من ديوان: يومًا ما سَأُكْمِلُ هذا النّشيد
المرآة الأولى
(1)
الآنَ
وهي تُسْلِمُ روحَها جدَّتي
إلى ما ليسَ يُستردُّ
ترسمُ مع الموتِ
مدارًا آخرَ للظَّنِّ
وتتركُ الحكايةَ عن الإلهِ الطّيِّبِ كنافذةٍ مُشرَّعةٍ
على فضاءٍ مُبهَمٍ
أو على تآويلَ ضبابيّةٍ
لكأنّها وهي تطوي خلفَهَا
ستّةً وثمانينَ أفقًا
قدْ زيَّنَتْ احتمالاتي
بقناديلِ أسئلةٍ مُعلَّقةٍ
ستتوهَّجُ كانطفاءةِ عينيها
حينما تفترُّ شفتاها
عن إجابةٍ لا تليقُ إلاّ بالموتَى
دون أن تلقي سلامًا
على الوثنيِّ في داخلي
وهو يتأهّبُ للصّلاةِ
عندَ منتصفِ الحيرةِ
لكأنَّ الصّوتَ قد تكثَّرَ
ليغدوَ اثنينِ
توحّدُهُ الأصداءُ
وهي تلبسُ شكلَ نردٍ
تقذفُ بِهِ يدُ الغريبِ
فوقَ طاولةِ العمرِ
كيما يُحدِّدُ وجهةَ الموتِ
بينَ التّفريدِ والتّثنيةِ
لعبَ اللهُ بالنَّردِ ستَّةً
وفي الرَّميةِ السّابعةِ استرحتُ
(2)
بينَ يديهِ
أرفعُ ذراعًا للدّعاءِ
وأُخرى للتّيهِ
وأرى مِنْ حَولي
كائناتٍ تغزلُ مآسيها
يدٌ فوضويّةٌ
لسيّدٍ مُولعٍ بنسج حكاياتٍ آتيةٍ
عن سيَرِ الخرابِ
الأرضُ مجدُ الفانينَ
والظّلُّ كما الأصلْ
سرابٌ يُعانِقُ سرابْ
والسّماءُ حجابْ
أنقى من الخطيئةِ
لا يقودُكَ إليها سوى دربٍ
ينشقُّ عن دربٍ
وبابٍ موصدٍ
دونَهُ ألفُ بابْ
علّقَ مفاتيحَهُ شيطانٌ مرتجَلٌ
سوارًا في يدِ الموتِ وغابْ
فكيف أبقى قابعًا
في زاويةِ جامعٍ كهلٍ
يحملُ فوقَ كتفيهِ
قبّةً منسيّةً
حتّى يئنَّ من فرطِ إعياءِ حجارتِهِ
فتصدحُ مئْذَنَه!!
لكنْ ماذا تراني أقولُ
عن سيّدٍ ينحني
ليُمسِّدَ جدائلَ بتولْ
يدفعُ الحزنَ إلى أقصاهُ
ويفتحُ دربًا تطولْ
إلى أوّلِ الغناءِ فينا
إلى أوّلِ النّداءْ
ويجترحُ أفقًا أبعدَ من مرمى النّبؤءةِ
ويستريحُ فوقَ جلجلةٍ
وفي عينيهِ خلاصُ كلِّ من عَبروا
تراهُ حنينَ إلهٍ
عائدٍ لتوّهِ من سفرٍ في الألوهةِ قديمْ
إلى أرضٍ
صلبَ فيها بنو الإنسانِ أباهُمْ
وشربوا نخبَ وحيِهِ
وارتحلوا؟؟؟؟
(3)
النّاسُ أسماءٌ
قالَ أبي
وهو يبحثُ فيَّ عن بنوّةٍ ضائعةٍ
فالويلُ لمن صدَّقَ أنّ الأرضَ تتّسعُ لاسمينِ
والحبُّ؟
حكاياتٌ نرويها لأنفسِنَا
لنُصدِّقَ أنّا لسنا غُرباءَ
النّاسُ أسماءٌ قالَ أبي
فعبثًا تمنّي النّفسَ
بأن يعودوا وقد أولوا ظهورَهُم لكَ
ليُكملوا ما بَدأتَهُ من تنقيبٍ متأخِّرٍ
خلف ما ابتلعتْهُ مدنُ الفانينْ
وهي ترتقُ جرحَ التَّكوينْ
لكثرةِ النّزيفِ
غسلوا الأرضَ بالدّماءِ
وافترشوا ضحاياهُمْ
وقبلَ أن يُغمضوا أجفانَهُمْ
شكروا اللهَ كثيرًا
وناموا…
(4)
من ضربَك على خدِّكَ الأيمن
فقد سكنَ وجهَكَ
ومن ضربَكَ على خدِّك الأيسر
فقدْ سكنَ قلبَكَ
قالَتْ لي أمّي
وهي تعدُّ عدّتَها للرّحيلِ
للموتِ قلبُ عصفورٍ
ضيَّعَ جناحيهِ
حتّى سقطَ من فورِهِ
فتلقّفتْهُ يدُ الأبدْ
النّاسُ إشارتٌ بنيَّ
فتّشْ عنها تجدْكَ!!
