أولئك الذي يحاولون توسيع هوة الخلاف، لمحاولة تأجيج صراع مفتعل بين السعودية والكويت، عند كل شاردة وواردة.
كان آخرها الخلاف الفني الإجرائي، البعيد كل البعد عن الجوانب السياسية، يحدث عادة بين كل الدول، لا يدركون خطورة هذا الاتجاه عل? المنطقة برمتها. لن ألقي بتبعات تأجيج هذه الخلاف عل? بعض الأجنحة الكويتية الموالية لإيران كما يفعل بعضهم، بل سأتوقف قليلاً عند نقطة جديرة بالاهتمام، وعلى قدر كبير من الحساسية، تتمثل في أن ما بيننا وبين الكويت أبعد من المصير المشترك، فعدا مآثر كل دولة على الأخرى، والمدونة في سجل التاريخ، فهناك الدروس التي يجب ألا تمحى من الذاكرة في حال رخاء واسترخاء، إلا أن الضغينة وحدها -ولا غيرها- تدفع بعضهم لاصطياد في الماء العكر، وتفتيت هذه اللُّحمة بين البلدين؛ من أجل مآرب ذات مرجعيات خاصة.
فالكويتيون المخلصون لبلدهم من أشقاء وأبناء عمومة لن يشطبوا ما جرّته الخلافات السابقة علينا جميعاً. سأسأل أولئك المتشككين والمشكِّكين في عمق هذه العلاقات، أولئك الذين راحوا يحفرون في عمق الماضي، والتفتيش في سجل التاريخ عما طواه الزمن وانتهى بالاتفاقات والتراضي بين الطرفين، هل ما زال يتسرب إليكم أدنى شك في نوايا السعودية وحرصها على الحفاظ على هذا البناء الخليجي وحمايته من التصدع، وحمايته من أدنى محاولة اختراق مبعثها، جهات مشبوهة تسعى لتقويضه؟
هل نسيتم أيها الحكماء هكذا ببساطة ما تحملته السعودية من مخاطر وأعباء مالية كبيرة من أجل تحرير الكويت بلا من أو معايرة؟ لأنه حق ثابت عرفا وشرعا للجار عل? جارة، ثم بعد كل ذلك يجيء اليوم لنقرأ ما تسطره بعض الأقلام الكويتية الهوجاء الغبية مع شديد الأسف، تنحي باللائمة على السعودية، وتشكك في أهدافها، وترميها بألفاظ نابية، متهمة إياها بأنها تريد خلخلة الاقتصاد الكويتي بإغلاق حقل الزور، الذي أعلن أنه قد تم إغلاقه لدواعي الصيانة وحماية البيئة، ليست هذه المشكلة فحسب، بل عن المتصيدين في الماء العكر، سيجدون مناحة تلائم أساليب اللطم وضرب الصدور بما يكفي؛ لتشييد المآتم على ما آلت إليه دول الخليج، ممثلة في مجلس التعاون الخليجي من خلاقات، ولنقل اختلافات كان من حقها واللائق بها أن تظل حبيسة الدائر الرسمية الخاصة، لا أن تنفخ بالوهم لإحداث هذه البلبلة، بغية الوصول إلى حال من الفرقة والتشتت، ساعين بذلك إلى إيهام الشعوب الخليجية بأن ساعة انفراط عقد مجلس التعاون قد حانت، وأنها على مرمى قريب جداً من التفكك، فقد لا تحتاج إلا إلى ركلة واحدة لتسديد هذا الهدف الحاسم، فمن برأيكم لديه مصلحة في ركل هذه الكرة.
طبعاً هو من خلقها وأوهم شعوب دول الخليج بذلك، ليصفو له الجو لاختراقها على حدة، طبعاً هذا لا ينفي وجود خلافات كان من حقها ألا تطفو فوق السطح، لن تصل بأي حال إلى حد القطيعة الكاملة، فثمة خطوط عودة لا يمكن أن تغلق لأي سبب من الأسباب، لاعتبارات عدة من أهمها: التقارب الجغرافي والتشابه السياسي، وإن اختلفت وجهات النظر أحياناً، والتماثل الثقافي المبني على قيم يجسدها الدين والعادات والتقاليد والانصهار العرقي، بما تمثله القبائل العربية من ثقل مؤثر بطرق مباشرة وغير مباشرة على سياساتها، ثم تأتي الاعتبارات الأمنية، حتى وإن ادعت بعض دول الخليج قدرتها على حماية نفسها، فقد يصدق ذلك على المهدد الخارجي لا الداخلي، ويعد البحرين نموذجاً حياً على ذلك.
كل هذه تمكن دول الخليج من الصمود، على رغم وصول مجلس التعاون الخليجي إلى الحد الأدنى من التعاون، كما وصفه أستاذ العلوم السياسة الدكتور عبدالخالق عبدالله في حلقة النقاش التي عقدتها أمانة مجلس التعاون الخليجي نهاية الشهر الماضي بعنوان: «سبل تعزيز مسيرة مجلس التعاون»، مشيراً إلى أن ما وصل إليه مجلس التعاون الخليجي عقب 33 عاماً لا يكاد يمثل سوى الحد الأدنى من التطلعات، على رغم الإنجازات التي تحققت.
المزعج جداً -وهو ما عبّر عنه المتحدث العماني، خلال حلقة النقاش التي تحلت بقدر كبير من الشفافية- حينما أبدى بعض المخاوف والشكوك، التي تنتاب بعض دول الخليج من الكينونة السعودية واتجاهاتها السياسية، التي تتوخى حماية الخليج العربي من لوثة ما يسمى «الربيع العربي»، وصيانتها من الأطماع الإيرانية في المنطقة، واتجاهاتها التوسعية الأخيرة، ولا أدري حقيقة هذا السحر الغريب، والتأثير القوي الإيراني في الدول التي تعقد معها عرى الصداقة والمصالح المشتركة، ولاسيما متى كان الأمر متعلقاً بدول الخليج، وعلى الخصوص المملكة.
ولن يهدأ لها بال، حتى تسحب دول الخليج، واحدة تلو الأخرى، من أجل تحقيق مآربها، وتطويق السعودية من كل جانب، وهذا ما دفع بها إلى تحقيق حلمها القديم، من أجل المصالحة مع من كانت تنعتها بالشيطان الأكبر (أميركا)، إمعاناً في وضع ثقلها كاملاً في المنطقة.
يذكر لنا الباحث الإيراني بتريتا بارزي في كتابة الموسوم بـ«إيران والمجتمع الدولي»، الأدوار الخفية التي تقوم بها إيران، والخدمات الكبيرة التي يقوم بها ملالي إيران، طلبا للود الأميركي، إذ ساعدوا مادياً، وبشكل مباشر لإسقاط نظام طالبان، وإقامة حكومة أفغانية، إذ قدموا قواعد جوية للأميركيين، كما أرسلوا بعثات بحث لإنقاذ الطيارين الأميركيين، كما أقاموا جسراً بين تحالف الشمال والولايات الأميركية في الحملة ضد طالبان، وهذا ليس عيباً في الأعراف الدولية، متى تم بطريقة واضحة وصريحة، بل العيب ادعاء غير ذلك، ففي الخفاء تقوم إيران بأدوار أخرى مشبوهة، وفي العلن تتمظهر بصورة الملاك الحارس. بالله كيف يمكن أن تتعامل مع سياسة كل أعمالها تؤدى في الخفاء؟ فهل يعي حكماء الخليج ذلك. كي لا يستخفنهم الشيطان.