عودٌ على ذاكرة
من ديوان: يوماً ما سأُكمِلُ هذا النشيد
1 _ وأَنَا أراكِ للمرَّةِ الأَخيرَةِ
الآنَ
وَأَنَا أَرَاكِ للمرّةِ الأخيرَةِ
أُوَدُّعُكِ
بِمَا أُوتيتُ منْ نَزَقِ الخَسَارَاتِ
وتُوَدِّعينَني
بِمَا أُوتيتِ
مِنْ فَرَحِ الغابرَاتِ
أَشدُّ ما يؤلِمُني
وَأنْتِ تتنزَّهينَ
فوقَ شواطئِ روحي المهجورَةِ
أنَّ الخَيْبَاتِ قد غَدَتْ
بعدَدِ لحظَاتِ انتظارِكِ
وأنْتِ تَحُطِّيْنَ عندَ كلِّ الموانئِ
فما بالُ أَرْصِفَتي صفراءَ
كأُحجِيَةٍ مُزْمِنَةٍ
مُطَارَدٌ منذُ ألفِ قُرْصَانٍ
وحدُهُ وَجْهُكِ يَسْلِبُني أشيائي
ويَمحو إيمَاني بي
كأنَّ صَوْتَكِ يَتَهَادَى الآنَ
حتّى يَتَلَعْثَمَ النِّدَاءُ
والأصداءُ تعودُ غريبةً
فما بيني وبينَكِ حبلُ رجاءٍ
يمشي فوقَهُ
بَهْلَوَانٌ أَبْلَهْ
يَتَنَاهَى لهُ السّقوطُ في كلِّ مَرَّةٍ
على شكلِ امرَأَةٍ
فيهوي ليُلامِسَ أَشْكَالَهُ
وحيدًا
فلا عجبَ
إنِ اتَّخَذَ الموتُ عندَهُ
هيئَةَ عرَّافٍ
يُنْبِئُهُ إلاّ بِهِ!!!
الآنَ
وَأنَا أراكِ للمرَّةِ الأخيرَةِ
لا تُبدي لي كُلَّ هذا الاحتقَارْ
كيفَ لا وأنّا أخْسَرُ امرأتَيْنِ
بكلمةِ بوحٍ واحدَةٍ
أنَا الوَجهُ الأكثرُ إشراقَةً
في تاريخِ الحُزْنِ
أَبَدًا أُقيمُ جُنَّازًا لأيَّامي
وأُمْعِنُ في كتابَةِ سِيَرِ الفَقْدِ
أَنَا قديمٌ قديمٌ
قِدَمَ الجَرْحِ
وعتيقٌ عتيقٌ
كأُغنيةِ بَحَّارٍ
وَحدُهُ من يَقْطِفُني يجِدُني
أنا كائنٌ مُعَدٌّ للتّأوّهِ دومًا
كالنَّايَاتِ
وكُلُّ مَنْ أَحْبَبْتُهُنَّ
وَلَّيْنَ ظهورَهُنَّ
يَرِمْنَ سِوايْ
أنا طلقةٌ طائشَةٌ
في صَدرِ الكونِ الرَّحيبِ
أنا تلاشي التّلاشي
أَنْقَى ما في العَدَمِ
من حضورٍ مؤجَّلٍ
وأنْبَلُ ما في الأَمَلِ
من يَأْسٍ
وأَقْدَسُ ما في اللّقَاءِ
من رحيلٍ
وأَبْهَى ما في الحبِّ
من ودَاعٍ
أنَا عاشقٌ مُزْمِنٌ
لم يعرِفْ الحبَّ يومًا
يُحصي هزائِمَهُ
بعَدَدِ سنيِّهِ
أنَا ليلٌ شارِدٌ
أَضَاعَ قَمَرَهُ
أَنا قبطانٌ أَعْمَى
يقودُ سفينةَ الحُلمِ
من جرحٍ إلى جرحٍ
أنا وأنا وأنا
والبقيّةُ لا تأتي
أنا من جَهَدَ يومًا في تَفْسيرٍ مُغْلَقٍ
كيفَ لا يَجتَمِعُ في قلبِ امرأةٍ
