بصرف النظر عن الجهة التي تقف وراء التسريبات الاعلامية المتعددة التي تناولت العلاقة بين رئيس اللقاء الديموقراطية النائب وليد جنبلاط ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، لا يمكن صرف مضمون هذه التسريبات إلا في سياق ذهنية استخباراتية، الغائية، تنتمي الى سياق عهد قديم، غلبت على مندرجاته لغة التهديدات، ولغة الاتهام والتخوين.
إن اتهام جنبلاط بأنه اجهض مبادرة عون الرئاسية الاخيرة، هو اتهام لا يستند الى اي مبررات واقعية، كما ان إلصاق تحليلات غريبة على مواقف العماد عون، تجاوز للموضوعية في نقل الوقائع، اوساط الرجلان تؤكد انه لا يوجد اي جديد متوتر في علاقتهما، كما انه لا يوجد اي تقدم في سياق هذه العلاقة، فهي على ذات الوتيرة من التفهم والتفاهم اللذين يأخذان خصوصية كل منهما في الاعتبار.
مبادرة العماد عون في استعداده للنزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، اذا ما انحصرت المنافسة بينه وبين الدكتور سمير جعجع ليست موجهة ضد جنبلاط، كما ان مبادرته السابقة لتعديل الدستور وانتخاب رئيس من الشعب مباشرة لم تكن كذلك، بالمقابل لا يبدو أن هاجس جنبلاط هو الحؤول دون وصول العماد عون الى رئاسة الجمهورية، على ما يحلوا لبعض المستفيدين استنتاجه، فهو اعترف لعون بحيثيته التمثيلية، واكد من الرابية على التمسك بتأييد ترشيح النائب هنري حلو.
مبادرة العماد ميشال عون الاخيرة في طلب حصر الترشيحات للرئاسة فيه وفي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لحضور جلسات الانتخاب التي يقاطعها على مدى 18 دعوة، منذ مايو الماضي، تعتبر تقدما ملحوظا، لأن ما سبقها من مواقف كانت تحمل اصرارا على احقيته بتولي الرئاسة، كونه يترأس أكبر كتلة نيابية مسيحية، وبالتالي كان يرفض الاعتراف لغيره بحق تولي المنصب، بما في ذلك للدكتور سمير جعجع، وبطبيعة الحال للمرشحين الاقوياء الاخرين، وعلى وجه الخصوص الرئيس امين الجميل ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية.
إلا ان مبادرة الجنرال عون بحصر المنافسة بينه وبين جعجع، اصطدمت بمعوقات قانونية قبل ان تصطدم بمعوقات سياسية، فالمادة 49 من الدستور التي تتحدث عن كيفية انتخاب رئيس الجمهورية، لا تلحظ اي كلمة عن الترشيحات للرئاسة، بل هي تنص على انتخاب الرئيس بأغلبية الثلثين من النواب في الدورة الأولى، والنصف زائد واحد هي الدورة الثانية، من بين الذين تتوافر فيهم المؤهلات للترشيح للنيابة، وبالتالي فالنواب غير مقيدين قانونا بانتخاب أحد المرشحين، ولهم حق اختيار اي كان، لاسيما ان عملية الاقتراع سرية، وتجري بواسطة ورقة مطوية يضعها النائب في صندوق الاقتراع، هذا الامر يفقد مبادرة عون مضمونها القانوني ويسحب اي ضمانات يريدها الجنرال، بصرف النظر عن تأكيد جنبلاط التمسك بتأييد هنري حلو، أو عدم اعلان هذا التأكيد، فالقانون الدستوري لا يلزم اي من النواب بالاقتراع لمرشحين محددين، بل ان الأولوية في الاختيار هي للاعتبارات السياسية.
بعض الاوساط السياسية تبالغ في توصيف الواقع، وتلقي تبعات اجهاض مبادرات عون على جنبلاط وهذا غير صحيح، فالمطبات التي تعترض مسيرة عون نحو قصر بعبدا كبيرة جدا، منها مطبات من صنع داخلي محكم، ومنها مطبات لها تركيبتها الخارجية الواضحة، وهذا الامر ينطبق على غيره من المرشحين المعلنين، ما يغلب فرضية التوافق المتأخر على الرئيس العتيد، اكثر مما يعطي الفرص لمرشحي التحدي.
والتهديدات التي تسربها بعض المصادر المجهولة – المعلومة بقصد حشر النائب وليد جنبلاط، او بقصد التخويف، اذا لم يقترع من كتلته للعماد عون، تنتمي الى ذهنية مرحلة مر عليها الزمن، خصوصا ان هذه المصادر تنسب الى حزب الله بعض المعلومات، رغم ان تنظيم العلاقة بين جنبلاط وحزب الله مازال قائما بوثيرة واضحة، والاجتماعات بين الحزبين تجري على مستوى مناطقي، والاتفاق على تنظيم الخلاف فيما يتعلق بالاحداث في سورية لم يلغ من اجندة الطرفين، وحزب الله لم يطلب من جنبلاط اي شيء يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية.
عندما قرر جنبلاط اعتماد الوسطية في سياسته الداخلية، كانت تلك مقاربة تحمل خلفية التقارب مع اطراف قوى 8 آذار، ومنهم التيار الوطني الحر الذي يترأسه العماد عون، ومحاصرة الانقسام العمودي المخيف الذي عاشته البلاد آنذاك، وجنبلاط خرج في العام 2009 من الحلف الذي كان يجمعه مع قوى 14 آذار، وليس العكس، وبالتالي فلا يبدو ان جنبلاط لديه قرار بمخاصمة احد اهم اطراف قوى الثامن من آذار، اي العماد ميشال عون.
الاعتبارات الوسطية التي يستند اليها جنبلاط، لا تعني بأي حال من الاحوال تحوله الى جزء من المكونات السياسية الاخرى، ولا يعني الامر انه قابل للترويض سريعا والانخراط مع هذا أو ذاك من الاحلاف القائمة، ولا مخاصمتها في آن واحد، وهذا الامر ينطبق على خصوصية علاقاته الخارجية فهو من ناحية يحافظ على تواصله المميزة مع المسؤولين السعوديين، وعلى اتصالاته مع الدول الغربية، ولا يفرط بصداقاته مع العديد من القيادات في روسيا.
لا يبدو أن العلاقة بين العماد عون والنائب جنبلاط امام مقاربات جديدة، ولا هي تسير باتجاه التأزم.