ليس هناك مسألة درزية في قاموس المصطلحات التي تدلل على الحالات السياسية
الموجودة فالدروز وفقا لتوصيف قيادي ينتمي الى الطائفة الدرزية: مواطنون عرب
مسلمون.
الموجودون في سورية مواطنون سوريون، والموجودون في لبنان مواطنون لبنانيون،
والموجودون في الاردن مواطنون اردنيون، اما الذين يعيشون في فلسطين تحت الاحتلال
الاسرائيلي، فلا حول لهم ولا قوة، على الرغم من ان قسما كبيرا منهم يُشهرون
المعارضة لسلطات الاحتلال، ويرفضون الخدمة الإلزامية، ويفضلون دخول السجن على
الخدمة. ودروز الجولان السوري المحتل يرفضون الهوية الإسرائيلية، ويتمسكون بالهوية
العربية السورية منذ ما يناهز الاربعين عاما.
مناسبة تناول الموضوع ما يثار في بعض وسائل الاعلام، وعلى مواقع التواصل
الاجتماعي، من تحليلات وتغريدات ومقالات، معظمها لا يمت بأي صلة مع واقع الحال،
وبعضها يعبر عن رغبات وتمنيات خاصة لكاتبيها وربما تحمل بعض الغرضية التي تشجع
عليها انظمة ـ او قوى سياسية ـ ترغب بأن يقاتل الدروز الى جانبها.
عندما حاولت الاستخبارات الإسرائيلية اغراء البعض للشروع في تنفيذ مخطط لإقامة
دولة درزية، كان أول من تصدى لها الدروز، وفضحوا امرها برسالة بعث بها الزعيم كمال
جنبلاط الى الرئيس جمال عبدالناصر بعد عدوان 1967. كما ان الدسائس التي اختلقتها
اسرائيل في لبنان بعيد الاجتياح في العام 1982 اجهضتها القيادات الدرزية، وكان خيار
هذه القيادات واضحا في مساندة وحدة لبنان وعروبته، والوقوف الى جانب المقاومة
وسورية، وقد قاتل الدروز في صفوف القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية، وكانوا في
طليعة من اسقط اتفاق 17 آيار الذي فرضته اسرائيل على الحكومة اللبنانية عام 1983.
ترى قيادات درزية لبنانية متابعة ان بعض الذين يدورون في فلك النظام في سورية،
يقلدون الممارسات الإسرائيلية في اختلاق الدسائس، والهدف دائما استمالة القيادات
الدرزية، او استخدام ابناء الطائفة وقودا في مشروعهم التفتيتي، وخلق القلاقل امام
القيادات التي ترفض الانجرار وراء الفتنة بين ابناء الشعب العربي الواحد، سواء في
سورية او في لبنان.
وتؤكد هذه القيادات: انه لا يوجد مشروع درزي مستقل في لبنان، او في سورية،
فالدروز مواطنون متمسكون بوطنيتهم في كلا البلدين، وهم جزء من النسيج الاجتماعي
المتنوع في الدولتين، يتمسكون بإسلامهم، ومتعلقون بعروبتهم اكثر من اي وقت مضى،
والعلاقات المتميزة بينهم وبين المسيحيين في جبل لبنان، لا تحمل مشروعا انفصاليا،
بقدر ما تنم عن رغبة في التعايش الذي تكرس بالتعاون بين الفريقين عبر مئات السنين،
رغم بعض الاضطراب الذي أصاب هذه العلاقة في فترات مضت.
لقد توسعت التحليلات والمقالات في الفترة الاخيرة مستفيدة من الحركة التي قام
بها رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط، لاسيما زياراته الى منطقة العرقوب
الحدودية، وإلى حاصبيا راشيا والبقاع الغربي، واستغل بعضهم المواقف التي ادلى بها
في قرية عين عطا، ووصل بهم الامر الى حد الحديث عما يسمى «المسألة الدرزية» في
توصيف لا يخلو من الغرضية الفئوية، كما اختلقوا اشاعات عن تسليح في صفوف الشباب
الدروز.
أوساط سياسية متابعة لما يجري، تقول: ليس هناك مسألة درزية، او مسألة سنية، او
مسألة شيعية، او مسألة مسيحية. الموضوع هو هياج تغذيه اسرائيل، وتساندها اوساط
غربية نافذة، وتنغمس في تأجيج الحريق دول اقليمية كبرى، ترقص على مسرح غيرها، من
اجل تعزيز نفوذها الاقليمي، والمقايضة على ملفات أخرى.
الاوساط ذاتها ترى ان مذهبة الصراع في المنطقة هدفه إطالة الازمة، وتفتيت الامة
العربية وإضعاف الدول المحيطة بإسرائيل. ذلك اهم ما جاء في وصايا حكماء بني صهيون
العشر.
وهدف حركة وليد جنبلاط ومواقفه في المرحلة الاخيرة، وفقا لأوساطه، ليس تحييد
الدروز، او نأيهم عن الأزمة السورية، انما تحييد لبنان، ونأيه عن الانغماس في
الوحول الاقليمية. فالخطر في لبنان ليس على الدروز، بل على البلد برمته. وسياسة
الاعتدال التي يعتمدها جنبلاط تهدف للإبقاء على الحوار والتواصل بين المكونات
اللبنانية كافة، وخاصة بين الدروز وابناء امتهم الآخرين، لأي طائفة او حزب انتموا
وتلك مسؤولية مباشرة ملقاة على جنبلاط، نظرا للخصوصية التي يمتع بها عند ابناء
الطائفة الدرزية وفي الطوائف اللبنانية الأخرى، فالمختارة كانت على الدوام بيتا
جامعا، لا يحب زعماؤها التعصب الطائفي.
واضح ان البعض منزعج من حركة جنبلاط، وهؤلاء ذاقوا ذرعا من تحريضه دروز سورية
على عدم الاشتباك مع جيرانهم. ذلك ان من مصلحة هذا البعض اشعال المنطقة برمتها ـ
خصوصا في لبنان ـ لأنهم يعتقدون ان الفوضى العارمة تخدم اهدافهم، وفي الحقيقة انها
لا تخدم الا مصالح اسرائيل.
لا يبدو ان عند الدروز مشروعا خاصا، لا في لبنان ولا في سورية، في المقابل هناك
مشروع لتوريط الدروز في مواجهة مع طوائف اخرى، في سورية او في لبنان، عن طريق
الترغيب او بالترهيب، ولكن المواقف الدرزية تبين ان هؤلاء لن ينجروا الى الفتنة،
وليس لديهم ادنى رغبة في الانفصال ولا يخططون لإقامة دولة درزية، بل يرفضون الفكرة
جملة وتفصيلا.