حبُّ رجلٍ وشاعرٍ
أنا من يجيدُ دومًا طَرْحَ الأسئلَةِ
ويُبقي أيَّامَهُ
خبرًا مؤجّلاً
بانتظارِ لا جوابْ
2 _ سيرةُ عاشقٍ أحمق
كانَ كُلَّما ضوّأَ سراجٌ في خيَالِهِ البعيدِ
خالَ أنَّ القصيدةَ أقرَبُ من حبلِ الوريدِ
وأنَّ الأسْمَاءَ على اتّسَاعِهَا
تضيقُ عن حدودِ المُسَمَّى
وأنَّ أَجْمَلَ ما في الأنوثَةِ
أن يُفَتِّشَ في جيبِ الكلماتِ
عن مُفْرَدَةٍ مُخَبَّأةٍ
منذُ شتائينِ عاطفيّيَنِ
وهو يزفُّ امرأَتَهُ
إلى رجلٍ لا يُشبِهُهُ
يتولّى مهمَّة التَّنقيبِ
في العُريِ الجميلِ
وخَلفَ العُشبِ المُلتَّفِ
حولَ محارَةِ التّكوينِ
عن بابٍ للشَّبَقِ
كم كانَ يُغويهِ
وأنتِ تَشْهَقينَ شَهْقَتَكِ الأولَى
قابَ صَرْخَتَيْنِ أو أَدْنَى
من عُمرِ البَكارَةِ
أن يَبقَى مُخْلِصًا للمَعْنَى
فيُضَاعِفُ من احتمالاتِ الغيابِ
ويَحْتَلِبُ ثديَ الذّاكِرَةِ
ذكرى ذكرى
كيما تمتلئُ جرارُ الخَيَالِ
ويَسْتَفْحِلُ الشّبَقُ النَّصيُّ
إذّاكَ يدسُّ في جوفِهِ
كوبًا من الحنينِ المُصَفَّى
ويَسْتَسْلِمُ لإغواءِ الكتابةِ
رويدًا رويدًا
يُطَارِحُ الورَقَةَ البيضاءَ
غرامًا شعريًّا
حتّى يسيلَ حبرٌ
فيحدُثُ أن تتمادى الشّطورُ في غيِّهَا
مجازٌ … مجازَيْنِ
يَنقَادُ جماحُ الصُّورَةِ
في هزّةِ القوافي
وتولَدُ القصيدَةُ
موزّعَة أبدًا
بينَ سَريرَيْنِ ورَغْبَه
فكيفَ لكِ أن تضيئي النّصَّ
وتُضائي باللّذَّةِ؟؟
كيفَ لكِ أن تحيي حياتَيْنِ
في زَمَنٍ واحِدٍ
وكتابتَيْنِ؟؟
كيفَ لروحِكِ
أن تتنزَّهَ فوقَ شطآنِ لُغَتي
ولجَسَدِكِ أن يرتادَ
آفاقَ العُريِ
ويُجدِّدُ فتنَتَهُ
بأصابعِ غريبْ؟؟
كيف لكِ أن تكوني اثنَتَيْنِ
بكارَةٌ مُتجدِّدَةٌ
وخيالٌ لا يَنضبُ؟؟
للمومسِ حكمَتُهَا أيضًا
كما القدّيسةِ
إذْ تُشرِّعُ الجسدَ
على احتمالاتِ الذّكورَةِ
فكيفَ لي أن أفْهَمَ عفّةَ مومِسٍ
وأضلَّ بحمَتِكِ أيّتُها العابرَةُ؟؟
لينُ
كوني امرأةً ولوْ لمرّةٍ واحدةٍ
واخرُجي عن حيادِكِ
وانصفي نصِّي
أو انصفي جَسَدَكِ
فركعتانِ في العشقِ
لا يصحُّ وضوؤهُمَا إلاّ بالعريِ
والعريُ واحِدٌ
لا يَقْبَلُ القسمَةَ
وقديمٌ لا يُشبِهُ فتنَتَكِ!!
