«اني ارى رؤوساً قد اينعت وحان قطافها…»
لاحظوا الى اي مدى بلغت الحنكة اللغوية، ومعها الحنكة الدموية، لدى الحجاج بن يوسف الثقفي. قال بقطف الرؤوس، او بقطافها، لا بقطع الرؤوس.
هل حقاً انه لا يمكن لأي كان، ولو كان حمورابي اياه، ان يحكم العراق الا اذا كان على شاكلة الحجاج او فيه شيء من الحجاج بن يوسف؟
الاميركيون الذين اقاموا الفديرالية في العراق كمدخل الى التفكك، اقاموا الديمقراطية كمدخل الى التفتت. ثمة من يتحدث عن لعنة هولاكو. لا يمكن للعراق الا ان يكون معذباً والا ان يكون محطماً.
قيل في نوري المالكي ما قيل في صدام حسين، وما قيل في هولاكو. هذا بلد انتج ملحمة جلجامش. هنا هاجس الخلود في الحياة يتماهى مع هاجس الخلود في السلطة. كانت الملكة كاترين تفضل السلطة على الحياة.
حين قام جورج دبليوبوش بغزو العراق، نصحه ادوارد لويس، وبكل فظاظة، بأن يذهب الى هناك ويدوس على قبر هارون الرشيد. لو كان الخليفة العباسي هنا، وكان هو امبراطور الشرق وشارلمان امبراطور الغرب، هل كان باستطاعة ذلك الكاوبوي الغبي ان يطأ ارض بغداد؟
لويس ما لبث ان استدرك حين لاحظ ان الرئيس الاميركي بات داخل تلك الادغال المتحركة، ولنقل النيران المتحركة. قال ان التاريخ هناك، وان كان مثقلاً بالآلام، فهو ايضاً مثقل بالجمر.
غالباً ما يكون التاريخ على ضفاف الرافدين، كما الانسان، غاضباً وثائراً. قيل انهم يثورون على الحق ويثورون على الباطل.
وقال لويس بأسى «كما لو ان التاريخ كان ينتظرنا هناك بعصاه الغليظة». الاميركيون خرجوا من هناك كما يخرجون من اي مكان آخر. لا يتركون وراءهم سوى الهذيان. ها ان ديفيد اغناثيوس يكتب عن «ليلة الخشخاش» في افغانستان. ضمناً «ليلة الافيون». ماذا عن العراق؟
لا يمكن للحاكم الا ان يكون متجهماً. هل لاحظتم كم ان المواويل العراقية حزينة وكم ان المواويل المصرية مرحة؟ الباحثون في سوسيولوجيا الشعوب يقولون ان النيل يفيض في شهر آذار، حاملاً معه الطمى, فتزدهر المحاصيل وتنشرح صدور الفلاحين. اما دجلة فيفيض في تموز، لكأنه يحمل معه حوافر الخيول اذ يخّرب المحاصيل وينتحب الفلاحون.
هكذا تتشكل البنى السيكولوجية والتاريخية للمجتمعات. الآن, المصريون مثل العراقيين مثل العرب الآخرين، ولو كانوا في العالم الآخر, يشكون من ضيق الدنيا وضيق الآخرة.
لا يمكن للحاكم في العراق الا ان يكون فوق الجميع. احياناً فوق جثث الجميع. ابو العباس السفاح قال « والله ما اكلت اشهى من هذه الاكلة قط» حين كان يتناول الطعام فوق جثث من تبقى من امراء بني امية.
لا نريد ان نقارن نوري المالكي بأبي العباس السفاح او بأي حاكم آخر في العراق. الظروف تغيرت كثيراً. وكل من في المحيط، عربياً كان ام اعجمياً، لا يريد لهذا البلد الذي يختزن ثروات بشرية ومادية هائلة، ان يكون قوياً. لا احد الا وتآمر عليه. ابناؤه, بالدرجة الاولى, تآمروا عليه. اين هو العراق الآن؟ المنظرون الاستراتيجيون الغربيون يتحدثون عن محورين: العراق وايران في مواجهة السعودية ومصر. ومتى تخرج المنطقة من هذه المتاهة؟.
قال لنا عبد الوهاب المسيري ذات يوم «اليهود عادوا من التيه الى ما يعتبرونها ارض الميعاد. العرب ذهبوا الى التيه. هنا لارض الميعاد تفسير وحيد: الهاوية!
هل تغير المالكي فعلاً حين وطأت قدماه السلطة؟ في حديث مع سفير عربي, مرصع بالحلى, اخذ على رئيس وزراء العراق انه كان يبيع المسابح على رصيف مقام السيدة زينب في دمشق. وقلت له هذا شرف له فهل كان يفترض به ان يرتمي بين احضان الاجهزة فتوفر له الاقامة اللائقة، والمخصصات الشهرية الرفيعة ليبقى مجرد دمية بين يديها. استعدنا له قصة «هو شي منه» الذي عمل حمالاًفي فرنسا ليقود الثورة في فيتنام.
حدثونا حول تغاضي المالكي عن موبقات الحاشية، وعن «العقد التاريخية» لدى بعض المستشارين الذين اقصي معظمهم، فالعراق لا يمكن ان يحكم بمنطق السّني والشيعي والكردي والاشوري، حتى ان داخل القبائل، وحيث ابناء العموم، هناك السّنة والشيعة ولطالما كانوا يداً واحدة ودماً واحداً. جاء الاميركيون فظهر السني القبيح وظهر الشيعي القبيح وما بينهما الكردي القبيح.
كان يمكن ان تضمحل هذه الظواهر القاتلة لولا التدخل الخارجي. الكل يتدخلون في العراق ان بخلفيات مذهبية او بخلفيات تاريخية، او بخلفيات جيو استراتيجية، لتغدو المشكلة اكبر بكثير من نوري المالكي الذي لا بد انه اخطأ، لكن الرجل عراقي حتى العظم، عربي حتى العظم، فماذا يعني الحديث عن «ولاية ثالثة»؟
انه رئيس للحكومة، وصناديق الاقتراع هي التي تتكلم. كم حكمت مارغريت تاتشر التي طالما وصفت بالمرأة الحديدية، كما يوصف رئيس الوزراء العراقي بالرجل الحديدي؟ نقول للمالكي لا تكن شيعياً بل عراقياً، وهو الذي يعلم كيف يلعب رجب طيب اردوغان لكي يضع يده على الموصل وكركوك وربما بغداد، ولكي يظهر بمظهر من يؤازر اكراد العراق وهو الذي ينظر بالعين العثمانية اياها، بل وبالعين السلجوقية اياها، الى اكراد تركيا.
لن ندخل في التفاصيل. ولكن اذا كان المالكي يريد العراق القوي، وهو يريد، فليكن رئيس وزراء كل العراق، وليكن ائتلافه واسعاً ومحكماً ويمثل كل العراق لا طائفة ولا منطقة لان ثمة من يعمل لصوملة العراق، كما يعمل لصوملة سوريا. امامه جبال عليه ان يقطعها ولو سيراً على الاقدام!.
الصدر: نوافق على الحوار إذا كان علنيًا ولتشكيل حكومة بعيدة عن التبعية والتدخلات الخارجية
أعلن زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عن موافقته على المشاركة في الحوار مع جميع الجهات في البلاد ولكن...