انتهت ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام على خير وسلام ولله الحمد في ذلك أولاً وأخيراً، وطبعاً لا ننسى الإجراءات الأمنية المشددة التي قامت بها المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية بالإضافة الى قوى الأمر الواقع من حزب الله وحركة أمل.. مشكورين بكل حال.
ولكن بعض الأمور لا بد لنا ان نتوقف عندها ونفكر بها ملياً كرمى للحسين وعيون الحسين والنهج الحسيني الذي ما قام الا للإصلاح في أمة جده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
أولاً: في السيرة الحسينية:
– العباس بن علي: يستفزني الحديث عن العباس بن علي (ع) في بعض السير الحسينية التي أعتقد بان المبالغة فيها قد أتت عليها ويؤخد علينا نحن الشيعة حيث يقول الخطيب الحسيني بأن العباس قد قتل من الأعداء ما يقارب الالف رجل وأكثر.. كيف يمكن لهذا الإنسان بالدرجة الأولى على أن يقتل هذا العدد؟؟ تجرأت وصارحت أحدهم بذلك فكان جوابه بأن من شيم أهل البيت الشجاعة والإقدام وأجسام العرب وقتها ليست كما الآن.. ولأنني لا أعلم مدى صحة هذا الحديث توجهت بالحديث الى نقطة أخرى، فلو كان العباس ين علي (ع) قد قتل فعلاً ألف رجل وأكثر ولنفترض أيضاً على أقل تثدير بأن قتل رجل واحد لا يتعدى معه النصف دقيقة فهذا يعني أنه سيحتاج الى خمسمائة دقيقة للقيام بذلك متجاوزاً بذلك ثمانية ساعات بشكل متواصل من القتال!!.. هذا علماً أن معركة عاشوراء لم تتجاوز الساعتين.
– علي الأكبر: هو إبن الإمام الحسين عليه السلام، والدته ليلى بنت أبي مرة، كانت حاضرة في واقعة عاشوراء حسب السيرة الحسينية بمشهد حزين يفطر القلب ويدمي العين وهي تضع رأسها في حجره وتتساقط دموعه على خديها.. هذا كله وهي التي توفيت قبل عاشوراء بثلاث سنوات.
– القاسمُ بن الحسن: عمه الإمام الحسين (ع) لم يكن يتعدّى الثلاث عشرة سنة في كربلاء، تُصوّره بعضُ القراءات عريساً على ابنة الحسين سكينة التي لم يتجاوز عمرها العشر! وأنّ الحسين قد عقد قرانهما ثمّ أرسلهُ إلى المعركة ليموت… وتُرسَلُ الدموعُ على وقعٍ حادثةٍ لم تحصل يوماً. الكثير من الشخصيّات مسّها أذى هذا الانفلات المنهجي الذي يبرره صانعو البكاء، في حين أنّ حقيقة الأحداث المروعة التي شهدتها تلك الملحمة هي بغنىً فعلاً عن أيّ تشويهٍ أو إضافةٍ مصطنعة.
هذا غيض من فيض ما يتناوله بعض قراء المجالس الحسينية نكتفي بها حيث نعتقد بأن الفكرة منها قد اتضحت.
ثانياً: آراء حول السيرة الحسينية:
“إنّ هذا أمر مثير للسخرية، فهل تحتاج الزهراء بعد مرور 1400 عام على المأساة إلى المواساة، في الوقت الذي نعلم أنّها الآن مجتمعة مع الحسين (ع)… وهل إنَّ فاطمة عندكم طفلة صغيرة حتى تظلّ تلطم وتبكي بعد 1400 عاماً حتى نأتي لنعزّيها ونأخذ بخاطرها ؟؟!!هذا هو الكلام الذي يخرّب الدين !!”
(عالم دين وفيلسوف شيعي، العضو المؤسس في شورى الثورة الإسلامية في إيران إبان الأيام الأخيرة من سقوط نظام الشاه، وأحد أبرز تلامذة المفسر والفيلسوف الإسلامي آية الله السيد الطباطبائي والإمام الخميني).
” وقد حرّفوا هدف أقامة مجالس عاشواء حتى جعلوا البكاء هو الهدف والغاية وأنساقوا وراءالعَبرَة دون العِبرَة ؛ جعلوا من ثورة الامام الحسين محطة للنياح والبكاء والمصيبة؛ خدمة لأهدافهم لأنها ثورة ضد الظلم والجور ومن أجل الاصلاح في أمة جده رسول الله…”
(مفكر إيراني إسلامي شيعي مشهور ويعتبر ملهم الثورة الإيرانية وحاصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع – وقد اعتبره هاشمي رفسنجاني مَعْلماً أساسياً في إرساء النهضة الإيرانية – السيّد موسى الصدر أقام الصلاة على جثمان شريعتي في دمشق العام 1977).