لينُ
كوني امرأةً ولو لمرّةٍ واحدَةٍ
قبّليني
امسحي الحزنَ عن جبيني
تأوّهي
والبسي شكلَ انحناءاتي
وأنا أستفزُّ نهدًا
هازئًا بصلواتي القديمةِ
وهيّئي لي بعْدَهَا
قيثارًا من حبرٍ
فما أحوَجَني حينذاكَ
لأصابِعَ مسدولةِ السّتائرِ
فوق مسرَحٍ أبيضَ
لألوِّنَ بهَا دهشتي الجديدةَ
وأكْتُبَكِ حاضرًا كما ينبغي
وأستَعيذَ بكِ
من رتابَةِ هذا الخيالِ
فعلى خشَبَةِ هذا العُمرِ
كالوسٌ مُضْمَرٌ
سكَنَ فيهِ ممثّلٌ أحمقُ
وفي الفصلِ ما بعدَ الأخيرِ
خرَجَ ليقُصَّ حكايَتَهُ
عن ظُلْمَةٍ رتيبَةٍ
فلم يجِدْ من يَسْمَعُهُ
هنيهَةً
صفَّقَ لنَفْسِهِ
وحيَّا ذواتِهِ القديمَةَ
وهي تأفَلُ إلى غيرِ ما قصيدَةٍ
وشَرَعَ يَضْحَكُ…
3 _ يومَ أغْلَقْتُ جميعَ النّوافذِ (مهداة إلى الشّاعر مهدي منصور)
يومَ أَغْلَقْتُ جميعَ النّوافذِ
كُنْتُ أَعْلَمُ أنَّ ثمّةَ بدايةً لم تبدَأْ
وأنَّ النّسيانَ هو أوَّلُ الحكايَةِ
في حوارِ الظّلالِ المُموَّهَةِ
فوقَ جدرانِ الذّاكرةِ
شيٌ ما يُشبِهُكِ ويُشْبِهُني
يكبرُ على عتباتِ هذا الفجرِ
ويرشَحُ كقطراتِ دمعٍ تندَّتْ
فوقَ زجاجٍ مكسورٍ
تراهُ إناءُ العُمرِ
ينضَحُ بما ترسَّبَ
من طفيليِّ الأمنياتِ
في قاعِ اليأسِ
وأنا أفتَتِحُ سفرَ المسافَةِ
علَّني أُهَدْهِدُ سريرَ الغيابِ
كيما يغفو قليلاً
حينما أغلَقْتُ جميعَ النّوافذِ
كُنتُ أعلَمُ أنَّكِ لن ترحلي
وأنّي لن أبقى وحيدًا بانتظارِكِ
يا ابنةَ القوافي
والنّصَّ الضَّريرَ
عيناكِ ماذا ترومانِ خلفَ عينيهِ؟
أبدًا يتهجّأُ جسَدَكِ
بحروفٍ مُضاعَفَةٍ
فهل قرأَ في خطوطِ يديكِ طالعي؟
وأَعْجَبُ كيفَ تُسْنِدينَ رأْسَكِ
على كتفِ الغريبِ
ولا أكونُ غريمَكُمَا
بهدوءٍ
أُنَقِّحُ الغيمَ
وأرسُمُ قوسَ أحلامٍ
بلونِ حسرتي
وأمضي
تُراني كَبِرْتُ إلى هذا الحدِّ؟
أم أنَّ الأقدارَ هي الأقدارُ
عربونُ النّسيانِ
في قاموسِ العشقِ والعاشقينْ…
الآنَ وأنا أفتَحُ جميعَ النّوافِذِ
من يحتفي بالغريبِ
سوى الغريبِ؟؟
فما بينَكُمَا
يا امرأَةً لن تجيءَ
وقصيدَةً لن تُكْتَبَ
لن أبقى شاعرًا ضيَّعَ خيطَ اللّغَةِ
في الطّريقِ إلى فجرٍ
مبتورِ الضّوءِ عليلْ
أو عاشقًا يُرمِّمُ صورةَ الحزنِ
ولن أغدوَ آخري
قاتلي والقتيلْ
فعمّا قليل
سأفْتَحُ جميعَ النّوافِذِ
وليًكُنِ النِّسيانُ هو آخرُ الحكايةِ
ولتَنْكَسِرَ ظلالٌ
وتولدَ ذاكرهْ….
