دركي واحد على كل مدخل، “سكانرات” التفتيش لا تعمل جميعها، عناصر الأمن العام قليلون جداً… أكثر من علّة لا تزال تسبّب خللاً في مطار رفيق الحريري الدولي. مشاكل قديمة، تتجدّد سنوياً في فترات الأعياد والعطل ومواسم الحج، فتأتي الأزمة السورية لـ”تزيد الطين بلّة” ولتسلّط الضوء أكثر على الفوضى الموسمية المعتادة في المطار، وعلى فشل الدولة اللبنانية الذي ينعكس أزمات طويلة الأمد على حساب معاناة المواطنين. فحتى إذا قرّر اللبناني الهروب من بلدٍ تتفشى فيه الفوضى كمرضٍ خبيث يقضي على كل ما يسمى حقوق، فهو مضطر لأن “يكفر بالعبراني” قبل الرحيل عن دولةٍ ليس بوسعها إلا إصدار بيانات قديمة تعيد صياغتها وتعميمها.
أشارت رئاسة مطار بيروت الدولي في بيانٍ لها، إلى أنه نسبةً إلى الازدحام الذي يشهده المطار، وخصوصاً في قاعة المغادرة “يُطلب من جميع الركاب المسافرين عبر المطار الحضور قبل ثلاث ساعات على الأقل من موعد سفرهم وإقلاع الطائرة، تسهيلاً لسفرهم ومنعاً للتسبب بأي تأخير نتيجة هذا الازدحام”. هذا البيان الذي تناقلته وسائل الإعلام اللبناني وتلقّفه بعض المواطنين باستغراب، ليس بجديد، فقد تم تعميمه سابقاً في 5 كانون الأول من العام2013. واليوم رأت الإدارة ضرورة إعادة تعميمه نظراً لتجدد الفوضى التي أدّت للازدحام الذي يشهده المطار خلال هذه الأيام.
أسباب الفوضى
تفيد مصادر موثوقة من داخل مطار رفيق الحريري لـ”صدى البلد” بأن هذه الفوضى التي يشهدها المطار اليوم ليست جديدة، ومشهد الازدحام هذا ليس مُستغربا بالنسبة لهم، فهو يتكرّر سنوياً في الأعياد والعطل الصيفية ومواسم الحج. وتتلخّص أسبابه الرئيسية عبر مجموعةٍ من النقاط:
أولاً: أسهمت الأزمة السورية بزيادة الازدحام بنسبة تتجاوز الخمسين بالمئة، حيث بات كل من كان يسافر عبر مطار دمشق الدولي يسافر اليوم عبر مطار رفيق الحريري، بغض النظر عن النازحين وغيرهم الذين يسافرون من وإلى سورية عبر مطار بيروت الدولي نسبةً للأوضاع السيئة الذي يشهدها البرّ السوري.
ثانياً: الوضع الأمني المهزوز الذي يعيشه لبنان، الأمر الذي يؤدّي إلى التشدد الأمني من ناحية التفتيش ومراقبة الأمتعة والأوراق الثبوتية وغيرها. وتتفرّع من هذه المشكلة عدّة مشاكل منها، أن هناك عنصر قوى أمن داخلي “دركي” واحد على كل مدخل يقوم بـ”التشييك” على جوازات السفر. وأجهزة التفتيش “سكانر” الستة الموزعة ثلاثة على كل جهة من المطار شرقاً وغرباً، لا يتم استعمال إلا واحدة من أصل ثلاث في كل جهة رغم الازدحام إلا نادراً يتم استعمال اثنتين. بالإضافة إلى عدد عناصر الأمن العام الذين يقومون بـ”تختيم الباسبورات” القليل جداً بالنسبة لأعداد المسافرين الهائل الذي يكون سنوياً في مثل هذا الوقت.
ثالثاً: ولشركات الطيران أيضاً نصيبها في التسبّب بالزحمة، فشركات الطيران المدني عندما يكون عدد ركّابها يفوق العادة لا تقوم بزيادة عدد “الكونتوارات” لتستوعب أكبر عدد من المسافرين.