فعجبًا وهي مضاءةٌ بالوجدِ
كيفَ فهِمَتْ غربةَ أبي
وعرفَتْ غُربتي
فضيَّعتُني؟؟؟
(5)
للجسدِ أيضًا تآويلُهُ الكثيرةُ
هبوبٌ مُستعارٌ
من لغةِ الرّيحِ
برقُ الرّوحِ
في سماءٍ مُلبَّدةٍ بالحنينِ
حيثُ غيمُ الشّهواتِ يرسِمُ
أشكالاً مختلفةً للعناقِ
ويبقى عاطلاً عن المطَرْ
كذا أنتِ
يا أجملَ ما في غصَّتي
من لفحةِ الجمالِ الّذي لا يُحتملْ
(6)
الآنَ والمرايا تخونُنِي
أسحبُ عريي على مهلٍ
وأندسُّ في فراشِ وحدتي
كيما أرقبُ الفصلَ الأخيرَ من أنوثتي
وأمتحنُ الرّمزَ
وهو يشيخُ في قافيةِ الضّبابِ
حينما تتهجّأُ نصَّكَ
“لينٌ” مضافةٌ
تراودُكَ عن أفقٍ بتولْ…
لا وغيابِكِ
لم يَكُنِ الزّمانُ يومًا سوى أبراجٍ من الوقتِ
شيّدها الفانونَ
وسكنوا فيها وارتحلتُ
أبدًا تخونُكِ مرآتُكِ
ويستجيرُ بكِ الظّلُّ من وطأةِ الأصلِ
فيكبُرُ
وتبقينَ
أجملَ ما في الأنوثةِ
من وداعٍ شعريٍّ
وأرقَّ ما في السّرابِ من السّرابْ
عدوًا محضًا إلى أمسِنَا
وإقلاعًا عكسَ العمرِ
فالرّيحُ مؤاتيةٌ
لننسجَ عصفًا متأخّرًا
ونسكنَ الهبوبْ…
(7)
الكلُّ قالوا ولم أقُلْ
جحافلُ ذكرياتٍ تغزو مدائنَ وحشتي
فلا اللهُ استراحَ لأنجزَ ما تبقّى من الخلقِ بالكلماتِ
ولا النّاسُ خلعوا ما تبقّى من أسمائهِمْ
على ضفافٍ خاسره
ومَضَوا…
الكلُّ قالوا ولم أقُلْ…
أبي استقالَ من مركزٍ شاغرٍ لهُ في الوقتْ
وأمّي تتلو آخرَ ما تبقّى من صلاتهِها
وجدّتي تحوكُ حكايتَهَا في فضاءٍ بعيدٍ
وحيدًا
أحرقُ لفافَةَ تبغٍ
وأشعلُ حياةً
باتَتْ لكثرةِ قاطنيها
مُقفرَةً كجُلّي
وحيدًا أرقبُ تحوّلاتِ بحّارٍ عائدٍ
من رحلةٍ مبهمةٍ في ذاتِهِ
نكَّسَ آخرَ شراعٍ لوحدتِهِ
وأطفأَ منارةً بعيدةً للّغةِ
واسْتَسْلَمَ للصّلاةِ…
المرآة الثّانية
(1)
هَلِ الحبُّ أنْ تستَدرِجَكَ موانئٌ بعيدةٌ
نحوَ إبحارٍ مُكرَّرٍ
يتوّجُ قلوعَكَ
شراعٌ رتيبٌ
وتعودُ كعادَتِكَ
لتكتُبَ مرثيّةً عن الغريقِ
الّذي سقطَ لتوِّهِ
مُضرَّجًا بأسئلةٍ
لبداهتِها لا تَملِكُ جوابًا!!!