4 _ ترانيمْ للآنسة “ميمْ”
(1)
أيُّ سرٍّ في المرَايَا
وهي تخالُ أنّها تخبّئُ وجْهَكِ
أقلُّ وَطأَةٍ من الضَّوءِ
تعبرينَ دارتَهَا
فلا تسكُنيهَا
وتُموّهينَ بأشكَالِكِ المُخْتَلِفَةِ
بياضَ المسافَاتِ
وتُبقينَ المرايَا عاريَةً
لعفَّتِهَا لا تملكُ أن تُحدِّقَ بهَا
(2)
قَبلَ الرَّحيلِ
كُنتُ أمنّي النّفسَ
بأنَّ الأرضَ لا تزالُ تتَّسِعُ لحبٍّ أكثر
وأنَّ القلبَ نقيٌّ كهزائِمِهِ
يُحْسِنُ أن ينتَهيَ دائمًا من حيثُ ابتَدَأْ!!!
فما لكِ يا “ميمُ” تنهضينَ في ذاكرتي
وتُسائلينَني
أللأحلامِ أيضًا ما يؤرِّقُهَا
ما بينَ ليلٍ مُهاجِرٍ
وفجرٍ بعيدْ؟؟
وأنتِ بينَهُمَا
وعدٌ مؤجَّلٌ
فملّقيني غداةَ البينِ
بالقُبَلِ الزّائفَةِ
والعناقِ المُبَدَّدِ
أبدًا أبني لي أدراجًا
في مُدُنِ الضّبابِ
أصعدُهَا في ليلِ حيرتي
وَأَرْتَحِلْ…
(3)
“ميمُ” الحبُّ مرثيّتي الكُبرى
ورودي الّتي شحُبَتْ
فاسْتَعَارَتْ لونَ المقبرَةِ
صدى النّاياتِ
وهي تصقُلُ حزني
أنينًا مُعتّقًا
حكمةُ الآبارِ
وهي تشرَبُ وجهي
وتلفِظُني سوايَ
فكيفَ لنا أن نلتقيَ
وأنتِ اثنانِ
صراخُ الأبجديَّةِ في لُغتي
يقطَعُهُ صمتي المُبَجَّلُ
كيفَ لنا أن نلتقيَ
وأنتِ اثنانِ
وأنا ضيفٌ على حضوري معَكِ
فعجبًا أيّتُهَا السّمراءُ
كيف يتناهشُني الحنينُ
وتوصدُ دوني كلُّ الأبوابِ
ولا أكفُّ عن حبِّكِ
فكيفَ لا تجمَعُنَا غربةٌ واحدةٌ
في عُرسِ الشّقاءِ
ويُفرِّقنا أملٌ؟؟
(4)
قصائدُ تسعْ
وأنا أُعدُّ “فضاءَ الحلمِ” لتنامي
وفي القصيدةِ العاشرةِ غفوتِ
وانْتَهَيْتُ
شاعرًا يبيعُ أقلامَهُ
في مزادِ الأيَّامِ
بحثًا عن حبٍّ
فغدًا إذ تستَفيقينَ
ذاتَ صباحٍ عاطفيٍّ
حاولي أن تُقايضي قصائدي
بكسرةِ ظلالٍ
أفيءُ إليهَا ذاتَ اغترابٍ
وليَكُنْ ما كانَ
قد كانَ
فكم نحتاجُ أحيانًا
إلى أُكذوبةٍ لنحيا
وكيفَ بي
وتاريخي ضلالٌ
بين أُنثى مفقودَةٍ
ونشيدٍ لن يكتَمِلَ…
5 _ وتبكينَ لا…
ماذا أملكُ الآنْ
وأنا المنفيُّ إلى لا مكانْ
وِجْهَتي سيرَةٌ لم تَبْدأْ
وشمسي ظلُّ ودُخانْ
ماذا أملكُ الآنْ
وعيناكِ إذْ تبدآنْ
