بعد اقتراب أزمة عرسال من خواتيمها بانسحاب جميع المسلحين منها، ودخول فرق الصليب الأحمر لإجلاء الجرحى، بدأ النازحون من أبناء البلدة الذين خرجوا منها أثناء المعركة بحزم أمتعتهم تمهيداً للعودة إلى منازلهم.
النازحون العراسلة توزّعوا على مختلف المناطق اللبنانية، من بعلبك والبقاع الأوسط خصوصاً في قرى المرج وسعدنايل وقب الياس، إلى مناطق جبل لبنان وإقليم الخروب وصيدا وطرابلس وبيروت. البعض منهم قصدوا أقارب أو أصدقاء لهم في هذه المناطق، والبعض الآخر قام باستئجار بيوت.
عرسال، البلدة السنية المؤيدة للثورة السورية والتي تشبه “جزيرة” في محيط شيعي، لم يستفق أبناؤها من “صدمة” ما جرى فيها منذ السبت الماضي وسط إجماع بين الاهالي على فكرة “المؤامرة” وأن كل ما حدث هو بهدف معاقبة البلدة على مواقفها السابقة المؤيدة للثورة السورية وتحويلها “عبرا” (صيدا حيث دارت اشتباكات قبل اكثر من عام بين الجيش اللبناني ومجموعة الشيخ احمد الاسير أنهت ظاهرته) أو “نهر بارد” (المواجاهت بين الجيش و”فتح الاسلام” صيف 2007) جديد.
محمد الحجيري أحد الذين خرجوا من عرسال وقصد بلدة المرج البقاعية يقول لـ “الراي”: “ما فهمنا بعد ليش بلشت المعركة وكيف انتهت. وما عرفنا مين كان السبب الرئيسي حتى تصير هيدي المعركة”. ويضيف “أهل عرسال تركوا بيوتهم وخرجوا لأن ليس لهم ناقة ولا جمل في كل ما حصل”.
ومما يجمع عليه أهالي عرسال أيضاً “اننا تعرضنا للخيانة والطعن بالظهر من ثلاثة أطراف: اللاجئون السوريون في عرسال، وحزب الله، وأهالي بلدة اللبوة المجاورة”.
وائل البريدي الذي لجأ مع عائلته إلى بيت خالته في بيروت يعلق، على خروج عدد لا بأس به من المسلحين ممن كانوا يعيشون داخل المخيمات: “استقبلنا اللاجئين السوريين الذين هربوا من الحرب السورية، سكنوا بيوتنا واعتبرناهم اخوتنا وأهلنا، وقدمنا كل ما يمكن ان نقدمه، وحميناهم. “عيب يعملوا معنا هيك”. ويضيف: “ساعدناهم لانهم فقراء و”معترين”، وفي أول فرصة طعنونا، سرقوا بيوتنا، وأطلقوا النار على العراسلة وعلى الجيش اللبناني. ونقول لهم مَن أراد ان يقاتل ليرجع الى سورية، عرسال ليست حمص ولا حلب ولا يبرود. عرسال ضيعة لبنانية، ولا أحد يرضى ان تكون مسرحاً للمعارك ولتصفية الحسابات”.
ويعتبر البريدي “أن التعامل مع اللاجئين السوريين بعد انتهاء الأزمة لن يكون كما قبلها فلن نرضى بأن يبقى مخيم واحد داخل عرسال، ونطالب الدولة بترحيلهم إلى المناطق الحدودية وتنظيمهم وضبطهم”.
الغضب الأكبر من أهالي عرسال انصبّ على “حزب الله” الذي يؤكدون أنه “الجهة الوحيدة المستفيدة مما حدث في البلدة”، ويتناقلون مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد مشاركة الحزب في المعارك.
علاء عز الدين يقول: “الحزب استغل الوضع وأطلق صواريخه على أماكن تجمع المدنيين، وعلى المخيمات، من المنصات التي ينشرها في اللبوة والنبي عثمان والعين”.
ويوافق محمد الحجيري هذا الرأي بقوله “صواريخ حزب الله هي التي كانت تنزل على عرسال، وتخرق الهدنة فتتجدد المعارك. لكن وعي الجيش اللبناني وبعض الاصوات الحرة، بددوا حلم حزب الله بمحو عرسال والإنتقام منها”.
أزمة عرسال يبدو أنها خلفت شرخاً اجتماعيا كبيراً في منطقة البقاع الشمالي بين أهالي عرسال وأهالي اللبوة، خصوصاً بعد اعتراض أهالي اللبوة لقوافل الإغاثة إلى عرسال بحجة انها ستصل إلى المسلحين و”داعش”.
ويقول أحد أبناء عرسال عمر زعرور: “امام الإعلام يقولون عنا اننا إخوتهم وجيرانهم، وفي الحقيقة حوّلوا بيوتهم منصات صواريخ لحزب الله يقصف منها عرسال. إسرائيل سمحت بدخول مساعدات إنسانية إلى غزة، ولكن جيراننا في اللبوة قطعوا الطريق امام قوافل الإغاثة. بكلمة واحدة: شعرة معاوية انقطعت معهم”.
“دواعش السياسة والإعلام” كما يصفهم خالد الحجيري كانت لهم حصة كبيرة من نقمة العراسلة، حيث يقول: “بعض النفوس المريضة، والعقول الحاقدة، كانوا عبر تضامنهم المنافق مع الجيش يضغطون عليه ويدفعونه لارتكاب مجزرة في عرسال، وتدميرها وقتل أبنائها. فيما الواقع أن عرسال أثبتت أنها هي من أوائل الداعمين للجيش، وهذا ما يؤكده أن خمسة من أسرى الجيش اللبناني هم من ابناء عرسال التي تضم نحو 2000 عنصر في المؤسسة العسكرية”.
وقد أفاد بعض النازحين العراسلة المنتشرين في المدن اللبنانية، أن هناك أشخاصاً وجهات، قصدوهم أو اتصلوا بهم لتقديم معونات عينية من بطانيات وفرش اسفنجية، لكن الرفض كان موقف الجميع، “ما طلعنا حتى نقعد بمخيمات، وما بدنا علب سردين وحلاوة. بدنا نرجع على ضيعتنا وبس”.
يعتبر غالبية أهالي عرسال أن هذه المعركة، ورغم قساوتها وبشاعتها، كان لها ايجابية وحيدة أنها نفت عنهم تهمة الإرهاب وأنهم يشكلون البيئة الحاضنة للتنظيمات المتطرفة، التي لطالما اتُهموا بها.