أكتب هذا التحليل قبل ساعات من انتهاء المهلة الزمنية المحددة للتوصل الى اتفاق نهائي وشامل حول الملف النووي الايراني، والتي يبدو بأنها ستنتهي الى اعلان حصول اتفاق «مبدئي» او اتفاق اطار يعدد ما انجز من تقدّم لحل نقاط الخلاف «المستعصية»، ويحدد مهلة زمنية قصيرة (من شهر الى ثلاثة أشهر) لاستكمال البحث من اجل ايجاد مخارج تسمح بحلها او ايجاد ضوابط لها من خلال تطبيق برنامج صارم للرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كان سبق لي ان تحدثت في تحليل سابق عن امكانية ان تنتهي مفاوضات الساعات الاخيرة في فيينا بين وزراء خارجية الدول الكبرى الست ووزير خارجية ايران الى اتفاق اطار، يمكن استكماله، وذلك بالرغم من درجة الالحاح العالية التي يشعر بها كلاً من الجانبين الايراني والاميركي، حيث يسعى الاول الى اتفاق ينهي العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران دولياً واميركياً واوروبياً، في الوقت الذي يسعى فيه الثاني الى تقديم انجاز «تاريخي» للرئيس اوباما، يقطع فيه الطريق على الضغوط التي سيمارسها عليه الجمهوريون في الكونغرس بالاضافة الى «اللوبي» الصهيوني، كما يؤمن له مكاناً لائقاً في تاريخ الرؤساء الاميركيين بعد انتهاء ولايته.
سيعود الاميركيون والايرانيون الى بلادهم من فيينا مرهقين ومحبطين، فالاميركيون محبطون بعد سقوط كل رهاناتهم على تحقيق اتفاق شامل ودائم، يشكل انجازاً استراتيجياً للديبلوماسية الاميركية بقيادة الوزير جون كيري، وللرئيسي اوباما الذي راهن منذ بداية ولايته الاولى على التوصل مع ايران الىحل تفاوضي يفتح الباب امام علاقات تعاون بين البلدين بعد قطيعة متواصلة لفترة تزيد عن ثلاثة عقود ونصف.
والايرانيون ايضاً محبطون بسبب عدم نجاحهم في تحقيق اتفاق شامل يؤمن لهم إلغاء نظام العقوبات المطبق على بلادهم، وذلك لقاء تقديم تنازلات جزئية ومحدودة، دون التخلي عن اي جزء من الاجزاء الرئيسية لبرنامجهم النووي سواء في مجال تخصيب اليورانيوم او في مجال تشغيل مفاعل «أراك» بالماء الثقيل، والحفاظ على قدرته لانتاج مادة البلوتونيوم، التي يمكن استعمالها لصنع القنبلة النووية.
يبدو من خلال المعلومات التي رشحت من اجتماعات فيينا حتى كتابة هذا التحليل، بأن هناك رغبة لدى جميع المشاركين في المفاوضات في عدم اعلان فشل كل الجهود المضنية التي بذلوها خلال السنوات الماضية. في المقابل لا يرغب الجانب الايراني ان يعود الى بلاده بخفي حنين، لان ذلك سيكون بمثابة انتكاسة كبرى للتيار الاصلاحي بقيادة الرئيس حسن روحاني، والذي راهن على المفاوضات كمدخل لرفع نظام العقوبات بشكل سريع وكامل، ولاعادة ايران كبلد جاذب للاستثمارات الاوروبية والدولية، والتي باتت بأمسّ الحاجة اليها.
يجري الحديث الآن عن توقيع اتفاق اطار يعدد النقاط التي جرى التوافق على حلّها، ويعدّد نقاط الخلاف التي تستدعي المزيد من الوقت لايجاد المخارج اللازمة لها، وذلك ضمن مهلة زمنية قصيرة قد تمتد لشهر او ثلاثة أشهر كحد أقصى.
وهنا لا بدّ من الاشارة الى حاجة الفريقين الاميركي والايراني الى تسريع الخطى في المفاوضات لانجاز اتفاق دائم قبل انعقاد الكونغرس الجديد الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وفي جعبتهم مشاريع قوانين جديدة لفرض عقوبات جديدة ضد ايران. يبقى البديل الوحيد لتوقيع الاتفاق الاطار في اعلان المجتمعين عن انتهاء الفترة الممددة للتفاوض دون الحديث ان اية انجازات لتبرير الفشل على أن يكون هناك اتفاق معلن على استكمال المفاوضات وتسريعها.