رحلةَ الدَّمعِ الأبديّةِ
وتغرقانْ
في خليجِ أحزاني
وتَغْرُبَانْ
هل أَمْلِكُ من مدى البوحِ
غيرَ ما يستريحُ فجرًا
بين يدي الشّطآنْ
أنا العاطلُ عن الأملْ
ولي من عذابِ الأرضِ ما يكفي
لأُصْلَبَ مرَّتَيْنِ
على جُلْجُلَةٍ
ضاقَتْ عن حدودِ جسدي
ولم تعُدْ تتَّسِعُ لمسيحَيْنِ
ماذا أملكُ الآنْ
وعيناكِ تُقفِلانْ
بابَ المدى خلفَهُما
وتَرْحَلانْ
لِمَ لا نلتقي
إلاّ كعابرينِ
كبرَ الظِّلُ بينَهُمَا
حتّى استحالَ وطنًا للجرحِ
يسكُنُهُ النّسيانْ
فسيّانْ
أن نلتقيَ أو لا نلتقي
سيّانْ
فليسَ في حبِّنَا
غيرَ ما يشي بالفُقدانْ
بأحلامٍ تُنثَرُ فجرًا
على دربٍ بتولْ
لم نَبْدَأْهَا لتطولْ
لتُساكِنَهَا أشباحُ الوحشةِ
ويشيخُ فيها الضّبابُ
فمتى نعبُرُ
يا مُستهلَّ الأنوثةِ
إلى الضَّفَةِ الأُخرى من العُمرِ
لنبدأَ رحلةً لم تبدَأْ
وننشُرَ قلوعَنَا هناكَ
في المدى المنهارِ
في أبديّةٍ تتَّسِعُ
لأقلّ من آنْ
فمنذُ جُرحَيْنِ ونيّفٍ
ونحنُ نبحثُ عن تالينَا
وندَعُ إبحارَنَا
دونَما شراعْ
فما حاجتُنا للنّهاياتِ
في رحلةٍ خجولةٍ
تبدأُ حيثُ تنتهي
لا تملكُ الرّيحُ أن تدْفَعَ صواريهَا قُدُمًا
أو تستردَّهَا الشّطآنْ
فلا نلقي مراسيها
فلو أنَّ للزّمانِ أن يعودَ غيرَ الزّمانْ
لجَعَلْتُ حزنيَ أكبرَ
وصَرَخْتُ بي
لن يكونَ إلاّ كلّ ما كانْ
الآنْ
وأنتِ تتبدّينَ كامرأَةٍ بلغَتْ العشرينَ من جرحِهَا
تعبرينَ دارةَ اشتياقي
كطِفْلَةٍ تَحبو على عتباتِ اللّيلِ
وذاتَ انكسارٍ أخيرٍ
ستعودُ الشَّمسُ لتُكْمِلَ سيرَتَهَا
في مدني الّتي برِئَتْ من الفَرَحِ
ولم تُبقِ إلاّكِ
فصباحُ اليأسِ
يا مستهلَّ الأنوثةِ
وألفُ وداعْ…
ماذا أملكُ الآنْ
وأنا القدّيسُ الأعمى
الّذي لم يُبصِرْ غير رؤاهُ
وخالَ بعضَ الظَّنِّ إثمٌ
حتّى تبدّى الإثمُ في كلِّ ما رآهْ
أنا فارسُ الأمنياتِ القتيلهْ
وجهي منذورٌ لألفِ ترحالٍ وترحالْ
وتبكينَ لا…
فأيُّ الظّلال ستنمو على عتباتِ هذا النّهارِ
لأستريحَ من عبءِ الضّوءِ
وأجدُلُ خيوطَ العماءِ
أنا العائدُ منكِ إليكِ
فأوّاهُ ربيّ
كيف الفرارْ
وهل تحارْ؟
