كشفت احداث الأيام الأخيرة مجموعة من المؤشرات التي تستدعي التوقف وهي تؤكد مدى هشاشة الوضع اللبناني ودخوله دوامة نزيف مستمر على حافة الهاوية :
أولا: ضعف ووهن السلطة السياسية والأمنية أمام حالات الهياج العشوائي التي تداخل في سياقها الغاضبون بمدمني المخدرات ورعاع الأحياء وقد شاهد الناس هؤلاء يتحركون في العديد من المناطق ويحملون السلاح لإقامة حواجز الخطف المذهبي او للاعتداء على النازحين السوريين وهو مشهد يذكر حقا ببدايات الحرب الأهلية في الشكل والمضمون .
ثانيا: غياب القيادات السياسية وتراجعها امام الغوغاء ناتج أصلا عن غياب أي جواب عملي لمخاطبة الناس الغاضبين الذين جاءت قضية خطف العسكريين لتفيض بأوجاعهم المتراكمة والتي يختلط فيها الضيق المعيشي الخانق بمشاكل الخدمات المعدومة بقلق المصير الذي يعيشه اللبنانيون من الفئات الاجتماعية الفقيرة ومتوسطي الحال في جميع المناطق ومن جميع الطوائف.
ثالثا: المناخ الإعلامي التحريضي الطائفي والمذهبي يغرق لبنان منذ العام 2000 وهو الرد الأميركي المدبر على انتصار لبنان وتحرير أرضه المحتلة بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة ولكن هذا المناخ تفاقم مؤخرا بصورة خطيرة في جو استسلام ولامبالاة وتورط غالبا من جانب بعض القوى السياسية المشاركة في السلطة وحيث تحولت هبات التذكير بالوحدة الوطنية وبالقوانين إلى مواسم زجلية فارغة من أي محتوى عملي .
رابعا: أوصل نهج السلطة السياسية وارتباطها بالخارج مؤسسة الجيش اللبناني إلى حالة من الإنهاك وبينما هي محاصرة لا تحصل على حاجتها من الأسلحة والمعدات ولا حتى يسمح لها بتجنيد العديد البشري القتالي الذي تحتاجه رغم تزايد المهام المطلوبة منها وقد استنزفت معنويا بحملات التحريض والكراهية التي شنتها قوى 14 آذار ضد هذه المؤسسة الوطنية خلال السنوات الماضية .
خامسا: في هذه البيئة المشحونة والمهترئة داهم اللبنانيين خطر الإرهاب التكفيري الذي رعاه تيار المستقبل ومولته قطر على أرض لبنان للعدوان على سوريا وبالتالي باتت البلاد مهددة في كل لحظة بحلقة النيران المشتعلة بينما يقوم الفرقاء السياسيون أنفسهم بمنع قيادة الجيش من الاتصال بالقيادة العسكرية السورية وتنسيق المعلومات والنيران على جانبي الحدود وقد جاءت حصيلة التدخلات السياسية الحكومية في ازمة عرسال لتمثل طعنة للجيش اللبناني ولمعنوياته وإسعافا للعصابات الإرهابية كما تظهر حصيلة شهر من الأحداث .
سادس: لنتذكر أن إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية كان من محاور إضعاف الجيش اللبناني وإضعاف الانتماء الوطني عند الشباب اللبناني وعملا بنصيحة اميركية في العهد الحريري ولنتذكر ان تقاسم تراخيص الإعلام سياسيا وطائفيا وشل المجلس الوطني للمرئي والمسموع وخنقه كليا هما من نتائج النهج الذي اتبع في تنظيم الإعلام الذي قام على الحماية السياسية بدلا من المحاسبة القانونية وهو نهج كرس الفوضى وجعل خرق القانون وانتهاك المحرمات الوطنية نهجا تحميه الحكومات وتمنع العقوبات عن مرتكبيه.
سابعا: يتحدث العديد من الكتاب والمحللين اليوم عن الحرمان والفقر كتربة صالحة للفوضى والتعصب وهو كلام تكرر في السبعينات واشتقت منه عبارات الإنماء المتوازن والعدالة الاجتماعية التي أقحمت في نص الطائف وظلت حبرا على ورق والسؤال من أقام الاقتصاد الوطني بعد الحرب على بربرية الهيمنة الرأسمالية المتوحشة ومن يسأل الرئيس فؤاد السنيورة نبي العولمة الليبرالية وحارسها عن حصاد وصفاته المدمرة للاقتصاد وللمجتمع اللبناني ؟ ومن يسأل عن الوعود الانتخابية التي قدمت لمناطق الحرمان والتهميش التي تستخدم مجددا وقودا للحروب ومستنقعا للتطرف؟
ثامنا: على شفى التدحرج إلى الجحيم الذي يعرفه جميع اللبنانيين ثمة خطوات ممكنة لوقف اندفاع كرة النار ويمكن للحكومة والقوى السياسية المعنية ان تقدم عليها لتعزيز قدرات الجيش وقوى الأمن الداخلي ولمكافحة الخطب الطائفية والمذهبية في وسائل الإعلام ولتحريك القضاء ضد السياسيين المتورطين في التحريض الفتنوي وفي الافتراء على الجيش اللبناني والمبادرة لتفعيل العلاقات اللبنانية – السورية وخصوصا التنسيق بين الجيشين، فالأمر يتطلب بعض الشجاعة والإقدام وقرارات غير عادية لإحداث صدمة تكسر حلقة الاستنزاف بدلا من الاستسلام للأهوال الزاحفة وكأنها القدر المحتوم .