ببسمة مثقلة بالتعب والقلق يستقبلك بائع تلك الكتب النادرة الآتية اليك من حضارات تحاول همجية هذا الزمن ان تنسيك معالمها…
القلق هذا لا تقتصره مكتبة بل شارع بطوله وعرضه روى طرابلس منذ زمن من منابع وثائقه ومخطوطاته… شارع المكتبات هذا كان حتى الامس القريب معلما حضاريا يأتي اليه كل متعطش لدراسة ما قام به الاسلاف من عصر الجاهلية الى صدر الاسلام وصولا الى سقوط الامبراطورية العثمانية.
اليوم كل شيء تغيير في طرابلس(ام الفقير) كما يحلو لعشاقها تسميتها فشارع المكتبات كما شارع الكنائس او الاسواق الشعبية الاخرى من خان الصابون الى الذهب فالنحاسين كلها اليوم اضحت متاريس و(شوادر) لحلبة صراع اقليمية ودولية وتصفقية حسابات بين (الانبياء والاشباح).
وبالعودة الى يوميات طرابلس يتحدث صاحب المكتبة عن قلق وخوف لم يفارقا اهل المدينة رغم الخطة الامنية التي وضعتها الاجهزة مع الدولة واثمرت عن استقرار بين التبانة وجبل محسن.. استقرار يبدو بلغة الرجل هشا بعض الشيء نظرا للمستجدات التي طرأت في الآونة الاخيرة وعلى رأسها احداث عرسال وما سبقها وتلاها من اخبار او تسجيلات صوتية بايع بعضها جبهة النصرة او داعش من طرابلس كما جاء في بيانهم المسجل.
الحوادث الفردية المتكررة ايضا تأخذ طابعا طائفيا وهنا تتحدث اوساط طرابلسية متابعة للوضع الميداني في المدينة للكلمة اونلاين عن حادثة قتل المواطن فواز بزي قبل ايام من قبل مجموعات مسلحة فقط لأنه من الطائفة الشيعية علما انه كان من سكان طرابلس وعاش وعمل فيها طيلة حياته. فهنا بدأت الامور تأخذ مسارا خطرا ابعد من جولات الجبل – التبانة حيث كانت تنحصر في بقعة جغرافية معينة في حين ان الوضع اليوم انتقل ليحاكي بيئة عامة كان لها ارتدادات على الساحة الطرابلسية ويبدو انها قد تفتح المجال للمجموعات المسلحة بان تعود الى التبانة وتعود لممارسة بعض التجاوزات من اعتداءات مذهبية او فرض سلطتها على المنطقة او القيام باعتداءات على الجيش. ووفق الاوساط الطرابلسية فان الغطاء المتوفر لهذه المجموعات تخطى السياسة ليصبح عقائديا جهاديا يتأثر الى حد كبير بما يحصل في سوريا لا سيما وان قسما كبيرا من هذه المجموعات مرتبط بشكل مباشر باخوانه في سوريا حيث انتقل الكلام من الهمس الى العلن عن الثورة السنية المقبلة.
من عمر بكري فستق الى ابو عمر المهاجر:
كان لتوقيف الداعية عمر بكري فستق من قبل الاجهزة الامنية في منطقة عاليه في ايار الماضي اثارا كبيرة انعكست ايجابا على حركة الاجهزة التي استطاعت بالتحقيق مع الداعية الكشف عن خبايا كثيرة ومخططات كان ينوي الرجل القيام بها.
فستق المستبعد من بريطانيا والحامل لجنسيتها كان يخطط خلال احداث الجبل – التبانة مع مجموعة من الاشخاص وعلى رأسهم “اسامة منصور” لامداد المعارضة السورية بالعناصر المقاتله من التبانة.
منصور وباشراف من فستق كما اظهرت التحقيقات كان زعيما لمجموعة تضم اكثر من خمسين مسلحا من باب التبانة والاحياء الفقيرة المحاذية كباب الرمل والريفا والبقار مدججين بالسلاح والعتاد المتطور من ضمنه قناصات متطورة وحديثة ومناظير ليلية، حتى بلغت كلفة تسليح الشاب نحو عشرة الآف دولار.
لم يتوقف عمل فستق عند امداد المعارضة السورية بل فتح قناة اتصال مع تنظيم الدولة الاسلامية قبل سنتين من الآن حيث ارسل التنظيم “اميرا الى طرابلس وهو من اصل يمني ويعرف بـ”ابو عمر المهاجر”، لكي يجند الشباب لمصلحة “داعش” وارسالهم الى جبهات القتال.
ورغم هامش الحركة لهؤلاء العناصر نظرا للرصد والمتابعة من قبل الاجهزة الامنية الا انه وبعد فترة كانوا قد جهزوا بتدريبات خاصة من قبل داعش حيث كانوا ينتقلون من طرابلس عبر الحدود الى الداخل السوري الى مناطق نفوذ التنظيم لا سيما من عكار وعرسال.
اما ثمرة التعاون بين هذه المجموعات والتنسيق من طرابلس الى الداخل السوري كان فيديو “ابو سياف الانصاري” الذي ظهر فيه وهو يبايع “داعش” من طرابلس ويعلن “ابو عمر المهاجر” متحدثا باسم التنظيم في المدينة.