(2)
اليومَ تزفُّ عبورَكَ إلى الضّفةِ الأخرى من الحلمِ
وتعرفُ أنّكَ خاسرٌ
فهلْ تجاسَرْتَ إلى حدٍّ
لم تَعُدْ تطيقُ فيهِ انتصارًا؟
فما أحوَجَنَا حقًّا إلى الهزائمِ
حينما نصطلي نارَ خساراتِنَا
ونُعبِّدُ الطّريقَ لتستويَ
إلى مُدنِ الذّاكرةِ
النّسيانُ أوَّلُ الانتصاراتِ
واللّغةُ لم تعدْ تتّسعُ
لاحتمالاتِ الفراقِ المضاعفةِ
لكأنّي من فرطِ توهّجي بالأمسِ
أعدُّ العدَّةَ لطفولةٍ متأخّره
(3)
في عُرسِ النّقائضِ
لا عجبَ أن نجترَّ قصائدَنَا
فالمحبرةُ مقفرةٌ
إلاّ من مسوّداتِ الذّاكرةِ
والاستعاراتُ سقطَتْ
في شباكِ التّكرارِ الصّرفْ
(4)
قبلَ البوحِ
تبقى الفرصَةُ متاحةً
لتعديلٍ طفيفٍ في المصائرِ
كأَنْ تسرَّ لمحبوبَتِكَ بأخوّةٍ طارئةٍ
تبقيكَ على قيدِ فتنتِهَا
ولَوْ إلى قصيدةٍ
بعدَ البوحِ
تحتاجُ إلى تعديلٍ فادِحٍ في المصائرِ
لتغدوَ أنتَ هو أنتْ
ولتَتَعافَى القصيدةُ
من داءٍ مُزمنٍ في اللّغةِ
(5)
حينما ساءَلْتُ عرّافَ الرّيحِ
كيفَ أُقايضُ كلَّ ما اكتَنَزْتُهُ
وأنا أُدَحْرِجُ العمرَ
لأبلغَ منتهايَ
من سنابلِ الشّعرِ والمعنى والسّؤالِ
بحفنَةِ عشقٍ
قالَ أنْ تُقايضَ كلَّ ما اكتنزْتَهُ
من سنابلِ العشقِ والحبِّ
ببيتٍ نصفِ مكسورٍ
وتمضي…
ومنذُ ذلكَ الحينِ وأنا أجدُّ
في البحثِ عن مطالعَ ناقِصه
لقصيدتي….
(6)
للحبِّ مساحةُ الألوانِ
أقصى حدوسِنَا
ما تُمليهِ علينَا تصاريفُهُ
فإِنْ أنْتَ أَدْرَكْتَ
أبْعَدَ ممّا ليسَ يُرى
فما حاجَتُكَ باللهِ عليكَ للأنثى؟؟؟
(7)
النّفسُ أمَّرةٌ بالعشقِ
وحدها التّوبةُ هنا
تسلُبُنا الغفرانَ
(8)
عمّا قليلْ
سنمضي كلٌّ على حدةٍ
أنتِ ستمضينَ لإعدادِ
ما تبقّى من أنوثةٍ شاردةٍ
في مرايا صمتِكِ المُبهَمةِ
وما عليَّ حينذاكَ
إلاّ أنْ أُكْمِلَ ما ابتدأْتُهُ من رحلةِ النّقصانِ
لا يُجاورني إلاّ اثنانِ
ما يُشبهُ صوتي
وهو يتكسّرُ في زوايا اللاّمكانِ
ووجهي
وهو يشيحُ بتقاسيمِهِ عنّي
كيما لا أراني
وأراهُ
المرآة الثّالثة
أحيانًا يُتعِبُني ظلّي
وهو يتبَعُني دونما غايهْ
وتستفزّنُي ملامحُ أصدقاءَ قُدامى
وهُم يُلَمْلِمُونَ تفاصيلَهُم النّبيلةَ
عن مائدةٍ مُعدَّةٍ لكلِّ صنوفِ الضَّجَرِ
وحيدًا
أُفرغُ الوقتَ من هشاشَتِهِ
وأقطَعُ دابرَ الصّمتِ بالسّعالِ
وأُسَائلُنِي
ماذا لوتأخَّرَتِ القصيدةُ
عن مَوعدٍ لي معهَا
في مقهىً من ورقٍ
روّادُهُ صورٌ متعاقبةٌ
اتَّخّذَتْ مقاعدَ لهَا
على شرفةِ الخيالِ!!
