منذ أسابيع بدأت إسرائيل عدوانا جديدا على غزة، حمل معه الدمار على القطاع بالتوازي مع سقوط مئات الشهداء. لكنه كشف النقاب ايضا عن قدرات متطورة لحماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية، بكل فصائلها، مكنتها من الصمود، لا بل الى تهديد اسرائيل في عمقها، اذ لم تتمكن منظومة القبة الحديدية “فخر إسرائيل!” من اعتراض الصواريخ التي أثارت الهلع في قلوب المستوطنين.
واقع قلب المقاييس رأسا على عقب، فبعدما كانت إسرائيل ترفض في السابق مجرد الحديث عن تهدئة، بدا لافتا هذه المرة بحثها سريعا عن طوق نجاة، إذا صح التعبير. فما أن أعلنت مصر عن مبادرة لوقف إطلاق النار، حتى سارعت الدولة العبرية إلى الموافقة.
لكن المفارقة أن الرفض أتى هذه المرة من الجانب الفلسطيني، وهو لم يأت كنتيجة لتطور قدرة المقاومة على الأرض فحسب، بل يتعدى ذلك الى ما هو أشمل. فالمبادرة صادرة عن مصر، وما أدراك ما مصر بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، التي تعد رأس حربة في جبهة رفض المبادرة والخارجة من رحم الاخوان المسلمين التنظيم القابع في السجون المصرية.
ولمعرفة خلفيات موقف حماس، يكفي أن نعود سنة إلى الوراء، تحديدا الى الفترة التي أزاح فيها الجيش، بدفع شعبي، حركة الإخوان المسلمين عن السلطة، وهي خطوة انتقدتها الحركة واعتبرتها انقلابا، ومنذ ذلك الحين بدأت العلاقة بين حماس والسلطات المصرية الجديدة تنحو في اتجاه الجفاء.
تطور لا يستغربه كثيرون، فحركة المقاومة الإسلامية تندرج ضمن منظومة الإخوان المسلمين وتتبع لها فكريا وثقافيا، وبالتالي فإن مشروعهما واحد وهدفهما الأكبر واحد. وهو ما بدا جليا في أكثر من ساحة عربية، ولا ننسى في هذا المجال موقف حماس من الأزمة السورية ووقوفها الى جانب المعارضة، التي يشكل الإسلاميون إحدى ركائزها الأساسية، وذلك بالرغم من علاقتها القوية، سابقا، بالنظام في سوريا، حيث كانا جنبا إلى جنب مع إيران وحزب الله يشكلون ما يعرف بـ”محور المقاومة” في المنطقة.
بالعودة الى المبادرة المصرية، يرى البعض أن رفض حماس لها يتعدى موقفها من النظام الحاكم في مصر الى امور اخرى، تتعلق بالوضع في القطاع، تحديدا على الصعيد الإنساني.
وفي هذا السياق، قال الدكتور أحمد موصللي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية لموقعنا “الكلمة أون لاين”، ان الإتفاق ولد ميتا، خاصة وأن السلطات المصرية لم تستشر فصائل المقاومة، ومن بينها حماس، قبل عرض مبادرتها لوقف إطلاق النار، وبالتالي فقد تولّد شعور لدى الحركة بأن هناك تواطؤا مصريا إسرائيليا، مدعوما من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لإضعافها، ما جعلها تعتبر نفسها ضحية لهذا التحالف الإقليمي.
ويلفت موصللي إلى أن شعور حماس هذا قد يكون مبررا، سيما في الشق المصري، موضحا أن القاهرة اليوم تعتبر الإخوان المسلمين تنظيما معاديا، وحركة المقاومة الإسلامية جزء من هذه المنظومة، وبالتالي هذا يبرر عدم الثقة بين الطرفين.
وبعيدا من هذه الحساسية، لحماس اعتبارات أخرى تدفعها الى التصلب في موقفها من أي مبادرة لوقف إطلاق النار، وفق ما يرى موصللي، الذي اعتبر أنه لا يمكن للحركة أن توقف الحرب قبل الحصول على مكسب واحد على الأقل، وهو فتح المعابر، خاصة في ظل أوضاع مأساوية في القطاع، سواء على الصعيد الإنساني أو الإقتصادي.
هذا المطلب، وإن كان الأبرز إلا أنه ليس الوحيد، فقد وضعت حماس، مع الجهاد، عددا من الشروط مقابل التهدئة لعشر سنوات مع إسرائيل، وهي تتمثل في عدد من النقاط.
فبالإضافة الى فتح المعابر، تريد حماس والفصائل “وقف العدوان والحرب على غزة، ورفعا كاملا للحصار عن القطاع بريا وجويا، وحرية الصيد بعمق 12 ميلا بحريا”.
ومن بين المطالب أيضا “حرية الحركة في المناطق الحدودية، والإفراج عن المعتقلين في صفقة جلعاد شاليط الذين اعتقلوا مؤخرا في الضفة الغربية”، هذا فضلا عن السماح لسكان غزة بالصلاة في المسجد الأقصى بالقدس.
إذا، تنظر حماس بتوجس لمواقف القاهرة ودورها كوسيط نزيه في الصراع، وتبدو أكثر ميلا لقبول وساطة من أطراف أخرى حليفة، مثل تركيا وقطر، سيما في ظل علاقات الدولتين القوية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. لكن حراك البلدين لم يرق الى حد اطلاق مبادرة، وهو لم يفعّل وفق ما يرى موصللي.
واقع ترافق مع حراك مكثف بهدف التوفيق بين المبادرة المصرية ومطالب المقاومة. وفي هذا الإطار، أتى اللقاء الثلاثي في الدوحة والذي جمع شخصيات تركية، وفلسطينية من السلطة، وقطرية، وتمخض عن جملة من النقاط تقوم على التقريب بين المبادرتين.