ثالثاً: في البدع والمراسم العاشورائية:
التطبير والضرب بالسلاسل:
تعود غالبية مظاهر العزاء الحسيني وأنماطها إلى اجتهادات عامّة الناس، فهم من يديرها ويؤسّس لها بشكل مباشر، وقد ابتكروا لذلك أشكالاً متعدّدة من قبيل: اللطم على الصدور، وضرب الصدور، والضرب بالسلاسل، ونصب الأغلال، والتطبير، ولم يتلقّ الناس هذه الأنماط من عالمٍ من العلماء، وإنما جاؤوا بها من قبل أنفسهم دون تدخّل العلماء فيها، إلا أنهم ـ فيما بعد ـ أجازوا بعضها وحرّموا بعضها الآخر.
وكان في انفراد عامّة الناس ودخالتهم المباشرة في ابتكار تلك الأنماط السبب الأساس في تسلّل الخرافة والتحريف لمضامين عاشوراء ومراسم العزاء، وإن كان دافعهم في أغلب الأحيان عن حسن نية وصدق عاطفة، لكنّ الكلام ليس في حُسن النية وعدمه، وإنما المسألة متعلّقة بوعي أولئك العوام، وليس لحسن النية أن يحلّ محلّ الوعي، بل من المستحيل استبدال أحدهما بالآخر، ومن قال بوعي عامة الناس، فإما أن يكون منهم أو من مضلِّليهم.

ولنا سؤال نوجّهه للفقهاء القائلين بجواز أو استحباب التطبير، وهو: متى كان ضرب الرأس بالسيف وشجّه نمطاً من أنماط الحزن والعزاء على الميت؟ وهل ثمة عرف أيّد ذلك؟ إلا إذا عدّينا مذهب “لومبين” عُرفاً من الأعراف الاجتماعية، وهذا لن يقدّم لنا إلا عاشوراء من الصعلكة والإجرام ووأد شمسها في التراب. وسؤالنا الآخر لأولئك الفقهاء هو: إذا كان التطبير مباحاً أو مستحباً فلماذا تُعرضون عن ممارسته؟ إنكم لا تقولون بمخالفة هذا العمل للشرع المقدّس، لكنكم ترون فيه منافاةً للشخصية والكبرياء فلم تمارسوه بالمرّة، إذاً كيف يكون هذا منافياً لشخصيّاتكم ولا ينافي مكانة الحسين وعاشوراءه؟
هو إحدى الشعائر الحسينية، حيث يمشي الممارسون لهذه الشعيرة على الجمر الحار لاستشعار آلام الحسين بن علي وأهل بيته (ويكيبيديا)، ولكنها في الحقيقة هي إحدى الطقوس العبادية لدى الهندوس الذين يعبدون الأبقار والحيوانات
(الصورة: الهندوس خلال قيامهم بشعيرة المشي على الجمر)

(الفيديو: المشي على الجمر في عاشوراء)
وهنا ما علينا إلا السؤال: هل هذه البدع (الأعمال) موجبة لإضرار النفس أم لا؟ وهل هي مُضعفة لشوكة الدين والتشيع ومكانته أم لا؟ هل هي تفيد في النهج الحسيني وثورة الحسين ضد الظالم؟.
ختاماً، لا يسعنا إلا التمني بعودة السيرة الحسينية الى الهدف المرجو منه وهو ذاته الذي خرج لأجله الإمام الحسين عليه السلام للإصلاح في أمة جده، العودة الى حسين الثورة، حسين الشجاعة والقوة، لتكن عاشوراء مدرسة شامخة نستلهم منها العبر أكثر مما نسكب فيها الدموع.. ونردد حرفياً ما قاله الشيخ الشهيد مرتضى مطهري:
“الشهادة الثالثة للحسين، فكانت عندما استشهدت أهدافهُ على يد البعض من أهل المنبر الحسيني، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم، فالحسينُ ظُلم بما نُسب لهُ من خرافات وأساطير، ظُلم لأنّ تلك الروايات عتّمت على أهداف ثورته ومقاصدها، ظُلم على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له ولأهل بيته حوارات ومواقف وهميّة ملؤها الانكسار لاستدرار الدمع، فصوّروه وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئهُ بروحه ودمه، وهو يلتمس الماء بكلّ ذلٍّ ومهانة من أعدائه! وصوّروا أخته زينب _الطود الشامخ_ التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلتهُ بخطبتها، على أنّها امرأةٌ جزِعةٌ بكّاءة تُثبّطُ همّةَ أخيها في الحرب!”.
صدى العرب