بَرِمٌ بي
أُحيّي هذا
وأُودِّعُ ذاك
وحينما يأتي الغريبُ
ليشاطِرَني حصَّتَهُ من السّؤالِ
أضعُ حدًّا للحوارِ
ربّما كان يعوزُني
طوالَ عقدٍ من الفرارِ
أَنْ أُحاورَ غريمي
إذْ لم يَكُنْ في نهايةِ المَطافِ
إلاّيَ!!!
المرآة الرّابعة
(1)
بفَرَحٍ
أكنُزُ نجمةً متدلّيةً من غُصنٍ بعيدٍ
وأُقلّبُهَا بين يديَّ
كطفلةٍ ثملةٍ بهدايا العيدْ
أنا الّتي اعتَذَرَتْ باكرًا
عن طفولةٍ منسيّةٍ
بينَ أَبٍ يضربُ الغيبَ بصنّارتِهِ
يصطادُ الغمامَ
وأمٍّ ملتفّةٍ على عريِهَا
كأفعوانٍ مختبئٍ في جحرِ السّنينِ
أبدًا أملأُ مكانًا شاغرًا
من أبٍ خارجٍ عن الأسماءِ الخمسةِ
وأقرعُ بابَ ياءٍ موصدةٍ
في كلمةِ أمٍّ ناقصه
أنا كوكبُ الحزنِ المضيءِ
أدورُ في فلكٍ خاسرٍ
بعد تنحّي اللهِ عن عرشِ العالمِ
وسقوطِ الملكوتِ
بضربةِ الخواءِ القاضيه
(2)
في غرفةٍ تعجُّ بالغائبينَ
يدخلُ الحبُّ منفردًا
يمنحُ كلَّ عاشقٍ حصَّتَهُ
من تصاريفِ العشقِ
في كتابِ الأيّامِ
هنيهةً
يُقفِلُ قاموسَ الذّكرياتِ
ويترُكُنِي وحيدةً
كهامشٍ مثقلٍ بالبياضِ
في أسفلِ صفحاتِ العمرِ
ويمضي…
فليتَ حزني
متى ألقاهُ؟؟؟
(3)
أنا تاريخٌ مفقودٌ
جنّازٌ أيّامي
أسيرُ بها
لكنْ ينقُصُني ثوبُ الحدادْ
مملكتي عرشٌ ضائعٌ
وتاجي رمادْ
فيا لغربتي
وقد أضَعْتُ كلَّ الدّروبِ
الّتي تصلُني بالمنافي
فأيُّها الوطنُ
هل ما زالتْ قبورُكَ تتّسعُ لجسدْ؟؟؟
(4)
غدًا
إذْ أدلِفُ صوبي
من بابٍ خفيٍّ في المرايا
سأُبصِرُني
كما لم أرني من قبلُ
طفلةٌ تتهجّأُ صورتَهَا
فلا تَعرِفُهَا
وجهًا مضادًّا
وسرابًا قدِ اكتَمَلْ
المرآة الخامسة
لمْ يبقَ منَ الدّروبِ
الّتي لم تَلْوِ
يومًا على شاعرٍ
إلاّ شاعرَهَا
وهوَ ينفُضُ جيبًا مُمْتَلِئًا بقصاصاتِ وَرَقٍ
اقْتَطَعَهَا من دفاترِ حساباتٍ يعجُّ بالأسماءِ
حينما باغَتَهُ الخيالُ
عن التماعةٍ هنا أو هناكَ
ضوّأَتْ على عَجَلٍ
وما لبثَ أنْ أَخْمَدَهَا قرعُ البطونِ الجائعه
أبدًا يُنافِحُ خلفَ غيومِ اللّغةِ الّتي صَدَأَتْ
ضدَّ انهزامِ المطرْ
فالأرضُ ما عادَتْ تُعاني مخاضَهَا
لكيْ تُخرِجَ الطّفلَ اللّغويَّ
من بطنِهَا المنتَفِخِ
مُذْ “غادرَ الشّعراءُ من مُتردِّمِ”
وتركوا معلّقاتِهِمْ
شجرًا هشًّا في مهبِّ ريحٍ خائره
أبدًا يُنافِحُ خلفَ غيومِ اللّغةِ الّتي صَدَأَتْ
ضدَّ انهزامِ المطرْ
