لبنان الذي نام على ايجابية الكلام الآتي من باريس، حاملا معه البشائر لعين التينة، استفاق على فصل جديد من فصول المواجهة «اللامنطقية» بين اهالي العسكريين المخطوفين والقوى الامنية على خلفية قطع الطرق ، الذي اكملها المجلس الدستوري على طريقته مع رده الطعن المقدم من «التيار الوطني الحر» بقانون التمديد للمجلس النيابي «لعدم التمادي في فراغ المؤسسات الدستورية»، فيما قطار «البحث عن رئيس» ماض من دون وجهة محددة ولا أفق لموعد وصوله الى محطة الانتخاب، باستثناء حراك خارجي تقوده بعض العواصم المؤثرة في الملف وتواصل اميركي- فرنسي – فاتيكاني – روسي – سعودي – ايراني لم تتبلور نتائجه بعد، وحوار داخلي اطلق صفارة انطلاقه الرئيس سعد الحريري، في حال نضجت ظروف انعقاده وتقاطعت مع تسهيلات اقليمية ودولية.
ومع ان اطلالة الحريري، وبحسب مصادر 14 اذار، التي جاءت بحسب المتوقع شكلا، لم تحدث مفاجآت مهمة ، الا انها حملت بين اسطرها مواقف جديدة تفتح الباب واسعا امام الحركة التي تشهدها الساحة الداخلية الساعية الى احداث خرق في جدار الفراغ المستحكم بالواقع، غير انها رسمت اسس حوار المستقبل –حزب الله وطبيعته واهدافه، خالقا حالة سياسية جديدة في البلاد فتحت الباب على مرحلة اخرى من التعاطي مع الملفات، خصوصا مع الاطراف الاقليمية والمحلية التي تملك حتى الساعة القوة والمقدرة على الساحة الداخلية ، دون ان يتخلى رئيس الحكومة السابق عن ثوابته، في ظل ما تمرّ به المنطقة من توترات ترتدّ في معظم الأحيان على الداخل، ومواقفه المتصلة بوضع حزب الله غير الشرعي في سوريا، معتبرا «ان اهم هبة يمكن ان تقدمها ايران للبنان هي اخراجه من سوريا»، تاركا للمسيحيين «حسن الاختيار» بمباركة بكركي، التي يكاد لا يمر يوم الا ويبدي سيدها استياءه امام زواره وعتبه الشديد على القيادات المسيحية محملا اياها مسؤولية ما آل اليه الشأن الرئاسي، على ان يضمن بيان مجلس المطارنة الموارنة الاربعاء المقبل موقفا في هذا الصدد، ويبحث واعضاء المجلس في الآلية الواجب اتباعها بعدما تبين ان القادة المسيحيين لم يلتزموا بمضمون الاتفاق الذي وقع في اذار الماضي في الاجتماع الشهير في بكركي.
صحيح ان الرئيس الحريري لم يفصح عن موعد انطلاق الحوار تضيف المصادر، الذي افترضه «الاستاذ» قبل نهاية السنة، وصحيح انه جزم ببعد اللقاء مع السيد نصر الله، مكتفيا باعادة احياء ثنائية نادر الحريري – علي حسين خليل اقله في الفترة الاولى، وصحيح ان الاتفاق تم على تجاوز الشروط والشروط المضادة كونها علة سبب الحوار،وصحيح انه لم يكشف جدول الاعمال الذي لم ينته اعداده بعض ، رغم ان خلاصة حديثه التلفزيوني تعطي فكرة واضحة عن الاولويات. ورغم ان العملية الحوارية ما زالت في بداياتها ولم تبلغ بعد المراحل العملية والتنفيذية بدليل عدم الفراغ من مرحلة وضع جدول الاعمال، بحسب ما تؤكد مصادر قريبة من مهندسي المسعى الحواري، بسبب بعض النقاط العالقة التي تحتاج الى الاخذ والرد لتضمينها جدول الاعمال المفترض، رأت مصادر متابعة للاتصالات ان الايجابية السائدة تنطلق من النجاح الذي تحقق في احداث خرق اساسي تمثل في التوصل الى نقاط مشتركة ينطلق منها الحوارتتمثل في:
– مقاربة الآلية الواجب اعتمادها لانتخاب رئيس وسطي للجمهورية و«وضع خارطة طريق» للاستحقاقات الدستورية اللاحقة للانتخاب ،تكون مقدمة لاتفاق اوسع يضم كافة الاطراف السياسية .
– وضع تصور مشترك لقانون انتخابات نيابية.
– تفعيل مواجهة الارهاب ودعم القوى الامنية والعسكرية الشرعية ، دون تأمين غطاء لاعمال حزب الله العسكرية في سوريا.
– اعتماد خطاب سياسي بعيد عن التحريض الطائفي والمذهبي .
– التفاهم على الملفات الداخلية غير المرتبطة بالخلافات السياسية .
– تأمين استقرار وتسهيل حسن سير العمل الحكومي وتجنيبها الخضات والهزات تحت وطأة الملفات الشائكة .
اوساط «تيار المستقبل» لفتت الى ان الرئيس الحريري وبعد سلسلة اللقاءات والاتصالات التي اجراها مع الحلفاء وداخل تيار المستقبل، والتي ينتظر ان يستكملها في غضون الايام المقبلة ، والتي ترجم نتيجتها في ما صدر عنه من مواقف خلال لقائه التلفزيوني، انما اعاد التأكيد على ما طرحه اثر خروجه من جلسة المحكمة الدولية في لاهاي، والذي صاغه في مباراة حوارية واضحة في شهر رمضان الماضي، ما زال ينتظر الاجوبة على اسئلة محددة طرحت على العاملين على خط بيت الوسط- حارة حريك، ضرورية لانضاج اجواء ايجابية تسهل الذهاب الى الحوار ولا يمكن ادراجها في خانة الشروط، مشيرة الى وجود توجهين داخل التيار ، الاول يغلب عليه التحفظ والحذر في ظل غياب الضمانات المسبقة واستنادا الى التجارب السابقة، والثاني يرى في الحوار اهمية وضرورة للفصل بين لبنان وازمات المنطقة ما يشكل مظلة واقية داخليا.
اما حزب الله الملتزم في 8 اذار باعتماد سياسة الانفتاح والهدنة الاعلامية الكلامية، اكدت مصادر في 8 اذار عدم وقوفه عند بعض ما تناوله اللقاء التلفزيوني من نقاط طاولت الحزب وامينه العام والاسلوب التهكمي في بعض الاحيان الذي وصل الى حدود تصنيف حزب الله ارهابيا، ادراكا منه لضرورة افساح المجال امام نجاح الحوار وتخطي الشكليات في ظل الاحتقان الموجود والمتزايد كل يوم وسط زحمة الملفات المتفجرة التي لن تستثني احدا، معتبرة ان الكلام «الشعبوي» الذي قيل انما هو موجه الى القاعدة الشعبية للشيخ سعد بداية والى قوى الرابع عشر من آذار وجمهورها ثانية ، تبريرا للخطوة التي يذهب في اتجاهها «تيار المستقبل» والتي لم يستطع فريقه ابتلاعها او هضمها، وسط المخاوف لدى العديد من الاطراف والهواجس من امكان اتمام صفقة ما ، خصوصا بعد الكلام السعودي عن فصل المسار الداخلي اللبناني عما يجري من مطالبات في الامم المتحدة.
الاكيد ان الحلقة التلفزيونية بينت جليا ان الحوار المنتظر وبحسب المصادر المتابعة، لن يكون بالسهولة التي يعتقدها البعض حتى اولئك العاملين على التحضير له، خصوصا بعد «النكسة النووية» في فيينا والتصعيد السعودي المترافق مع تحرك دبلوماسي مكثف في سياق توجه سياسي سعودي اقليمي ودولي اكثر جدية وحزما تجاه قضايا المنطقة مستندا الى مكاسب المصالحات الجارية عربيا واقليميا، والتي حاول سفير المملكة التخفيف من وطأتها خلال زيارته لرئيس مجلس النواب، حاملا في المقابل معه رسالة من عين التينة الى القيادة في الرياض تشرح جدوى الحوار وتداعياته على المصالح السعودية في لبنان والمنطقة، وهو ما بدا جليا في مواقف الحريري التي اعتبر البعض انها جاءت نتيجة الضغط الاميركي على السعودية.
نجح الرئيس الحريري في تقديم نفسه بطريقة مختلفة، واضعا سقفا له تحييد لبنان عما هو حاصل خارجه، في قراءة سياسية واقعية تشجع أكثر فأكثر للعمل على تقريب وجهات النظر، وهذا ما بدا فور انتهاء مقابلة الحريري من خلال تغريدة عبر «تويتر» للنائب جنبلاط وصف فيها رئيس «المستقبل» برجل الدولة.
على أي حال فإن الأيام القليلة المقبلة ستثبت مدى جدّية كل الأطراف.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...