اثنانِ أهلُ العشقِ
فلنَكُنْ ثالثَهُمَا
عابرانِ لا يلتقيانِ
لكنّهما لا يفترقانِ
فماذا أملكُ الآنْ
هبيني ليلاً كي
أسافرَ إلى عينيكِ
أو عودي بي نحوي
لألقاكِ هناكَ
تعدّينَ فضاءَ الموتِ لي
لأُبصِرَ في قاعِ زوالي
ولادتي الثّانيه…
“ميم”
إنْ كانَ لنا أن نفترِقَ
فليكُنْ هذا الوداعُ
فأعذبُهَا ابتسامَةٌ طلقه
تبقى دونما شفاهْ
ماذا أملكُ الآنْ
وأنتِ تصرخينَ بي
كيف ترحَلُ ولا ترحَلْ
ذاتَ مساءٍ سألقاكِ
عازفًا عن مواعيدِ الضَّوءِ
أُسبِّحُ باسمِكِ اسمي
حتّى تنفرطَ حبّاتُ اللّيلِ
وتتكوّرَ شمسٌ في جفنِ المدى
وتبكينَ لا
لن أعودَ طفلاً يُدَحْرِجُ خطاهُ
على الدّربِ إلى عينيكِ
لقد ألقَيْتُ أخيرًا شراعَ الحُزْنِ
وأَبْحَرْتُ دونَكِ صغيرتي
في جبّتي سواكِ
وسُفُني طافحَةٌ بغرقايَ
إلاّكِ
عبثًا تُخبّئُ الرّيحُ
نداءَكِ المكسورَ
في حناجرِ القصبِ
فرحي جديدٌ
فلا تتلَفَّتي
إلاّ لتُبصري آخَرَكِ
وقد نَضَا عنهُ
أسمالَ رحلتِهِ الأولى
عرايًا يحتفي بخلاصِهِ
ويبتَكرُ سواكِ
كَذِبْتُ
وصَدَقَتْ عيناكِ
فتعالي
نتقاسَمُ هذا الدَّمعَ
حزني عتيقٌ
وليسَ في تغريبةِ النَّايَاتِ
سوى ما خبَّأَتْهُ الرّيحُ
في حناجرِ القصبِ
من حنينِ الشّبيهِ إلى الشّبيهِ
والغريبِ إلى الغريبِ
وتبكينَ لا…
مُقفرَةٌ يدايَ
فما أطولَ الدّربَ بينَنَا
إذ ينسابُ دمعُ عينيكِ
كخيطٍ متقطِّعٍ
لا يملكُ حتّى أن يُلامِسَ وجنتيكِ
فلا تحزني صغيرتي
لكِ كلُّ هذا المدى
ولي كلُّ هذا البكاءْ
فلا تدعي مع حزني أحدًا
فالعاشقُ العظيمُ
يربَحُ معرَكَتَهُ الأخيرةَ دومًا
لكنْ بعدَ فواتِ العُمْرِ…
قصيدة الانتظار
لي من حيرةِ المُثنّى دومًا
ما يجعلُني آخرَ
فلولا روعةُ الاحتمالاتِ
ما وَطَأَ آدمُ أرضًا
ولا انقضَّ الشّيطَانُ على شريعةِ اللهِ
وما كانَ العالَمُ
لكنْ إذا كان لي من حيرةِ المثنّى حقًّا
ما يجعلُني آخرَ
فلِمَ استبَاحَ حنيني
مدى الرّحيلِ
وتهجّأَ عدوي
خيلُ المَطَرِ؟؟
قالَتْ وهي تَلِجُ دارَ فتْنَتِهَا:
“أَقْدَسُ الأسمَاءِ
جَسَدٌ يَتفتَّحُ
في عَبَقِ الشّهواتِ
فتعبُرُهُ يدُ الإثمِ
