تغيّرت الحسابات بعد معركة عرسال، وباتت الأنظار تتركز في شكل يومي إلى تطور المعارك في القلمون السورية وجرودها، لما فيها من خطر على لبنان، خصوصاً مع وجود أسرى عسكريين هناك بيد “جبهة النصرة” و”داعش“. ويومياً نسمع بنعي أحد مقاتلي “حزب الله” الذي يدير المعركة من الناحية اللبنانية، أما النظام السوري فيحارب بما تبقى له من قوة استطاعت اطالة عمره حتى اليوم وهي السلاح الجوي، لكن رغم دخول الحزب برياً والنظام جوياً، لماذا لم تحسم بعد المعركة لصالحما؟
سؤال طرحناه على خبراء عسكريين يتابعون التطورات هناك، واتفقوا على أن العنصر الجغرافي يلعب الدور الأساس، أكان لناحية مساحة أرض المعركة او طبيعتها، فضلاً عن الامداد اللوجستي الذي فشل النظام السوري و”حزب الله” في قطعه عن المسلحين، إذ يقول العميد المتقاعد خليل الحلو: “بعد انتقال المسحلين إلى الجرود اعتبر الحزب والنظام ان قواعد المسلحين اللوجستية لم تعد متوافرة وانهم باتوا محاصرين في منطقة ضيقة تبدأ من الزبداني وصولاً الى عسال الورد ورنكوس وغيرها من القرى الصغيرة التي تقع جنوب يبرود والتي يدخلها عناصر النظام والمقاتلون، واتضح انها لا تكفي لوجستياً، فاختار المقاتلون المنطقة الاقرب اليهم، وهي عرسال التي باتت تشكل منطقة لوجستية ، فضلاً عن وجود نازحين سوريين من اقربائهم في المخيمات هناك”.
مساحة واسعة
يعيد الحلو سبب عدم حسم النظام والحزب المعركة إلى أن “المنطقة التي لا زال يتنقل فيها المسلحون مساحتها تتعدى 250 كلم مربع، وهي تحتاج إلى حشود من الجنود والنظام السوري لا يملكها، لهذا اعتمد اساساً على سياسة القضم”.
10 الاف مقاتل ودعم جوي
يرتبط احد الاسباب ايضاً باعتماد المسلحين على السياسة نفسها التي كان يعتمدها “حزب الله” في الجنوب، وهي حفر الانفاق والخنادق تحت الارض، ويرى الحلو أن “حزب الله لا يملك الموارد البشرية التي تسمح له بان يحسم المعركة، واذا افترضنا فعلياً ان الحزب لديه 3000 مقاتل، فهو يحتاج إلى اكثر من 10 الاف مقاتل مع دعم جوي طوال 24 ساعة واستعلام تكتيكي للهجوم على المسلحين، وهذا غير متوافر”.
فصل الشتاء والاقتراب إلى لبنان
لفصل الشتاء حساباته الخاصة في هذه المعركة، خصوصاً إذا كان قاسياً لناحية تساقط الثلوج والامطار وانخفاض درجات الحرارة، ويرى الحلو أن في ” الجميع سيقع في مشكلة شتاءَ، وسيجبر الجيش السوري على التراجع وحزب الله على تخلية نقاط متقدمة وعالية، كما لن يستطيع المقاتلون البقاء في اعالي الجبال وسيجبرون على الانتقال الى مناطق يستطعون البقاء فيها على قيد الحياة، وربما يقتربون من الجرود القريبة من لبنان من ناحية عرسال وبعلبك أو نحو المناطق السورية التي لا يتواجد فيها الجيش السوري وتمتد من رنكوس حتى الزبداني”.
الطيران لا يحسم
لا يستطيع الحزب أن يحشد المزيد من المقاتلين، خصوصاً انه لا يريد ان يفرّغ لبنان وتحديداً الجنوب، كما أن النظام السوري لديه جبهات عدّة ومن الصعب حشد قواته من أجل هذه المعركة، في ظل معارك أهم بالنسبة إليه، لكن ماذا عن الطيران السوري ألا يستطيع تأمين الحسم؟ يجيب الحلو: “الطيران السوري يرمي القنابل والبراميل وقنابل قديمة وبطريقة تقليدية وبعيدة جداً عن التقنيات الأميركية التي تتعلق مثلاً بالقنابل الذكية والاقمار الاصطناعية وطيران التجسس التي تؤمن دقة الهدف، والمتوفرة لدى اسرائيل، فضلاً عن ضرورة ابقاء الطيران 24 ساعة في السماء، وحتى لو امتلكها، فمعروف في العالم العسكري أن سلاح الطيران وحده لا يحسم معركة ولا بد من مشاة”. ويشدد الحلو على ضرورة تحصين لبنان لأن الأزمة طويلة.