وطيلة السنتين الماضيتين ظهر عدد من الشباب الطرابلسي في سوريا من خلال عمليات انتحارية نفذوها او ايضا من خلال الكمائن التي نصبت لهم من قبل قوات النظام السوري واشهرها كان الكمين في تلكلخ والذي ذهب ضحيته نحو عشرين شابا غالبيتهم من طرابلس.
وتلك المجموعات التي كان يشرف عليها “المهاجر” عملت بسرية وهي من مناطق البحصة وباب الحديد وباب الرمل والدفتردار والقبة بالإضافة الى التبانة. تولى “محمد ايعالي” التنسيق بينها وايصال الأموال، حتى بلغ تعدادها نحو 300 من العناصر المدججين بسلاحهم الكامل، ويبايعون أميرا لم تعرف هويته بعد.
فهذه المجموعة تقول الاوسط لموقعنا لديها بيئتها الحاضنة وبالتالي لا يمكن للجيش استهدافها والتصدي لها من خارج التبانة اما الدخول الى التبانة لمواجهتها وضربها واستئصالها يتطلب غطاء سياسيا جديدا وقرارا جديدا من مجلس الوزراء.
هذا المشهد يذكرنا بالباصات الحزبية التي كانت تذهب الى شارع التل في طرابلس خلال الحرب الاهلية وتنادي للشباب في التبانة والاحياء الفقيرة المتفرعة للقتال معهم على الجبهات الساخنة في الجبل وقد كان قاسيا التشبيه يوم ذاك حين كانت منظمة التحرير تأتي بمرتزقة من السنغال والصومال والسودان للقتال معها في حين كانت تعتمد الاحزاب الوطنية في حينها على هؤلاء المقاتلين كقوة اسناد لعناصرها.
الجبل: حكاية اخرى
ما ينطبق على التبانة لا ينسحب على جبل المحسن الذي يفتقد في هذه الايام لرفعت علي عيد المتواري عن الانظار والذي صدرت بحقه مذكرات توقيف عدة لتورطه كما قادة المحاور بجولات الاقتتال في المدينة.
يقول احد المسؤولين في الحزب العربي الديمقراطي للكلمة اونلاين مفضلا عدم ذكر اسمه ان عيد يتنقل على الحدود اللبنانية السورية فاحيانا في الشام وفي بعض الاحيان في طرطوس او اللاذقية،الا انه يؤكد ان الحزب مستمر في الجبل ويقدم خدماته ولم تحصل حالة استئصال له وان ما حصل لا يتخطى وقف القتال في المدينة.
ورغم ان المسؤول يشير الى ان الجبل هو اكثر منطقة امنة ومتعاونة مع الجيش الا ان بعض الاوساط الطرابلسية تؤكد ان الوضع في الجبل كما التبانة مرتبط بالاحداث في سوريا والشباب هناك منغمس بدوره بالصراع وهناك قسم كبير من الشباب العلوي في الحزب العربي الديمقراطي يذهب الى سوريا للقتال مع الدفاع الوطني ويتلقى تدريبات من قبل مجموعات لحزب الله والجيش السوري وهم يخضعون لتدريبات نوعية واذا ما حصل اي اشكال في طرابلس فحكما سيتواجدون في قلب المعركة.
ماذا عن سياسيي واحزاب طرابلس؟
منطلقا من انعكاسات الخطة الامنية على المدينة بشكل عام، يؤكد مستشار الوزير اشرف ريفي اسعد بشاره لموقعنا ان الوضع في المدينة هادئ نسبيا مستبعدا ان تكون هناك بيئة حاضنة لداعش او اي فصيل آخر لأن الاجهزة الامنية تتعقب اي مجموعة يشتبه بها وهو يشير الى عدد من المداهمات التي حصلت خلال الشهر الماضي والتي كان آخرها في الساعات الماضية حيث تم توقيف احد السوريين في منزله في أبي سمراء، وهو مسؤول ميداني كبير في تنظيم “داعش”، ويوصف بأنه “خطير”.
تيار المستقبل يتابع بدقة الوضع الطرابلسي ويعمل نوابه ووزراؤه بالتنسيق مع الاجهزة انطلاقا من الخطة الامنية على لجم اي حادث فردي قد يحاول البعض افتعاله كما تشير اوساطه الى ان نواب المدينة يتواصلون بشكل مستمر مع الفعاليات لتحييد المدينة عن الصراعات الاقليمية وابعادها ايضا عن جولات الاقتتال التي اكتوت منها عاصمة الشمال.
كل ذلك ينعكس ايضا على المزاج الشعبي الطرابلسي الذي بات يسكنه هاجس الامن ويطغى على جدول اعماله اليومي وبات الحديث عن السياسة محصورا بتداعيات الازمة السورية على المدينة اما الانتخابات النيابية وخريطة تحالفاتها المستقبلية فتأتي في المرتبة الثانية لدى الكثيرين الذين يرددون عبارة (بدنا امن لنعيش)…
جانين ملاح