبناني في ظل عاملين اساسيين: الضغوط الابتزازية التي يمارسها المسلحون، وعامل الطقس الذي اصبح المحرك الاساس لسلوك المسلحين وتهديداتهم التي تسارعت بوتيرة لافتة.
اذن يتمثل الاختبار الاساسي الذي ينتظر الحكومة تقول المصادر الوزارية في انها ستكون مضطرة الى حسم أمرها في موضوع المبادلة والمقايضة، وارتباطه بموضوع النازحين السوريين خاصة في مخيمات عرسال، مع دخول كتائب عبد الله عزام على الخط وغياب «داعش» عن السمع، وبين التحضيرات الجارية لمعارك عند الحدود الشرقية والشمالية، يستعد لها المسلحون، كما حزب الله والجيش السوري النظامي، حيث يراوح الملف بين حدين: الاول يشير الى مطالب «مستحيلة» للخاطفين بينها عودة الجيش الى مواقعه ما قبل معركة عرسال، ما يعني عمليا اعادة الوصل بين البلدة وجرودها، كذلك اطلاق قياديين صادرة بحقهم مذكرات توقيف ومنهم من يخضع للمحاكمة.اما الثاني فعبّرت عنه التقارير التي تحدثت عن خطة يجري العمل عليها وتقوم على مبادلة المخطوفين العسكريين بموقوفين من الجهات الخاطفة لدى الجيش اللبناني وحزب الله والنظام السوري، وذلك استناداً إلى ان الجيش اللبناني اوقف خلال معارك عرسال وما بعدها اعداداً كبيرة من المسلحين الذين لم يحالوا إلى القضاء بعد، وبالتالي لم تصدر بحقهم قرارات اتهامية أو احكام، وبالتالي فان هذه الفئة من الموقوفين يمكن للدولة اللبنانية أن تجري عمليات تبادل بهم لاسترداد العسكريين الأسرى.
ورغم ان الجهات الرسمية لا تزال تنكر تلقيها مطالب واضحة ومحددة، فان ثمة معطيات تشير الى ان الايام الأخيرة شهدت تضخّم هذه المطالب وان الشروط لم تعد مقتصرة على اطلاق موقوفين إسلاميين بل تطاول ترتيبات لواقع عرسال، اذ اشارت مصادر مطلعة على الملف الى ان اتفاقا حصل بموجبه اطلاق المفاوضات، قضى في بنديه الاول والثاني على التعرض للعسكريين مقابل التخفيف من عمليات الدهم، فيما تمحورت النقاط الاخرى حول تقديم لوائح اسمية مفصلة باسماء المطلوب الافراج عنهم، وانسحاب مسلحي «النصرة» و«داعش» الى الداخل السوري مقابل بقاء فصائل الجيش الحر على ان يصار الى تأمين ممر لايصال المواد الغذائية ونقل الجرحى، فيما تعمد الدولة اللبنانية الى تسوية موضوع اللاجئين بمساعدة قطرية.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...