الحق عالدولة
يروي أحد العمال من داخل مطار بيروت لـ”البلد” ما حصل منذ يومين داخل غرفة المغادرة، حيث اضطر عناصر “الكونتوارات” لمناداة المسافرين باسمائهم والطلب من عناصر الأمن الداخلي تمريرهم بسبب حلول مواعيد إقلاع طائراتهم، في الوقت الذي اضطر بعض المسافرين إلى إلغاء رحلاتهم بعد إتلاف تذاكر السفر المدفوعة سلفاً.
ولموقف السيارات الخاص بالمطار “قصّةٌ بحد ذاته”، يقول أحمد شقيق أحد المسافرين عبر مطار بيروت “موقف السيارات لا يتّسع إلا لعشرين سيارة، ما يتسبّب بزحمة. وإذا أردت الذهاب إلى المطار لجلب عائدٍ من السفر وقمت بركن سيارتك على جانب الطريق يقوم عناصر الأمن بملاحقتك، لتضطر للنزول إلى موقف السيارات التابع لشركات خاصة ودفع 6000 ليرة مقابل دقيقة أو دقيقتين”. وبحسب أحمد فقد يكون عناصر الأمن متفقين مع أصحاب تلك المواقف من أجل الحصول على نسبة من الأرباح.
أما أحد الأشخاص الذي ألغيت رحلاته بسبب الفوضى فيقول “حتى عندما يقرر اللبناني الهروب من القرف الذي يعيشه في هذا البلد (بيضطر يكفر بالعبراني) ويدفع الثمن غالياً ليس فقط من جيبه بل من أعصابه أيضاً”.
الحق عالمواطن
حملت “البلد” هذه العوامل والإمتعاضات من العمّال والمواطنين على حدٍّ سواء إلى مصدر رسمي في مطار بيروت الدولي، الذي ألقى بدوره المسؤولية الأولى والأخيرة على المسافرين أنفسهم الذين “يتأخرون في المجيء إلى المطار، في الوقت الذي يحتاج فيه المسافر أقلّه إلى ساعتين في الأحوال العادية وثلاث ساعات في أيام الازدحام قبل موعد إقلاع الطائرة ليتمكن من إنزال حقائبه وتوديع أهله ويخضع للتفتيش وتخليص معاملاته وأوراقه الثبوتية”.
ونفى المصدر لـ”البلد” بأن تكون أجهزة التفتيش “سكانر” الستّة لا تُستعمل جميعها في أيام الازدحام، مؤكدّاً أن “أمن المطار لديه العديد الكافي من الجيش اللبناني والقوى الأمنية، ولكن كل ما في الأمر هو زيادة التدابير الأمنية المتخذة نسبةً للظروف القائمة”. ويؤكد المصدر نفسه أن هذه الزحمة طبيعية جداً في الفترة الممتدة بين 15 آب و5 أيلول، حيث يبلغ عدد المسافرين الـ15 ألفا أو 17 ألف مسافر يومياً، بسبب مغادرة المصطافين الذين أمضوا عطلتهم الصيفية في لبنان، وهذا دليل عافية وخير. دون أن يرى أن للأزمة السورية أو العراقية أي تأثير على الازدحام الحاصل، ويقتصر تأثيرها على زيادة عدد المغادرين بنسبة لا تتجاوز الحدود الطبيعية.
بلد الفوضى
إذا هذه الفوضى ليست مستهجنة لا بالنسبة للمسافرين ولا للمسؤولين ولا للمتابعين بشكل عام، فهي أمر طبيعي في بلد الفوضى لبنان. أما استمرارها وعدم قيام الجهات المعنية بالبحث عن حلول جذرية لها رغم تكرارها سنوياً، هو المُستهجن في مؤسسة بحجم مطار بيروت الدولي. فوحدها “الشنططة” تلاحق اللبناني في بلده حتى في لحظات الهروب الأخيرة، ووحده “الإنكار” سبيلاً للهروب لدى المسؤولين عندما تواجههم بالمشكلات التي لا يقع تحمّل مسؤولية أسبابها إلا عليهم ولا تقع نتائجها إلا على المواطن وعلى حساب راحته.