وتُنْجِزُ ما تبقّى
من طقوسِ الخَطَايَا”
لم تكُن روحي سيّدتي أكثَرَ اتّسَاعًا
وإنّما هو خللٌ وجوديّ
في مُراوَدَةِ جسدْ
الأُنثى كائنٌ خارج مداراتِ الاشتهاءِ
وحشةٌ آسرةٌ
حنينُ الماءِ إلى الماءِ
وتوقُ الياسمينِ
إلى وَشْوَشَاتِ النَّدَى
والفَجْرُ سَاهٍ
تضاعَفَ حزني حتّى الفرحُ
نشوانَ
أقرعُ كأسَ المًسِّ
بكَأسِ النَّدمْ…
ماذا أقولُ إذا نادَى المُنادي؟
في الأرضِ امرأةٌ
تَبْحَثُ عن تاليني
تنكِّسُ الرّاياتِ
في مُدُن حنيني
وتَأْتَلِقُ بتولاً
فوقَ قبرٍ عتيقٍ
استرَاحَ فيهِ جسدي
تَمْسَحُ عينيَّ
بيدٍ شقيّةٍ
وتَهْمِسُ في أُذُني
لم يكُنِ الموتُ يومًا إلاّ طقوسٌ مجازيّةٌ
حينما تُمسِّدُ جدائلي
يدُ الغريبِ
وأنْتَ تُروِّضُ القوافي
عن قصيدَةٍ مُحتَمَلَةٍ
في كتابِ السّرابْ
في الأرضِ
عابِرَةٌ تَفْتَرِشُ سريرَ لغتي
يَسْتَريحُ فيه سوايْ
قَتَلَني الرَّمزُ
أيَّتُهَا العابِرَةُ
ولفَّ حنيني
وجَعٌ عتيقٌ
فما أقلَّ هذا الحبّ صغيرتي
وما أكثرَ الأحلامْ
مُضاءٌ بِقَلَقٍ خفيٍّ
في عَتْمَةِ غيابِكِ
شيءٌ ما يُبقيني على قيدِ العَدَمِ
وأَنَا أنُقُشُ صورةً لكِ لا تُشبِهُكِ
فوقَ رُخامٍ مكسورٍ
أقسى من هذا الوداعِ
أنّنا لم نتودَّعْ
وأرقُّ من هذا اللّقاءِ
أنّنا لن نلتقيَ
فمرّي خفيفةً كظلٍّ
كعريٍ خاطئٍ
أو احتجابٍ عليلٍ
فلن تكوني يومًا
سوى نصفِ عاهرَةٍ
ونصفِ ملاكٍ
بابانِ لليأسِ قُلتِ
وبابٌ للأمَلِ
فأيُّهَا تختَارُ؟؟
للأَملِ بوابّةُ اليأسِ
قلتُ
ولليَأسِ صخرةُ انتحارِ العاشقِ
ولي كلُّ هذا الفرارْ
سَئِمْتُ سَأَمي
وأنتِ تُراودينَ جَسدي
عن بَكَارةٍ ضائعةٍ
ودمٍ ناصِعٍ
بلونِ الخطيئةِ
فَمَا أبهَى خَطَايَاكِ سيّدتي
ما أبهَى خطايَاكِ
واليومَ، ماذا أقولُ إذا نادَى المُنادي
وأنَا أجمعُ أشلائي
كيمَا أُشارِكُ الموتَ لُعْبَتَهُ
فَأُهْزَمُ
أو تنْفيني الأقدارُ إلى مَدَائِنِ عينيكِ
مصلوبًا أو قتيلاً
سيّانْ
فالجسدُ جسدُكِ
والقصيدةُ خاويةٌ
واللّيلُ حُطامٌ
اليومَ ماذا أقولُ إذا نادى المنادي
وأنتِ تصرخينَ بي تعالْ
وأنَا قابِعٌ في مِحْوَري