السؤال الاساسي المطروح يبقى مركزاً على كيفية تلقي اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة لنتائج اجتماعات فيينا، مع اصرار الولايات المتحدة لاستكمال وتسريع المفاوضات لانجاز اتفاق نهائي شامل؟
منذ بداية هذه المرحلة التفاوضية الراهنة، ومنذ بداية العام الماضي كان حلفاء اميركا قد عبّروا عن شكوكهم في الاهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها مع طهران، مع امكانية ان يكون ذلك على حساب مصالحهم، وعلى دور ايراني اوسع في الدول العربية والاسلامية في المنطقة. شعرت بعض الدول، وخصوصاً دول الخليج بأنه سيترتب على هذه المفاوضات الاميركية – الايرانية نتائج تؤثر على نفوذهم وأمنهم. وعبّر قادة هذه الدول في مناسبات مختلفة عن هواجسهم حول التقارب الاميركي – الايراني، وخصوصاً في ظل التطورات الدراماتيكية التي بدأت تظهر في عدد من الدول العربية، وفي ظل الدور الايراني المتنامي في هذه الدول، وخصوصاً في العراق وسوريا ولبنان.
شكل ظهور الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام، واحتلالها لمناطق واسعة في سوريا والعراق خطراً شاملاً بالنسبة للولايات المتحدة ولايران وللدول العربية والاسلامية في الشرق الاوسط. وبالرغم من مشاركة المملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية والعربية في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والذي بدأ بشن حملة عسكرية لاحتواء «داعش» الا ان الرغبة المعلنة من قبل الاميركيين والايرانيين، وخصوصاً الرسالة الخاصة التي بعث بها الرئيس اوباما الى المرشد علي خامنئي، قد زادت من حجم الشكوك التي تخالج الدول العربية والاسلامية في المنطقة، والتي بدأت تترك آثارها على التحالف العسكري، كما ننذر في حصول فجوة في العلاقات السياسية بين واشنطن والرياض، وعواصم عربية أخرى.
يضاف الى الشكوك التي أثارتها المفاوضات والاتصالات الحثيثة الجارية بين واشنطن وطهران، في اطار المفاوضات النووية، ومن خلال الرسائل السرّية، موقف الادارة الاميركية وخصوصاً الرئيس اوباما من الازمة السورية المتفاقمة. تثير مواقف اوباما سخط تركيا وعدد من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والتي وقفت منذ البداية الى جانب الشعب السوري في انتفاضته ضد نظام الرئيس بشار الاسد، والذي يرتبط بتحالف قوي مع ايران، وذلك على حساب علاقات سوريا بالدول العربية. وكانت كل من المملكة العربية السعودية وتركيا قد عبرتا عن مخاوفها من امكانية حصول تفاهم اميركي – ايراني للابقاء على الرئيس الأسد كجزء من الحل في اية عملية سياسية مستقبلية.
اما في الشأن النووي فان الرياض تنظر الى ان اي اتفاق تبرمه الولايات المتحدة والقوى الدولية الاخرى مع ايران سيبقي لهذه الاخيرة قاعدة علمية وبنى تحتية تمكّنها من امتلاك كامل دورة التكنولوجيا النووية، وبما يضعها على مسار صنع القنبلة النووية، سيدفع احتمال حصول ذلك المملكة العربية السعودية الى السعي الحثيث لامتلاك قدرات نووية توازي القدرات الايرانية، ومن المعروف بأن المملكة تمتلك الامكانات لفعل ذلك كما تربطها علاقات وثيقة بعدد من الدول التي تمتلك التكنولوجيا النووية وخصوصا باكستان، والتي يمكن ان تقدّم للسعودية المساعدة الضرورية لبناء برنامجها النووي بالسرعة اللازمة، من اجل تصحيح موازين القوى مع ايران.
لا بدّ من ان تشعر الولايات المتحدة بضرورة تبديل مواقفها تجاه النظام السوري من جهة، وان تعطي الضمانات والتطمينات اللازمة على ان اي اتفاق نووي توقعه مع ايران لن يكون على حساب حلفاء اميركا في المنطقة، وبأنه لن يدفع باتجاه حدوث سباق نووي في منطقة الشرق الاوسط. يتخذ بحث العلاقات الاميركية مع ايران في حال التوصل الى اتفاق نووي شامل ودائم بعداً استراتيجياً، وسيكون له ارتداداته على مستوى مختلف دول الشرق الاوسط، ولا يتسع هذا التحليل لاستكماله وسأعود اليه لاحقاً.
ستكون من نتائج فشل اجتماعات فيينا للتوصل الى اتفاق شامل حول البرنامج النووي الايراني، تأجيل البحث بين واشنطن وطهران لاشراك ايران كلاعب اساسي في ازمات المنطقة، وخصوصاً في العراق وسوريا، كما ان تأجيل الاتفاق هو اعلان لعدم حصول اي تبدّل في طبيعة العلاقات الاميركية – الايرانية، مع امكانية ان يقوم الكونغرس مع بداية دورته في عام 2015 بتشديد العقوبات المفروضة على ايران، وان ذلك سيزيد من تعقيدات الموقف بما يهدد مستقبل العملية التفاوضية برمتها.
سي أن أن: تحذير بايدن من النووي الروسي لم يبن على معلومات استخبارية
قال العديد من المسؤولين الأميركيين لشبكة CNN إنّ "تحذير الرئيس جو بايدن ليلة الخميس من أن العالم يواجه أعلى احتمال...