انتهت الوساطة القطرية في ملفّ العسكريين المختطفين، من دون أن يتم حسم المفاوض البديل، مع عودة خجولة لـ«هيئة علماء المسلمين» ، واقتراح رئيس اتحاد العشائر العربية جاسم العسكر نفسه وسيطاً. بدوره، ضيق الجيش الخناق على طرق تهريب الإرهابيين، بين عرسال وجرودها
بعد شهرين من الانتظار، فشلت الوساطة القطرية في ملفّ العسكريين المختطفين وموفدها السوري أحمد الخطيب، مع إعلان وزارة الخارجية القطرية انتهاء الوساطة رسمياً، واستشهاد الدركي علي البزال على أيدي الإرهابيين في جرود عرسال. انتهى آخر فصول وساطة الخطيب، الذي يُعَد أبرز إنجازاته تسلُّم نسخ ناقصة عن اللوائح الاسمية للسجناء الذين يطلب الإرهابيون مبادلتهم مع العسكريين، بتسلمّه ابنة شقيق أمين السر الخاص في الديوان الأميري القطري أبو خليفة العطية المقيمة في سوريا، و«هذا وجه الضيف»!
ما البديل إذاً؟ حتى الآن، لا يبدو أن شيئاً قد حُسم في ظلّ استمرار أجواء الانقسام التي سادت اجتماع خليّة الأزمة يوم السبت، والتباين في وجهات النظر بشأن كيفية تعاطي الدولة مع الملفّ، وتجميع أوراق القوّة للتفاوض، أو هدرها. علماً بأنه يجري الحديث عن حصر الوساطة بالقنوات الأمنية المباشرة بسرية تامة.
الجديد أمس، هو عودة «هيئة علماء المسلمين» إلى الواجهة بـ«خجل»، بعد أن كانت قد غسلت يديها من الوساطة سابقاً، بسبب «التخوين وعدم منحها أوراق للتفاوض» برأي أعضائها، وبسبب «التباس دورها» بحسب أطراف في الحكومة. ومن المقرّر اليوم، أن يجول أعضاء المجلس الإداري في الهيئة على عدد من الشخصيات الأمنية والسياسية، ويتوقع بعض أعضائها المتشائمين أن «أحداً من أطراف السياسة لن يمنح الهيئة فرصة للعب هذا الدور»، فضلاً عن موقف كلٍّ من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» الرافض لوساطة الهيئة، بوصفها «هيئة عملاء لا علماء»، بحسب تعبير المتشددين من هذين التنظيمين. وعلمت «الأخبار» أنّ وفد الهيئة سيزور كلاً من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ووزير العدل أشرف ريفي، وعدداً من الشخصيات، من دون سقف عالٍ من التوقعات.
وهكذا، تبدو رحلة البحث عن مفاوض جديد، أكثر جدوى. إذ أشارت مصادر الهيئة، إلى أن «رئيس اتحاد العشائر العربية جاسم العسكر، يطرح نفسه وسيطاً لخوض المفاوضات لإطلاق سراح العسكريين، علماً بأن العسكر كان قد التقى أمير النصرة في جرود عرسال، عارضاً عليه الدخول وسيطاً، فلم يبد الأخير أي اعتراض».
وفي السياق، ترى مصادر عرسالية مطّلعة على مسار المفاوضات أن «سوء إدارة خلية الأزمة حال دون تحرير العسكريين»، مشيرة إلى أنّه «منذ المراحل الأولى كان هناك تخبّط واضح بين موافق على المفاوضات ورافض لها»، فيما تشير مصادر وزارية إلى أن «أحداً في الحكومة لم يعارض المفاوضات». ورأت المصادر العرسالية أن «كل فريق من القوى السياسية التي دخلت على خط التفاوض كان يغنّي على ليلاه»، فاعتبرت أن الأمثلة على ذلك هي: «دور النائب جمال الجراح الذي كان على تواصل مباشر مع قائد الدولة الإسلامية في القلمون أبو طلال الحمد (كان يستخدم برنامج «فايبر» للاتصالات على الهواتف الذكية)، وكان يشدد للوسطاء السوريين واللبنانيين على ضرورة العمل لإخراج الدركي المحتجز جورج خوري، ولكن محاولاته باءت بالفشل».
كذلك الأمر مع وزير الصحة وائل أبو فاعور الذي اعتبرت المصادر أنه سلك نفس المسلك بقولها: «أبو فاعور كان يتواصل مباشرة مع الشيخ مصطفى الحجيري للضغط من أجل عدم قتل أي أسير، وهو كان يضغط على الحكومة للقبول بفتح ممرات آمنة لإدخال الجرحى»، مشيرة إلى أن الأخير توسط لدفع أموال لـ«داعش» لإرجاء قتل العسكريين. كذلك اعتبرت المصادر أن «الموفد القطري لم يقدم أي خدمة للحكومة اللبنانية، بل على العكس سبّب رفع سقف مطالب الخاطفين»، وهذا الأمر تؤكّده مصادر وزارية في خليّة الأزمة. وأشارت المصادر العرسالية إلى أن مرحلة المفاوضات اليوم باتت أصعب بأشواط، وأن «ملف العسكريين لدى جبهة النصرة أصبح مباشرة بيد أبو محمد الجولاني بعد خروجه من يد أمير النصرة في القلمون أبو مالك التلي». وكذلك الأمر مع تنظيم «داعش»، الذي سُحب الملف من يدي أبو طلال الحمد ليتولاه الأمير المعيّن حديثاً أبو عبد السلام الأردني، بتنسيق مباشر مع القيادة المركزية للتنظيم.
الجيش يشدد الحصار على الجرود
من جهة ثانية، استكمل الجيش اللبناني تعزيز إجراءاته وقطع الطرقات التي تربط عرسال بجرودها، بهدف سدّ غالبية المنافذ على الإرهابيين ومنع وصول المساعدات والوقود إلى الجرود. وكان الرئيس نبيه برّي قد لفت الأسبوع الماضي إلى أن «بعض الإمدادات لا تزال تصل إلى المسلحين في الجرود»، وكذلك فعل أكثر من وزير. وأشارت مصادر أمنية وأهلية لـ«الأخبار» إلى أن الجيش قطع بالسواتر الترابية بشكل كامل معابر أساسية إلى الجرود، وهي وادي الرعيان، الحصن، وعقبة الجرد ــ وادي عطا، وسط إنذارات باعتبار أية تحركات على تلك الطرق بمثابة «تحركات عدائية ستتعرض للاستهداف بالأسلحة المناسبة»، بعد سلسلة استهدافات للجيش ووقوع شهداء. واكتفى الجيش بإقفال المعابر من الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية، فيما ترك معبري وادي حميد والمصيدة مفتوحين أمام أبناء البلدة للتوجه إلى مقالع الحجارة في الجرود، مع الإبقاء على الحواجز عليها من أجل ضبط حركة الدخول والخروج منها. وأكد مسؤول أمني أن هذين المعبرين «يخضعان للمراقبة من عدة نقاط للجيش مطلة عليهما، ويمكن كشف التحركات عليهما بسهولة واستهدافها، على عكس المعابر التي أقفلت والتي تشهد دائماً كمائن وعبوات ناسفة». بدورها، ردّت «النصرة» على إجراءات الجيش في تعليق على موقع تويتر بالقول: «يبدو أن قرارات خلية الأزمة التي تزعم أن هدفها هو إنقاذ حياة العسكريين، بدأت تأخذ منحى قد يودي بحياتهم بسبب هيبة الدولة المزعومة». وعلمت «الأخبار» من مصادر أمنية أن الإرهابيين عملوا على تحريض بعض الأهالي في بلدة عرسال عبر مكبرات الصوت في المساجد للتظاهر عند التاسعة من صباح اليوم ضد الإجراءات.
وفي عرسال أيضاً، انفجرت عبوة ناسفة زرعت في سيارة المدعو حسن عز الدين الملقب «بالمكحل»، وهو مطلوب مع شقيقَيْه خ. وج. للقضاء بتهم منها التهريب وإيصال السلاح إلى الإرهابيين بالجرود، وأصيب عز الدين بجروح، نقل على أثرها إلى أحد المستشفيات الميدانية للمعالجة.
وبعض الظهر قصف الجيش عدة مواقع للمسلحين في الجرود، وتعرّضت الجرود ليلاً لقصف من قبل المدفعية والطيران السوري، وأفيد عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح اثنين بعد إصابة منزل محمد الحجيري في وادي عجرم على أطراف عرسال بقصف جوي.