وفي المقهى المُجاورِ لمنزِلِهِ
الّذي ابْتَاعَهُ بحفنةِ ريحٍ
لهُ سقفُ غمامٍ
تتدلّى منهُ قناديلُ المطرْ
شَرَعَ يعدُّ الكؤوسَ
لصبيةٍ في العقد الثّاني من الغيابِ
وهُمْ يحلّونَ ضيوفًا على انهزَامِهِ
يُطفئونَ آخرَ سراجٍ للحُلمِ
ويرحلونَ
مقهىً طافحٌ بروّادِهِ
وأمراءُ من مواليدِ بُرجِ النّفطِ
يحارونَ
كَمْ منَ الأعمارِ عليهِمْ أن يُنفِقُوا
ليُبدِّدوا رغباتِهِمْ
وهُم يُجدِّدونَ نشوتَهُم
كلّما اعتراها ذبولُ الّليلِ
على صدرِ بغيٍّ تَحْتَرِفُ
تعزيزَ أسهُمِهَا في بورصةِ الجسدْ
وفي الزّاويةِ البعيدةِ هناكَ
يُداعبُ الأستاذُ فلانْ
كرشَهُ المُتقاعدَ
“أستاذُ فُلانْ
أُقسِمُ أنَّهُ لمْ يَقْرَأْ كتابًا يومًا
وهو بالكاد
يفكُّ حروفَ العُملَةِ
حكمَتُكَ أيُّها المالُ
وأنتَ تُعيدُ تنصيبَ الأسماءِ
برتابةِ خالقٍ
فسَّرَ جنونَ العالمِ
وما فسَّر جنونَ شاعرٍ”
وصوتٌ يَقْطَعُ عليهِ خلوةً شعريّةً سريعةً
“ناره يا وَلَدْ”
بابتسامةٍ نصفِ مولّيةٍ
يترُكُ قميصَهُ
فوقَ طاولةٍ مُقفرَةٍ إلاّ من روّادِهَا
ويخرُجُ ليُكمِلَ قصيدَتَهُ
بما أوتيَ من فَقْرٍ
فالغمامُ مُحتَشِدٌ
بعدَ اكتمالِ مشهدِ الرّيحِ بإعصارٍ
والشّاعرُ وحيدًا
بانتظارِ المَطَرْ..
المرآة السّادسة
يستفيقُ الشّاعرُ
بعدَ أحلامٍ مُكثَّفَةٍ
تُمارِسُ انتقاءً مُلتَبِسًا
من شريطِ الذّاكرةِ الطّويلِ
على صوتِ المُمرِّضةِ يُناديهِ من بعيدٍ
لكأنَّهَا تتوعّدُهُ
بالجرعةِ الكيميائيّةِ
الغريبُ في الأمرِ
وهوَ ينهضُ مسلوبَ اليقينِ
عنْ موعدٍ جديدٍ مع الحياةِ
أنَّ كلَّ شيءٍ كان يشي بالبياضِ
لعلّهَا حكمةُ الموتِ
وهو يستدرِجُ ضحاياهُ
كما يستدرجُ عاشقٌ مُحنَّكٌ
عذراءَهُ وهي تذودُ عن عفّتِهَا
بقُبَلٍ بريئةٍ
وكلامٍ معسولٍ عن الفضيلةِ
الكلُّ مجتمعٌ في توديعٍ باكرٍ
قرأَهُ في عيونِهِمْ
وهُم يستفيضونَ في الشَّرحِ المُبهَمِ
عن الحكمةِ الإلهيّةِ
وهو يتحضَّرُ للدّخولِ في ذمّةِ العدمِ
أقسى من الموتِ
هي الشّفقةُ الموسومةُ بواجبِ الزّيارةِ
وهُم ينظرونَ إلى ساعاتِهِم
في الفصلِ الأخيرِ من مأساةٍ مُملّةٍ
آنَ فيهَا للبطلِ العازفِ عن البُكاءِ
أن يُسطِّرَ وجنتيهِ بدمعتينِ
كيما يتقنُ الرّحيلَ
فيستريحُ ويريحْ
هي الضّحكاتُ الّتي صَدَأَتْ في أفواهٍ مخاتلةٍ
تحترِفُ تنميقَ نسيجِ الاحتضارِ
بخيوطِ الأملِ الواهيه…
غير أمٍّ
تودُّ لَوْ اقتَطَعَتْ من جسدِ الأعمارِ سنيًّا بيضاءَ
بلونِ مآسيها
لتُكْمِلَ بها رحلةً
أو مقتطفًا مرَّ سريعًا من عمرِ ابنِهَا
وشارفَتْ على الانتهاءِ
وأبٍ
يعدُّ نفسَهُ لمواجهةٍ قاسيةٍ مع الأقدارِ
فكلُّ ما لمْ يُنْجِزْهُ الفقرُ
وهو ينشبُ أظافرَهُ
لتخدشَ حياءَ
ستّينَ عامًا مِنَ الجوعِ
يستعدُّ الموتُ ليُنجِزَهُ
وأخوةٍ
يتهامسونُ خلسةً
“ينبغي للجنّازِ أن يرتقيَ إلى مستوى الحدثِ
ما بينَ خطيبٍ ماهرٍ
وسياسيٍّ مخضرمٍ
وشيخٍ وقورٍ”
الكلُّ مجتمِعٌ في وداعٍ مُبكِرٍ
وحدُهُ حينما تُقْفِلُ الشَّمسُ نوافِذَهَا
يُسرجُ رؤاهُ في ظلمةٍ باديه
ويقولْ:
“للوردةِ الكائنةِ هناكَ
في الأُصِّ الجانبيِّ
تفتُّحُهَا الجميلُ
فكيفَ تذوي
وهي لم تشقَّ دربَ عبيرِهَا بعدُ
إلى مُنتهَاهُ؟؟
حتّى السّتائرُ البليدةُ وهي تؤدّي مهمَّتَهَا
كوسيطٍ بينَ الشّمسِ والمرضى
تقبُضُ بيدينِ مُثْبَتَتَيْنِ
على جُدران تدفعُهَا عنهَا
فلا تلينْ
وفي الحديقةِ المجاورةِ
عاملُ تنظيفاتٍ برمٌ
يُمسِكُ بتلابيبِ الحياةِ
بما أُوتيَ من شهوة ِ البقاءِ
لكأنَّ الحياةَ في خَلَدِهِ
تقطيعُ أيّامٍ مُفرَّغَةٍ
من احتراقٍ جميلٍ
على دربِ الأهدافِ الكبيرةِ
وجدّتي ماذا ترومُ الآنَ من الحياةِ
وهي تؤدّي الصّلاةَ
بخشوعٍ مُداجٍ
وتثاؤبٍ مريرٍ؟؟؟
ضوضاءُ
وجلبةٌ مسكونيّةٌ
الكلُّ متأهّبٌ ليَلْعَنَ الحياةَ
لكن من تُراهُ يُقايضُ مَجْدَهُ بحفنةٍ مُنتقصَةٍ
من عُمرِهِ الزّائلِ؟؟
وأنتَ أيّها الشّاعرُ المُتأهّبُ للرّحيلِ
لطالما أسْلَمْتَ نَفْسَكَ
لوَهْمٍ جميلٍ
أن “تعيشَ ألقًا
وتبتكِرَ قصيدةً وتمضي”
رهانُكَ خاسِرٌ
فلو أمكَنَ لكَ أن تُقايضَ قصائدَكَ
بيومٍ واحِدٍ
للَعَنْتَ لُغتَكَ
وامْتَدَحْتَ الحياةَ
فللموتِ غربةٌ مُضاعَفَةٌ
في قفَصِكَ الصَّدريِّ الصّغيرِ
أمّا سَاءَلْتَكَ من قبلُ
عن رتابةِ هذا القلبِ
وهو يَسْخَرُ بأحلامِكَ
الّتي لا تَتَّسِعُ أعمارٌ كثيرةٌ لتُنْجِزَهَا
بهدوءٍ ماكرٍ
يضعُ حدًّا سريعًا
لخفقانٍ روتينيٍّ
ويُطْفِئُ سراجَ الأخْيِلَةِ
برمْشَةِ وقتٍ
فماذا جنيتَ
وأنتَ تُهرقُ سنيًّا لكَ في العيشِ
وتروّضُ القافيةَ عن رويٍّ مُحكَمٍ؟؟؟
أما غرَّكَ أنَّ الموتَ عادلٌ
إذ يُساوي بينَ الكائناتِ
فتفنى أنتَ
وتبقى الأشياءُ شاهدًا أخيرًا على زوالكَ!!!
