شهر العسل الحواري بين «تيار المستقبل» و«الوطني الحر» انتهى، وعاد كل فريق إلى مربعه الأول، وبدأ الفريقان باستعمال العبارات التي سبقت الحوار الذي دام أشهر على حد قول مصادر متابعة لحراك الطرفين، لم نسمع خلالها عبارة «سعد الدين» التي يطلقها البعض من سياسيين وإعلاميين عونيين على رئيس الحكومة السابق، نكاية لأن اللقب يزعج كثيراً الشيخ سعد. وفي المقابل عاد المستقبليون إلى عاداتهم السابقة، يتهمون الجنرال عون بالمثالثة وبأنه يعمل ليل نهار لإحياء المؤتمر التأسيسي. فعلى وقع التمديد الذي ارتكبه معظم الافرقاء السياسيين، حلفاء وخصوم «التيار الوطني الحر»، وجد العماد الفرصة المؤاتية لاعلان الوفاة رسمياً للحوار. وفي المقابل كان «تيار المستقبل» يتصرف وكأن الحوار توقف منذ زمن لكن من دون اعتراف علني بذلك. تاركاً مصيره معلقاً على لقاءات متباعدة في الزمان وفي نتائجها يعقدها نادر الحريري مع الوزير جبران باسيل، لكن الإثنان ادركا بأن اجتماعاتهما أشبه بطبخة بحص لن تدوم طويلاً، خصوصاً أن الوقت والاستحقاقات يداهمونهما وبالتالي فإن الفراق حاصل لا محالة.
من الذي اوصل العلاقات إلى ما يشبه القطيعة مجدداً، بعدما وضع الفريقان خلافاتهما على الرف، فالابراء لم يعد مستحيلا، و«الروحة بلا رجعة» «وان واي تيكيت» تحولت إلى مزحة. ولطالما كان الفريقان تضيف المصادر، كل من ناحيته يشيد بالمزايا التي يتمتع بها الآخر، ففي ليلة ذات مساء أعلن سعد الحريري بالفم الملآن وأمام المسيحيين الحلفاء المدهوشين، علينا أن نفتش عن رئيس للجمهورية قوي بتمثيله للمسيحيين، وفي المقابل عبر أكثر السياسيين، نوابا ووزراء من «التيار الوطني الحر» عن ندمهم لما اقدموا عليه عندما اطاحوا بالزعيم السني الأول. فوسط هذا الكم الهائل من الدفق العاطفي المتبادل اعيدت المياه إلى مجاريها بين الرابية وبيت الوسط على حدّ قول المصادر، وشهدت باريس مربط خيل الحريري الإجتماعات المتواصلة لتؤكد أن السنوات السمان مستمرة بين المستقبل والوطني الحر، فيما كانت معراب تعيش أجواء من القلق ويلفها الف سؤال وسؤال .لكن كل شيء انتهى بسرعة كما بدأ بالشكل المفاجئ والسري . والأسباب يعددها وشرحها كل فريق وفق ما يناسبه، أو وفق طموحه المنشود من اللقاءات العونية المستقبلية.
أصدقاء «التيار الوطني الحر» لم يفاجئهم خروج المستقبل من جلسات الحوار التي كانت تؤسس لعلاقات استراتيجية لا علاقة لها بالكسب السريع، بل الهدف إعادة إحياءالتفاهم المسيحي السني الذي انطلق عشية الاستقلال لكن بأدوات عصرية تلائم الأوضاع الحالية وما تمر بها المنطقة وسط الأعاصير والحروب المذهبية. لكن النوايا التي ابداها الحريري لم تكن كافية لوحدها، خصوصاً أن الرعاية الإقليمية لا تريد وليست جاهزة لمنح لبنان هذا الاستقرار التاريخي، إضافة إلى أن بعض صغار النفوس حولوا هذه المصالحة إلى حسابات ضيقة فاسقطوها على الانتخابات الرئاسية والنيابية. ويضيف الأصدقاء أن الاتفاق بين «الوطني الحر» و«المستقبل» كان سيؤدي إلى المصالحة الوطنية الكبرى خصوصاً أن الحليف الاستراتيجي «حزب الله» كان سينضم تلقائياً إلى اللقاءات لو قيض لها الاستمرار. وهنا يبرز الحلفاء الاقليميون للمستقبل الذين وضعوا العصي في دواليب المصالحة ناهيك أن صغار النفوس المحليين ساهموا أيضا في رفض هذه المصالحة. ويؤكد أصدقاء التيار انه من المعيب أن يتهم البعض «التيارالوطني» بالفراغ والمثالثة وما شابه من شعوذة وكلام فارغ لا معنى له. لأن اللقاءات مع المستقبل لو سمح لها بالنجاح لكانت جميع هذه الاتهامات غير موجودة ولكانت رئاسة الجمهورية مطوبة للذي يستحقها من الأقوياء الموارنة ولكان البطريرك الراعي يبارك بدل أن يهدد بعصاه.
وفي المقابل أصدقاء «تيار المستقبل» لهم رأي آخر. فيعتبرون أن «الوطني الحر» باشر اتصالاته واجتماعاته معنا بهدف واحد وحيد هو رئاسة الجمهورية، فيما الهواجس كانت لدى المستقبل تتركز على السبل التي تؤدي إلى نزع الفتائل كي يتجنب لبنان القطوع الأمني الذي يتربص به. لكن العونيون لم يضعوا إلا بند وحيد على طاولة البحث وهو انتخاب رئيس قوي للجمهورية مع مواصفات لا تنطبق إلا على العماد عون. كما أن المفاوض العوني لطالما قدم الحوافز والإغراء عبر معادلة تقاسم السلطة بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، الأول للجمهورية والثاني لرئاسة السلطة التشريعية. ويؤكد الأصدقاء أن صاحب ومخترع هذه الأفكار البناءة هو الرئيس إيلي الفرزلي الذي سبق واغرق المسيحيين في نقاش مستدام حول قانونه الأرثوذكسي. ويضيف الأصدقاء لتيار المستقبل أن الفرزلي هو صاحب المشاريع التشريعية الخلاقة في عهد الوصاية السورية. والغريب أن «التيار الوطني» أوقف الحوار مع «تيار المستقبل» عندما تأكد له أن المستقبل لن يدعمه للوصول إلى الرئاسة الأولى وهذا يثبت أن الهدف الوحيد للعونيين هو رئاسة الجمهورية.
وهكذا انتهي الحوار الوفاقي بين «الوطني الحر «والمستقبل، بعدما شكل هذا الحوار بارقة أمل لعقد مصالحة وطنية شاملة .لكن القلوب الملانة تملك الكلمة الفصل، فاستطاعت أن تمنع الحوار بين الافرقاء ليعودوا جميعاً إلى الانقسام الحاد قسم في 8 اذار وآخر في 14 اذار يظللهما الفراغ في مؤسسات الدولة.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...