يرتسم في لبنان «سيناريوان» لمساريْن معاكسيْن يفضي أوّلهما الى مصير «ترميمي» للواقع السياسي يتيح تمديد «الستايكو» الحالي على قاعدة الفصل بين الأزمات وتفكيكها الواحدة بمعزل عن الأخرى، فيما يوصل الثاني الى «عنق الزجاجة» وشبْك الملفات بحيث لا يعود ثمة إمكان لايجاد حلولٍ من خارج «كاسحة ألغام» تسحب «فتائل» الملفات على طريقة «الرزمة الواحدة» مع ما يترتّب من مخاطر على بلوغ الأمور هذا المستوى من التعقيد بما قد يضع البلاد أمام «أزمة نظام».
والواقع ان لبنان الذي شارك امس في المؤتمر الدولي حول الأمن والسلام في العراق الذي عقد في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند استكمالاً لاجتماع جدة الذي كرّس المسار الذي سيعتمده التحالف الدولي – العربي لمواجهة «داعش»، بدا في الساعات الأخيرة أمام مشهد ملتبس و«حمّال أوجه» في قراءة الوقائع المستجدة ولا سيما المتصلة بأفق الانتخابات النيابية المحددة «ورقيا» في 16 نوفمبر المقبل والانتخابات الرئاسية التي ما زالت في مهب الفراغ الذي دشّن ولايته في 25 مايو الماضي.
وثمة قراءة في بيروت تشير الى ان لبنان يتّجه الى تفكيك ما أمكن من «ألغام» داخلية في اللحظة التي تتعاظم التحديات الناجمة عن المواجهة الجديدة في المنطقة في ضوء إعلان التحالف الدولي – العربي بقيادة الولايات المتحدة الحرب على «داعش».
وفي رأي الاوساط السياسية صاحبة هذه القراءة ان مؤشرات يرجّح ان تبرز في الايام المقبلة بما يعكس رغبة الأطراف الرئيسية في الداخل اللبناني في سكْب مياه باردة على ملفات خلافية بهدف إبقاء الأوضاع في البلاد «تحت السيطرة» من جهة وتنفيس الاحتقان، لا سيما «المذهبي» من جهة اخرى الذي لاح بقوة بعد إحداث عرسال وخطف العسكريين من قبل تنظيميْ «داعش» و«جبهة النصرة».
وتعوّل هذه الأوساط على لقاءات ستجري في الساعات المقبلة ولا سيما بين رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة ومكوّنات اخرى في 14 آذار للوصول الى تفاهم على التمديد للبرلمان الحالي «الممددة ولايته» (تنتهي في 20 نوفمبر)، أولاً لاستحالة اجراء الانتخابات النيابية في ظل التوترات السائدة وثانياً لتجنّب سقوط البلاد في فراغ قاتل، وذلك مقابل حصول بري على ضمانات يريدها بالإفراج عن التشريع في البرلمان المعطّل نتيجة موقف 14 آذار والعماد ميشال عون بعدم جواز تسيير العمل في مجلس النواب في ظل الفراغ الرئاسي بما يوحي وكأن البلاد «ماشية» بمعزل عن وجود رئيس ورثت صلاحياته الحكومة.
وتشير هذه الاوساط في معرض تعزيز واقعية قراءتها الى ما حملته الساعات الماضية عن إمكان تحقيق اختراق في العلاقة بين المكونين السني والشيعي، اي «تيار المستقبل» و«حزب الله» بهدف تشكيل «مانعة صواعق» داخلية تبعد شبح اي توترات كبيرة، متوقفة عند ما لمح اليه وزير الداخلية نهاد المشنوق على متن الطائرة التي أٌقلت الوفد الحكومي اول من أمس الى قطر حين اشار الى «إمكانية سياسية لقيام عمل مشترك بين المستقبل وحزب الله عبر كتلة الوفاء للمقاومة (نواب حزب الله) لتحريك العمل الحكومي والنيابي والتخفيف من الاحتقان، وهناك احتمال جدي للتشريع والاتصالات مستمرة بين الرئيسين بري وسعد الحريري».
وتختم هذه الاوساط قراءتها معتبرة ان ما جرى تداوله في الساعات الاخيرة هو في سياق «رفع سقف التفاوض» و«حرب الأثمان» ولكن دائماً تحت حتمية التمديد للبرلمان بانتظار اكتمال عناصر «القاطرة» السياسية له، ولافتة الى ان استكمال الكتل تقديم ترشيحاتها للانتخابات يوم امس (تنتهي مهلة التقدم بها منتصف ليل الثلاثاء الاربعاء) ليس الا من باب «رمزي» وتسجيل الموقف.
الا ان قراءة أخرى، اعتبرت ان الرئيس بري قد لا يكون «يناور» في اعلان رفضه التمديد وربما يكون هدفه إحداث صدمة لدى مختلف القوى السياسية وايصال الوضع اللبناني الى حافة الهاوية بغية بلوغ تسوية شاملة تشمل الاستحقاق الرئاسي والانتخابات النيابية والقانون الذي سيحكمها اضافة الى حكومة العهد الجديد.
وكان برّي رفع امس سقف مواقفه، اذ ردّ على اعتبار المشنوق أنه من موقعه «لا يضمن إجراء الانتخابات في موعدها في ظل الظروف الأمنية الراهنة»، فأوضح ان «الحكومة مجتمعة مسؤولة عن الجواب عن عدم قدرتها على اجراء الانتخابات ولماذا لا يمكن اجراؤها». وأضاف: «العراق كان في وضع امني أسوأ من بلدنا وتمت الانتخابات عند العراقيين». وكرر موقفه الرافض للتمديد للبرلمان قائلاً: «الجميع يعرفون حال المجلس انه معطل، فلماذا التمسك به؟».
وعن التعويل عليه لاخراج «أرنب» يحل هذه الازمة، أجاب: «قد تكون الانتخابات هي الارنب المطلوب والفرج الذي ننتظره وقد يحدد الاحجام السياسية ولا سيما عند القوى المسيحية، وربما شكل هذا الامر اختراقا للمواقف التي تتحكم في أزمة الرئاسة وتبرز الاحجام الانتخابية الامر الذي لا يساعد في الاستحقاق الرئاسي فحسب، بل الوضع ككل ليحكم الشعب وينبلج فجر جديد».
وفي موازاة ذلك، توقفت دوائر سياسية عند الحراك الديبلوماسي لإعادة تقويم تفاهم اقليمي حول لبنان يتيح كسر مأزق الفراغ الرئاسي، وهو ما عبّرت عنه زيارة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي لطهران حيث التقى مستشار المرشد الاعلى للشؤون الخارجية علي اكبر ولايتي ونائب وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية السفير حسين أمير عبد اللهيان وبحث معهما في الوضع اللبناني والتحديات التي تواجهها البلاد نتيجة الحرب في سورية. واذ اعتبر المبعوث الاممي ان «مسألة الرئاسة يعود الى اللبنانيين حلها، وهي ملحة، والاهتمام الدولي وان يصار الى المضي قدما بها من دون تأخير اضافي»، تترقب الاوساط السياسية اللبنانية نتائج الزيارة التي تأتي بعد زيارته السعودية التي كان زارها ايضاً عبد اللهيان.
الرأي الكويتية