يُخْطِئُني الظَّنُّ
ويُسْعِفُني التّرحالْ
كيفَ لنصفِ عاهِرَةٍ
أن تعودَ قدّيسَةً
ولنصفِ عاشقٍ
أن يعودَ شاعرًا
ثمَّةَ احتمالْ
أن يعودَ كلانَا آخرَ
فكُمْ مُقْفِرٌ جسدُكِ سيّدتي
ومَالِحٌ
وَكَمْ ضنينٌ بي هذا الخيالْ
اليومَ ماذا أقولُ إذا نادَى المنادي
أأقولُ أنّ هذا القلبَ
عاطلٌ عن الحبِّ
واللّغةَ عصيّةٌ على المجازِ؟
إذ تنْضُبُ الشّهواتُ
ويعودُ جسدُكِ
حرًّا كأوَّلِ عَهْدِهِ بالخَطَايَا
اليوم حينما يُنادي المُنادي
سأوقِفُ هذا الحوارَ قليلاً
وأمضي لأبحثَ عنّي
في كلِّ نساءِ الأرضِ
إلاَّكِ…
قصيدة تَعَالَي
تعالي
فمَا أحْوَجَني اليومَ
إلى مَرْثيَّةٍ
تُعيدُ للجرْحِ
بَهَاءَ الجَرْحِ
تُعيدُ الغناءَ
إلى أوَّل الغناءِ
فَكْمْ وَدَدْتُ أنْ أغدُوَ آخَرَكِ
حُزْنَكِ المُبْهَمَ
وأنتِ تُضلّلينَ الغريبَ
كما تُضلِّلُ مَنَارَةٌ خائِرَةٌ
السُّفُنَ الطَّافِحَةَ بالغيابِ
وتُبقي الموانئَ عاريةً من أَرْصِفَتِهَا
تعالي
أكبُرُ وتصغرينَ
أشيخُ
وأنتِ هي أنتِ
وداعٌ مُرتَجَلٌ
وصلاةٌ أبعدُ من السَّماءِ
وأقلُّ من فِتْنَتِكِ
تعالي
فكَمْ منَ المَوتِ سأحتاجُ
لأستحقَّ هذي الجُلجُله
أنا الباحثُ
مذ وَلَدَتْني الصَّحْرَاءُ
عن صليبٍ مفقودٍ
وحراءٍ قادمَهْ
تعالي
نرقُبُ شهوةَ النَّدى
تتفتَّحُ
في جسدِ وَرْدَةٍ
وتَستُرُ بُرعُمَهَا
بكَسْرَةِ شمسٍ
تعالي
نقْرَأُ خواطِرَ الرّيحِ
في كتابِ الفَلاةِ
نُفَسِّرُ صمتَ اللهِ قليلاً
عاشقًا لا معشوقًا
خَذَلَتْهُ جميعُ كُتُبِ الأنبياءْ
وأَسْعَفَتْهُ حُنْجُرَةُ الكناريِّ
حطَّ فجرَ القيامَةِ
فوقَ غُصْنِ مكسورٍ
تعالي
نفتتحُ سفرَ المَسَافَةِ
فللّهِ درُّها
مواقَعَةٌ مجازيَّةٌ
فوقَ سريرِ اللّغةِ
بينَ رمزٍ شاخِصٍ
وقافيةٍ بتولٍ
تعالي
فلا بُدَّ للقصيدةِ أحيانًا
أن تليقَ بالرّحيلِ
ولا بُدَّ لكي نعودَ اثنينِ
أن تحْرِقَنَا الوحدَةُ
حتّى يشيخَ الظّلُّ
في عَتْمَةِ المَرَايَا
ونعودُ كلانا على دربٍ
مُوحِشَةٍ كحنينٍ
ومُقْفِرَةٍ كَأَثَرٍ…
للتواصل مع الكاتب عبر الفايسبوك: https://www.facebook.com/bassel.b.elzein