الملابسات والإشكالات التي أحاطت بقضية العسكريين المخطوفين وأفضت الى عودة هذا
الملف الى نقطة الصفر والى توقف «مفاوضات لم تكن قد بدأت عمليا بعد»، تلخصها مصادر
سياسية واسعة الاطلاع في النقاط التالية:
1- بعد انسحاب «الوساطة القطرية» التي شكلت قناة خارجية وحيدة
للتواصل والتفاوض وجدت هيئة العلماء المسلمين أن الفرصة سنحت لها للدخول على الخط
كوسيط رسمي وبتكليف من الحكومة اللبنانية. ولكن هذا التدخل تعثر في خطواته الأولى
عندما اشترطت الهيئة، إضافة الى التفويض الرسمي، إطلاق نساء «داعش» و«النصرة» في
وقت لم تستطع شيئا ازاء الشرط الذي طرحه الجانب اللبناني بأن تحصل هيئة العلماء على
تعهد من الخاطفين بعدم قتل أي عسكري بعد اليوم كشرط للانطلاق في التفاوض.
ويبدو أن هيئة العلماء خرجت من المشهد ولكنها في تراجعها أطلقت النار
السياسية على مخابرات الجيش واتهمت جهات بأنها لا تريد وساطة الهيئة، وترجمت هذا
الموقف مرتين على الأرض، عندما أطلقت النار على الشيخ سالم الرافعي. وعندما تم
توقيف الشيخ حسان الغالي مؤخرا (لاستجوابه في موضوع مرافقيه السوريين الذين كان في
حوزة أحدهم حزاما ناسفا).
2- دخل النائب وليد جنبلاط بقوة وتصميم على الخط وحاول فرض
إيقاعه وموقفه الضاغط باتجاه الإفراج عن العسكريين مهما كلف الأمر بما في ذلك
المقايضة المفتوحة التي تشمل «إرهابيين» موقوفين ومحكومين. وهذا الموقف جاراه فيه
الرئيس أمين الجميل ولكنه لم يلق تشجيعا وتأييدا من الرئيس نبيه بري.
ولكن
جنبلاط لم يتراجع وقرر أن يمضي قدما عبر قناة تبدأ بالوزير وائل أبو فاعور وتوصله
الى «النصرة» عبر الشيخ مصطفى الحجيري، وحتى الوصول الى الهدف وهو إطلاق العسكريين
الذين بينهم ثمانية دروز، وحتى لا يكون قتل أحدهم مدخلا الى فتنة والى تفجر حساسية
درزية من هذا الملف وحصول اصطدام درزي مع النازحين السوريين.
3- «خلية الأزمة» التي واكبت الملف على امتداد الأشهر الماضية،
لم يعد استمرارها مجديا وفق الصيغة المعتمدة والطريقة المتبعة في إدارة الملف، فبعد
الانسحاب الهادئ للوزير جبران باسيل الذي لم يشارك إلا قليلا، يأتي اعتكاف الوزير
علي حسن خليل لتصبح خلية الأزمة ذات لون سياسي ومذهبي محدد (سلام والمشنوق وريفي).
وهذا ما يدفع باتجاه تحويل الخلية من «خلية وزارية سياسية» الى «خلية
أمنية» (رؤساء الأمن العام ومخابرات الجيش والمعلومات)، لأن الملف يحتاج الى «إدارة
عسكرية» والى تبيان القدرة والقوة التفاوضية ووضع حد لسياسة الضغوط والابتزاز التي
تتعرض لها الحكومة اللبنانية، في حين أن الخلية الوزارية شكلت نموذجا مصغرا عن
«صراع الأجنحة ومراكز القوى» والتناقضات والخلافات السياسية التي ترجمت عمليا بين
توجهين: توجه متشدد يرفض الانصياع الى مطالب «النصرة و«داعش»، وتوجه معتدل يعتبر أن
الخروج من النفق المظلم لا يكون إلا بالمقايضة.
4- طرأ تطور عملي على صعيد آلية التفاوض والقناة الوسيطة:
«اللقاء السلفي» حل محل «هيئة العلماء» والشيخ وسام المصري (من طرابلس) حل محل
الشيخ مصطفى الحجيري (من عرسال)..
واللقاء السلفي هو الذي وقع على ورقة تفاهم سنية مع حزب الله بعد أحداث 7 مايو
2008 قبل أن يجمدها تحت وطأة ضغوط سياسية ودينية، وكان من أبرز الموقعين الشيخ حسن
الشهال والشيخ صفوان الزعبي. واللافت أن الوسيط وسام المصري ومن اللحظة الأولى حاز
تفويضا من «جبهة النصرة» مرفقا بتعهد بوقف إعدام أي من العسكريين، وهذا التعهد
أبلغه الى السلطات اللبنانية وينتظر ردها عليه.
5- تطور آخر بارز تمثل في وجود مبادرة سورية خاصة بموضوع
العسكريين والمساعدة على حل قضيتهم. وهذه المبادرة كشف عنها اللواء جميل السيد
العائد من دمشق، وملخصها أن «السلطات السورية أبدت استعدادها لتأمين ممر آمن لمسلحي
«داعش» و«النصرة» الموجودين في جرود عرسال باتجاه الداخل السوري، وتحديدا باتجاه
مناطق الشمال السوري، وضمان انتقالهم وسلامتهم، مقابل إطلاق العسكريين
المخطوفين».