تنسيق سوريا – لبنان – “حزب الله“
فريق آخر يتفق مع الحلو على ان عامل الجغرافية يصعّب من عملية الحسم، لكنه يرى ان التنسيق الثلاثي بين الجيشين اللبناني والسوري و”حزب الله” سيلبي الحاجة العسكرية ويحسم المعركة، ومنه العميد الركن المتقاعد ورئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات هشام جابر الذي يؤكد أن “الجيش السوري سيطر على 90% من القلمون وتبقى الزبداني، ولا يزال هناك الجرود التي تحتاج إلى عمليات عسكرية دقيقة، لأن الارض كبيرة جداً ومتعرجة وفيها مغاور وكهوف، لذلك يركز النظام على ضربها بالطيران والمدفعية من وقت الى آخر، وهو الأمر الذي دفع بالمسلحين الى دخول قرية لبنانية”.
الجيش اللبناني يحسم
جابر لا يرى اي ضرورة لقيام النظام السوري بعملية عسكرية كبيرة مكلفة بشرياً ومادياً اذا لا تشكل أولوية بالنسبة له، خصوصاً في ظل اهتمامات أخرى لدى النظام “كتنظيف جوبر والغوطة ومحيطهما، ومن غير الوارد تركهما من اجل التفرغ لمعركة الجرود”. ويعتبر أن “حزب الله والجيش اللبناني الوحيدان الذين تصديا للمسلحين ولولا الأول لكانوا باتوا في سهل البقاع”، مشيراً إلى أن “الحزب تفرغ لمقاتلتهم منذ 3 اشهر بعيداً عن عرسال حتى لا يثير حساسية مذهبية، لكنه لا يستطيع ان يحسمها وحده، خصوصاً أنه ليس مكلفاً وحده بذلك، كما ان اقترابه من عرسال سيثير ضجة، لذلك يعتمد الحسم على الجيش اللبناني الذي عليه التحضير لعملية عسكرية، خصوصاً انه معني بتحرير رهائنه، وقد يكون “حزب الله” الرديف له ويمنعهم من النزول الى الناحية الاخرى، ولا بد من تنسيق مع الجيش السوري”.
كر وفر ومشكلة عرسال مفتوحة
من جهته، يلاحظ العميد المتقاعد نزار عبد القادر ان مساحة الأرض وطبيعتها الوعرة سببان رئيسيان لعدم الحسم، ويقول:”انها تتطلب انتشار عدد كبير من المقاتلين ووسائل اتصال ومراقبة جوية لا يملكها “حزب الله” الذي يتواجد في قرى ومدن قريبة من محاور الامداد التي تسهل تمويله او انتقاله”.
ووفق التجربة تبيّن ان النظام والحزب يستطيعان جمع قوة تتفوق عددياً على فصائل الثوار في مدن القلمون، لكن لا يمكنها السيطرة على كل المناطق الجبلية العالية والوديان، ويذكّر عبد القادر بأن “انتشار الثوار في هذه المناطق وتثبيت قواعدهم فيها مكنّهم من شن هجمات مباغتة ضد مواقع النظام والحزب”، لافتاً إلى أن “الاخيرين لديهما قوة ضاربة محدودة يجمعانها في مكان هجومي ومن ثم يخففان من هذه القوة لينتقلا الى منطقة اخرى، وما ان يتم ذلك يعود الثوار لمهاجمة نقاط الحراسة”.
في رأي عبد القادر “معارك الكر والفر ستستمر”، مشيراً إلى أن “عرسال والمخيمات التي تأكد انها تابعة الى المسلحين ستكون الآن العمق الاستراتيجي للقوة العاملة في القلمون، خصوصاً للفريق الاقوى “جبهة النصرة”، ولا حسم في هذه المعركة ومشكلة عرسال ستكون مفتوحة”.