فما الفرقُ بينَك وبينَ ذبابَةٍ
هوايتُها الجميلةُ
أن تُحدِثَ طنينًا في أُذُنٍ جوفاءَ
وهي تتحضَّرُ لسماعِ وحيٍ قديمٍ
ينسابُ رويدًا رويدًا
على صفحاتٍ بيضاءَ وآثمه
فالموتُ هو الموتُ
وأيُّ فضلٍ لكَ على عصفورٍ يُجيدُ الغناءَ
بلا تهويماتٍ إيقاعيّةٍ
فيهوي إذ يهوي
حرًّا طليقًا
لا تسعُهُ أرضٌ
ولا تشيّدُهُ أيدي الغرباءْ
فالموتُ هو الموتُ
وأيُّ فارقٍ في الأقدارِ
بينَكَ وبين نهرٍ يدفعُ بمائِهِ طوعًا
وهو يحمِلُ سيرةَ المسافاتِ
فيلفُظُهُ بما يُشبِهُ الزّبدْ
فالموتُ هو الموتُ
ما الفارقُ إلاّ أنّها تحيا
دون شغفٍ ماورائيٍّ
بجنّةٍ تجري من تحتِها الأنهارُ
وحورياتٍ لا يحُضْنَ
وكؤوسِ خمرٍ
تجرَعُها
فلا تثمَلُ
فالموتُ هو الموتُ
ما بينَ هشاشةِ أخيلَةٍ
وشاعرٍ يُمنّي النّفسَ
ببريقٍ زائفٍ
لأسماءَ مفقودةٍ
فوقَ لوحِ الخلودِ الضّائعِ
لحظاتٌ
يُسجّلُ جهازُ الموتِ
خطًّا مُتَّصِلاً
بهدوءٍ
أطلقَ صرخةً مجّانيّةً كالعُمرِ
وأردَفَ في نفسِهِ:
“آنَ الأوانُ”
وهوى في ظلامٍ ناصعٍ
المرآة السّابعة
شاعري المفتونُ بي أو بقصيدَتِكَ
أو بكلينا سيّان
فأنتَ على امتدادِ قصائِدِكَ
لم تُجِدْ مراودةَ أنثَى
فإنْ شِئْتَ أن تفوزَ بامرأةٍ
فلا تطلبْ إليهَا أن تُعوِّلَ على شاعرٍ
فعمّا قليلٍ ستغلُّ يدُ الغريبِ في شعريَ المستكينِ
وهو يهبُهُ إيقاعًا فوضويًّا عذبًا
فعجبًا كيف تصيرُ كفّاهُ سماءً بلونِ القُبلِ الزّرقاءِ
شاعري المفتونُ…
جسد الأنثى مملكتُها الجميلةُ
فعبثًا ترتقُ بالكلماتِ
نزيفًا مُزمنًا
أو تُقلِّدُ امرأتَكَ
نيشانًا من ورقٍ
فتلكَ ضالّتُكَ الكُبرَى
فحاذرْ أن ترسُمَ لها جنّةً لا تسكُنُهَا
وإِنْ شئتَ أن تخسَرَهَا
فاكتبْهَا
حينذاكَ
ستُقفِلُ نافذةً شاردةً لها مَعَكَ
في الوقتِ
وتُبقيكَ خيالاً مُعذّبًا
بين أوراقٍ خاسرةٍ
وجسدٍ مفقودْ
للتواصل مع الكاتب عبر صفحته على الفايسبوك: