عدنا كما كنا دائما كثبان بشرية على غرار الكثبان الرملية في مهب الريح. اما الى اين تذرونا الريح فالله اعلم…
كأي بدوي تائه نتقيأ المال مثلما نتقيأ الدم. لا جديد سوى ان نقطع رؤوس بعضنا البعض. هذه فرصة ذهبية لكي يقول المعلق في «الواشنطن بوست» روجر كوهين «ان العرب يقطعون رأس الشرق الاوسط».
حتما لن يجد الاميركيون امة (وهنا لا فارق بين الامّة و الأَمَة) اكثر سذاجة منا، اكثر غريزية منا، اكثر ضياعاً منا. كانوا يعلمون ان ذلك الوحش (الوحش الايديولوجي) يترعرع في دورتنا الدموية. كل ما فعلوه انهم لم يحاولوا مساعدتنا على الدخول في لعبة الزمن، بل برمجوا الوحش الى اللحظة التي تدق فيها ساعة الانفجار…
قلنا غابة الغيبوبة، بل انها غابة الغباء. هذا الواقع العربي الذي لا ندري الى متى يرقص على ارصفة جهنم. لا يعنينا النظام ولا تعنينا المعارضة في سوريا، ولكن هل يصل بنا التواطؤ، ويصل بنا التردي، وتصل بنا الهمجية حد الانخراط في ذلك السيناريو الذي يقضي بتدريب آلاف السوريين المعتدلين (لاحظوا بلاهة المصطلح) لكي يقاتلوا النظام وصولا الى توازن القوى الذي يفسح في المجال امام مفاوضات تفضي الى اقامة نظام بديل، بالاحرى نظام مركب هناك…
ماذا تبقى من النظام وماذا تبقى من المعارضة لكي يكون هناك توازن القوى الا اذا كنا نقصد «توازن القبور». لا شيء سوى القبور في سوريا. أليس هذا تحديدا ما يرمي اليه جو بايدن الذي يحاول ان يعقد صفقة سرية مع اللوبي اليهودي لخلافة باراك اوباما في البيت الابيض، وما يرمي اليه بنيامين نتنياهو وبينهما، بطبيعة الحال، رجب طيب اردوغان. من لا يعرف، وهنا نرفع صوتنا ليصل الى اقاصي الارض، ان استمرار الصراع في سوريا، وبتلك التعبئة المذهبية التي لم يعرفها هذا البلد في يوم من الايام، يعني ان «داعش» لن يبقى وحسب، بل انه سيتمدد اخطبوطيا اكثر فأكثر، وان وحوشا اخرى ستخرج من باطن الارض، او من الشقوق التي في الجدران (جدران الغيب) او من تحت ثيابنا؟
الاميركيون يعرفون ذلك. الاوروبيون ايضا. الخيار العسكري في سوريا يعني زوال سوريا من الخريطة. ألا تكفي كل تلك المعارك، وكل تلك المدن والقرى والمصانع و الاسواق و المزارع و الجامعات المدمرة، لكي ندرك انه لا النظام يستطيع ان ينتصر ولا المعارضة تستطيع ان تنتصر. الاثنان امام الخواء، ولا نتصور انهما بحاجة، ايها السيد هيثم المالح بتكشيرتك التي هي تكشيرة الذئب العجوز، الى جثث اضافية لكي يجلسا الى الطاولة، ليس من اجل ترميم العدم بل من اجل ترميم التراب الذي تبعثر ايضا، وتبعثر السوريون، وتبعثر العرب معه…
ما اتفق عليه الاميركيون الذين تسكنهم قعقعة المصالح مع العرب الذين تسكنهم قعقعة الغرائز هو دفع سوريا الى ما دعاه الفرنسي باسكال بونيفاس «حفل عشاء مع…العدم»، فهل تتحمل سوريا، والخراب يراقص الخراب، ثلاث سنوات اخرى لتدريب «الثوار»، ثم تزيدهم بأسلحة نوعية، لكي يفرضوا انفسهم على الارض و يرغموا النظام على ان يرفع الرايات البيضاء و يفاوض؟
ليس تنظيم الدولة الاسلامية حالة عابرة، كما قال هنري كيسنجر وعقبنا على ذلك في مقالة سابقة، بل هو يندرج في السياق الايديولوجي، والتاريخي، والسياسي، والسيكولوجي، لبنيتنا الفلسفية والسوسيولوجية على السواء، والا كيف يمكن لاطباء ومهندسين تخرجوا في ارقى الجامعات الغربية ان يقطعوا المسافات، كما يقطعوا اي علاقة مع الزمان ومع المكان، لينضووا تحت لواء «داعش» ويحزوا رقاب الضحايا؟
كنا تحدثنا عن حجر قايين الذي ظل يتدحرج عبر الازمنة حتى استقر في عقر دارنا. ما نشهده اشد بشاعة بكثير من حجر قايين. و لعلنا نسأل الله اذا كان لا يزال يسمعنا، واذا كان لا يزال يضعنا على لائحة الكائنات البشرية، لماذا لا تبعث لنا الآن، وليس غدا، ذاك المسيح الذي يصلب من اجلنا، ربما لانه لا احد يستطيع ان يغسل تلك الخطيئة التي تدعى العرب؟
لهذا كله يتعامل معنا الاميركيون على اننا مخلوقات شبه بشرية. وكالة الاستخبارات المركزية قالت ان عديد عناصر «داعش» ما بين 20 الفاً و30 الفاً وخمسمائة.
لاحظوا الخط الكاريكاتوري للارقام. لم تستطع الوكالة تحديد ما اذا كان الرقم 20 ألفاً ام 30 الفاً، لكنها حددت الحد الاقصى بـ 31500. لماذا لم تذكر 31504 مقاتلين مثلاً؟..
احيانا وسط هذا الركام نحتاج الى لحظات كوميدية (نحن المخلوقات الكوميدية عندما تكون الكوميديا بائسة الى هذا الحد). هل يغطي تنظيم الدولة الاسلامية تلك المنطقة من الرقة الى الموصل بعشرين الف مقاتل فقط؟
يا جماعة اننا سذج و لكن ليس الى هذا الحد، لكننا فعلا سذج اكثر من هذا الحد، والا كيف لنا ألا نعرف ان السيناريو (الجوي) يتوخى دفع مقاتلي
«داعش» من العراق الى سوريا لتكون المسرح الآخر والاخير للمقبرة؟ ألم يقل التركي جنكيز تشاندار «في نهاية المطاف يبدو ان الخلاف سوف يكون حول تقاسم الموتى».
… والا لماذا أقاموا ذلك المحور في وجه المحور الآخر، فهل تفعل الطائرات شيئا سوى انها تفضي الى تفعيل الازمات (ومعها الدموع)، بل الى تفعيل «داعش». حدث شيء مماثل في باكستان واليمن، والآن كل المشرق العربي سيكون بيد «داعش» اذا واصلوا لعبة المحاور. ابعد بكثير من الحرب الباردة. حرب إبادة سوريا وابادة العرب…
من زمان ونحن… العرب البائدة!!
لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟
كان الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي...