لا يختلف اثنان على أنّ «الدولة الاسلامية في العراق والشام» علمت كيف تستخدم مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الاعلام لمصلحتها، فاستطاعت من خلال سياستها الإعلامية، والتي هي جزء من الحرب النفسية، أن تبثّ الذعر والرعب في نفوس مَن صَنّفتهم في خانة الأعداء، وأن تنشر «بروباغندا الموت» عبر فيديوهات وصوَر مروّعة لِما اقترفته أيادي «الداعشيّين» باسم الدين.
صوَر القتل والذبح والإعدامات الجماعية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من وجباتنا اليومية، واذا ما مرّ يوم من دون حصّة مُشبعة بالدم، نشعر أنّ هناك خطباً ما، وكأننا تحوّلنا الى مصّاصي دماء ننتظر بشغف رَشفة الدم تلك عبر نشرات الأخبار أو مواقع التواصل الاجتماعي.
من هذا المنطلق شَكّك كثير من المشاهدين في صحّة فيديو ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي، ولعلّ السبب الأبرز الذي دفعهم الى تصنيفه في خانة «التركيبة الهوليوودية» كان احتواءه على مستوى منخفض جداً من الدم والرعب والمشاهد الصادمة مقارنة بغيره من الفيديوهات التي توثّق عمليات النحر التي تَبجّحَ بها إرهابيّو «داعش».
والفيديو شكّل صدمة كبيرة لدى الأميركيين بشكل خاص، ما دَفع ادارة «يوتيوب» الى إزالته بعد بضع ساعات من نشره. وهنا، لا بدّ من التساؤل عن الاختلاف في التصرّف بين المشاهد العربي والمشاهد الغربي.
يتلقّى المشاهد العربي الصوَر الدموية الفظيعة من كل حدب وصوب، ويعيد نشرها على رغم بشاعتها لإيقاظ الضمائر العربية النائمة، كما يعتقد. إلّا أنّ ضمائر تلك الأخيرة ليست نائمة، بل أصبحت منيعة أمام الكمّ الهائل من الفظائع التي اعتادت عليها، فما عادت صوَر من هذا النوع تحرّكها. بينما في المقلب الآخر، تحرص المجتمعات الغربية على الابتعاد عن «بروباغندا الصوَر المريعة» مدّعية أنها تحترم حرمة الموت في العلن.
وإذا ما راجعنا الأحداث، نلاحظ أنّ دولاً مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وحتى الكيان الصهيوني لا تنشر صوَر قتلاها وضحاياها، خوفاً من أن تعتاد شعوبها على تلك المشاهد ما قد يؤدي الى إضعاف قضيتها.
وفي هذا الإطار تلجأ هذه الدول الى اتّباع المثل القائل «الحَيّ أبقى من الميّت»، فتُكثِر من التقارير والمقابلات مع ذوي الضحايا، بما أنّ هذه الأخيرة قد تحرّك مشاعر الناس وتُثير تعاطفهم أكثر من صوَر الجثث الهامدة. وبالتالي، تكسب الدول دعم شعوبها ولو أنّ قضيتها ظالمة أو غير محقّة. ولو أنّ فولي لم يتكلّم شخصياً قبل إتمام عملية الذبح، لَما كان الفيديو قد أحدثَ الصدمة التي أحدثها.
وبعد «زلزال» فولي الاعلامي، من المؤلم أن نكتشف أنّ العرب ليسوا سوى «فْراطَه» في نظر الإعلام الغربي الذي تغاضى عن كلّ إبادات «داعش» وقتلها الآلاف قبل ذَبح فولي، وصَوّر العرب على أنهم سفّاحون ومصّاصو دماء بعده.