تعالوا نقرأ في اشكالية هذا الحزب، وفي خلفية نشأته، وفي بعده الديني، والوطني،
والنضالي، ولكن بتواضع علمي وبعقلانية منفتحة، دون خلفيات، أو أحقاد، أو مكابرة، أو
أحكام مسبقة.
“حزب الله“، ظاهرة مهمة في الاجتماع-السياسي، تشكلت مطلع
ثمانينيات القرن الماضي، وهي جديرة بالدرس والتحليل، ورغم حداثتها، فقد أصبحت رقماً
صعباً في توازنات الداخل ومعادلات الخارج، وأحدثت تغيرات، وتحولات بنيوية أساسية،
عجزت عنها جيوش العرب مجتمعة. والاهم أنها أصبحت كابوساً وقوة ردع ومصدر قلق دائم
وجدي للعدو الصهيوني، ولسائر الاعداء.
“حزب الله“، أدهش الجميع أعداء
وحلفاء، وقيل فيه الكثير، وكثرت حوله التساؤلات والاجتهادات، والفتاوى، وتباينت فيه
الآراء بين مؤيد، داعم، أومعارض، مناهض.
في البعد الديني- الايماني، نحن “حزب
الله” وقبل أن يبصر “حزب الله” اللبناني النور. نؤمن جميعاً أن الله واحد، ضابط
الكل، محب للكل، خالق السماوات والارض، به كان كل شيء، وهو القادر على كل شيء،
لذلك لم ولن يكون، حقاً حصرياً لانسان دون سواه، أو لفئة، أو دين، أو مذهب دون
غيره.
فالويل لكم، أنتم يا من تحتكرون الله، أوتحجبون محبته، ورحمته عن
الآخرين. كلنا”حزب الله” نعم، أتباع فقه كنا، أو لاهوت، أو شريعة، فمن منا، وأياً
يكن دينه، لا يؤمن بالله، أولا يسير بوصاياه، وبهديه، أولا يعمل
بمشيئته؟
في البعد الوطني المقاوم، كلنا “حزب الله“، فمن منكم لا يطلب
الشهادة من اجل لبنان، صوناً لكرامة أبنائه ومقدساتهم؟ أمَّا مقاومتنا، فكانت قبل
أن تكون مقاومة”حزب الله“، أو ما يعرف في خلفيتكم بالمقاومة الشيعية!وبمئات
السنوات، وقد قاومنا المعتدين شرقاً وغرباً، ثم من منكم لا يرى أنَّ اسرائيل
والصهيونية العالمية، عدواً استراتيجياً شرساً، وتهديداً لوجودنا وحضارتنا وثقافتنا
ومعتقداتنا؟!
نحن ندرك، كما تدركون أنتم، أن قوة “حزب الله” اللبناني، نقلت
لبنان من عصر فلسفة القوة في الضعف، الى عصر فلسفة القوة حق وواجب، في مواجهة
الظلم، والاعتداءات الاسرائيلية المستدامة، صوناً لكرامة الوطن، وحماية لحقوق
أبنائه في الحرية والاستقلال، وفي استثمار ثرواته الطبيعية؛ ومع ذلك يصر البعض، على
تجريد لبنان من قوة ردعه في وجه اعدائه، هذه القوة التي يجسدها سلاح “حزب الله“،
الداعم والمساند لجيش لبنان العظيم؛ فماذا نسمي هذا؟!
اللبناني شاطر، لكن
الشاطر يفهم، لماذا يكون سلاح “حزب الله” نعمة، عندما يكون الحزب حليفاً يضمن
الأكثرية التي تكفل لهم استمرارية الحكم، وفي ما عدا ذلك، يصبح هذا السلاح نقمة،
وحامله شيطاناً رجيماً؟
اللبناني شاطر، لكن الشاطر يفهم، أن الوطن ليس طائفة
أياً تكن هذه الطائفة، وليس مزرعة لحزب، أوجماعة، أوفريق سياسي، أياً تكن مرجعيته،
و قوته، وقدراته.
تدَّعون أنكم المدافعون عن الشرعية، عن أي شرعية تتحدثون؟
فنحن أبناء الشرعية، ولن نكون الا كما كنَّا مع مؤسسات الدولة أولاً وآخراً، ولن
نقبل بديلاً عنها، أياً يكن هذا البديل، والتاريخ على ما نقول شهيد.
ثمَّ
أنَّ حزب الله، لا يطرح نفسه بديلاً عن الجيش اللبناني، ونحن كنَّا وسنبقى مع
جيشنا، نحمله قلائد مقدسة في أعناقنا، واذا كنتم بلا ذاكرة، فذكرى 13 تشرين من
العام 1989، وكل ما سبقها وتبعها، يبقى ماثلاً في الذاكرة والوجدان، ذكرى ننتظرها
بشغف كل عام، لانها وقفة العز والشرف، وها هي تشرق من جديد، لنجدد معها العهد
والوعد، انها ثوابتنا وقانون ايماننا الوطني الحر.
أما أن ننكر على “حزب الله“،
تضحياته، وانجازاته الوطنية، ودفاعه عن لبنان ألارض والشعب، ففي ذلك كثير من الظلم
والتجني.
لا شك أنكم، تسمعون كما نسمع اصواتاً، تبعث السموم في كل اتجاه،
وتزعق مطالبة بنزع سلاح “حزب الله“، أو سلاح “المقاومة الاسلامية الشيعية”، كما
يحلو للبعض توصيفها؛ وللمفارقة نسأل هؤلاء، لو كان هذا السلاح سنياً، أومسيحياً،
أودرزياً، فماذا كنتم تقولون؟!ولو قاتل هذا السلاح في صفوف الدواعش، وأخواتهم، أو
أنه قاتل في وجه النظام الاسدي الاستبدادي، أو انغمس في جهل الربيع العربي الدموي
المدمِّر؛ فبماذا كنتم توصفونه؟ بربكم، لا تجيبوا، فالتجارب ليست لصالحكم،
والادلة كثيرة!
أما اذا كنتم تريدون، كما نريد نحن، الخروج من دوامة
الانتحار العبثي، تعالوا اذاً، نجرِّب علاجاً وطنياً لبنانياً، بعد أن جربنا كل
علاجات الخارج وفشلت، تعالوا نخرج من زواريب طوائفنا وأزقة مذاهبنا، الى رحاب وطن
علماني يفتخر بنا. تعالوا، نثبت أننا شعب مؤمن، وان كثرت طوائفنا وتعددت مذاهبنا،
شعب استوطن فيه الفكر، شعب ترخص عنده الحياة من أجل حريته وكرامته، وكما كتب للمجد
صفحات تاريخه، فهو لن يبخل اليوم، بالحياة قرابين على مذبح الوطن الواحد، الموحد،
المستقر. . .
د. حنا الحاج –
( باحث في علم الاجتماع السياسي وعلم اجتماع النزاعات)