توحي الأجواء المحيطة بالوضع في الجنوب بأن شيئا ما قد يحصل في الأيام المقبلة،
وذلك وفقا لمعطيات مجمعة من مشاهدات ميدانية وتصريحات سياسية، ومن خلال تحليلات
تتداولها مراكز الدراسات والأبحاث. فإسرائيل قد تُقدم على حماقة كبيرة تسبب إرباكا
واسعا، يزيد من حالة التأزم التي يعيشها لبنان.
منذ فترة طويلة تناولت وسائل إعلام غربية معلومات عن نوايا إسرائيلية باستغلال
الاوضاع المتوترة في سورية للقيام بعمل عدواني، يكون هدفه غير المعلن تدمير مائة
ألف صاروخ يملكها حزب الله موجهة الى المدن الإسرائيلية. وفي معلومات التسريبات
الاعلامية أيضا ان الظروف قد تكون مواتية للقيام بالعدوان، وبغطاء دولي، نظرا
لانزعاج الدول الغربية الكبرى من موقف إيران وحزب الله المعارض للتحالف الدولي الذي
ينفذ عمليات عسكرية ضد قوات الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) والمنظمات
الارهابية الاخرى في العراق وسورية.
عملية التفجير التي استهدفت دبابة إسرائيلية من نوع ميركافا في مزارع شبعا
المحتلة نهار الثلاثاء الماضي، قد تكون الشرارة التي تؤسس لحريق قادم، ففي ذات
اليوم منذ 14 عاما، أي في 2000/10/7، قام حزب الله بعملية في المكان ذاته، أدت الى
أسر ثلاثة جنود إسرائيليين، وكان ذلك بداية لأحداث لاحقة.
والعملية التي
تبنتها مجموعة الشهيد علي حسن حيدر التابعة لحزب الله، أدت هذه المرة الى جرح ثلاثة
جنود من قوات الاحتلال، وأرخت بأجواء توتر كبيرة على الجنوب عامة، وفي منطقة
العرقوب بشكل خاص، والقذائف الإسرائيلية التي استهدفت بعض المواقع في محيط شبعا
وتلال كفر شوبا، كانت بمثابة الرد الميكانيكي المباشر على العملية، وليست الرد
النهائي.
فرئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن أن حكومته لن تسمح باستهداف
إسرائيل مهما كانت الظروف، أما رئيس أركانه بيني غاتس فقد رفع سقف التهديد الى
درجات عليا، وأكد على «حق إسرائيل بالرد في أي توقيت، وأي طريقة، وأي مكان تراه
مناسبا» والكلام يؤشر الى نوايا عدوانية تتجاوز الرد المحدود على عملية محدودة.
منذ أشهر تم تسريب معلومات مصدرها إسرائيل ان حزب الله ربما قام بحفر خنادق تحت
الأرض تصل الى الجليل الأعلى، ورافق هذه المعلومات تسريبات عن نية لحزب الله في
احتلال الجليل فيما لو وقعت المجابهة مع إسرائيل مجددا. كل ذلك قد يكون في سياق
تهيئة الرأي العام الإسرائيلي والغربي بشكل عام لضربات عدوانية قد تحصل، وتكبير حجم
الخطر من قبل الإعلام الصهيوني يحمل خلفيات ليست بريئة إطلاقا، فتلك عادة إسرائيلية
وأميركية قديمة تُحاكي العواطف الشعبية، لضمان تأييد العمليات العسكرية.
إسرائيل تعرف أن الاوضاع اللبنانية هشة من النواحي الأمنية والاقتصادية
والدستورية، وهي تدرك أيضا أن التعاطف الذي كان يحظى به حزب الله في الاوساط
العربية واللبنانية بعد عدوان «يوليو 2006»، قد تلاشى الى حد بعيد بعد انغماس الحزب
في أحداث مايو 2008، ومن جراء تدخله العسكري الى جانب النظام في سورية.
في الحسابات الإسرائيلية عادة ما يكون استغلال الفرص قاعدة، يمكن الولوج منها
لتحقيق أهداف عدوانية، فالجميع بالنسبة لإسرائيل أعداء، ومن يخدم أهدافها يمكن
التخلص منه فورا عندما تنتفي الحاجة إليه.
إن مساهمة حزب الله في استمرارية الاقتتال في سورية لا يمكن لها أن تشفع للحزب
أمام إسرائيل، فهي بطبيعة الحال ستقتنص الفرص للانقضاض على المقاومة وأسلحتها عندما
تحين الفرصة. توقيت التفجير الذي قامت به المقاومة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في
مزارع شبعا، قد يكون فرصة للعدو، يمكن استغلالها للقيام بعدوان واسع يستهدف لبنان.
فإسرائيل قد ترى التوقيت مناسبا لذلك، لمجموعة من الاعتبارات:
الاعتبار الأول: لكون العدوان يُربك الساحة اللبنانية، وقد يؤدي الى فوضى عارمة،
بسبب الفراغ الذي تعيشه المؤسسات الدستورية، وعلى وجه الخصوص عدم وجود رئيس
للجمهورية، ويظن العدو أن الاوساط الشعبية ستُحمّل حزب الله المسؤولية عن العدوان.
الاعتبار الثاني: يستند الى الامتعاض الدولي الواسع من العملية الاخيرة، لاسيما
موقف الولايات المتحدة الاميركية التي أدانت التفجير بشدة، وذلك يمكن أن يعتبر ضوء
أخضر لإسرائيل لتنفيذ عدوانها، في وقت تتشتت قوة حزب الله بين لبنان وسورية.
الاعتبار الثالث: يرتكز على التقاطعات والحسابات المتعددة والمتنوعة للدول
المجاورة المعنية بالعدوان، بحيث ان بعض هذه الدول ضعيفة وعاجزة عن الرد كسورية،
وبعضها الآخر ممتعض من موقف حزب الله، وهو شريك بالتحالف الدولي ضد الآفة الداعشية.
هل تكون عملية مزارع شبعا في 2014/10/7 الفرصة التي انتظرتها إسرائيل لتحقيق
حلمها بتدمير صواريخ المقاومة، وسط الضباب الكثيف الذي يلف المنطقة برمتها، وفي
الوقت الضائع؟