في خبر نشرته وكالة “رويترز”، نسبت إلى “جماعة أنصار بيت المقدس” بياناً تعلن فيه الجماعة المتطرفة بيعتها لـ”الخليفة أبي بكر البغدادي”. وتضيف: “إننا نهيب بإخوتنا في أرض الكنانة وغزة وليبيا وسائر بلاد المغرب والمشرق، أن يتوكلوا على الله وينحوا نحونا ويبايعوا أمير المؤمنين”. أثار هذا البيان سجالات في مصر. ففي حين أكد البعض أنه “مضروب”، أي زائف وفقاً للتعبير المصري، أبدى الكثيرون انزعاجهم من مجرد طرح الفكرة.
الحديث عن تواجد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في مصر ليس جديداً. فوزارة الداخلية المصرية، أعلنت قبل أيام، وبشكل واضح، على لسان المتحدث الرسمي باسمها، اللواء هاني عبد اللطيف، أن الأجهزة الأمنية تمكنت من القبض على أربع خلايا إرهابية تابعة لتنظيم داعش “ضمّت 34 عنصراً بحوزتهم عبوات ناسفة وأسلحة نارية وبيضاء وكميات من الذخائر معدة للاستخدام”.
نظرة سريعة إلى هاشتاج #سيناء_عرين_الموحدين تكفي لفهم سبب شعور الأمن المصري بكل هذا القلق مما يحدث في سيناء. فالهاشتاج يدعو صراحة إلى الجهاد ضد الجيش المصري، والمزعج أنه لاقى إقبالاً نسبياً من الشباب، وإن كان بعض المشككين يقول إنه كمين من الأمن المصري للإيقاع بمعارضيه. لكن الموقف عموماً بات يدعو إلى القلق خصوصاً مع انتشار فيديوهات تروّج للتطرف
.
مصر ليست استثناء
حين اندلعت الثورة التونسية في العام 2011، تبارى سدنة الإعلام والمحللون السياسيون في مصر على التأكيد أن “مصر ليست تونس“. قالوا إن ما حدث في تونس لا يمكن تكراره في مصر. لماذا؟ الإجابه سهلة: “مصر غير تونس“.
ولكن، لم تكد تمرّ أيام قليلة حتى تردد صدى الهتافات التونسية في القاهرة، فأصاب زلزال “هروب بن علي” الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. هنا أدرك الجميع أن مصر لا تختلف كثيراً عن تونس.
اليوم، ومع بزوغ نجم “داعش” وتوسعه في العراق وسوريا، وعلى الرغم من ظهور راياته في مصر، في أكثر من مناسبة، نجد من يردد الأقوال السابقة نفسها والثقة نفسها: ما يحدث في الشام لن يحدث في مصر لأنها “غير العراق” و”غير سوريا”. يقول المصريون إنهم شعب مسالم لا يميل إلى العنف، وإن قطع الرقاب وسفك الدماء لا يتناسب مع تكوينهم كشعب يمثل الدين الوسطي.
في الحقيقة، هذا الحديث ليس دقيقاً. خلال الأعوام الثلاثة السابقة، تورط المصريون في أعمال عنف دموية لمجرد الاختلاف في الرأي أو المذهب أو الدين.
ففي يونيو 2013، قتل أهالي منطقة أبو النمرس، في محافظة الجيزة الشيخ “حسن شحاته”، رجل الدين الشيعي. حاصر قرابة 3 آلاف شخص من أهالي المنطقة منزل أحد أئمة المساجد، أثناء تناول الشيخ شحاتة وجبة الغذاء لديه، ثم اقتحموا المنزل واعتدوا بالضرب عليه وعلى أربعة من أصدقائه حتى سقطوا على الأرض قتلى. بعدها سحلوا جثثهم في شوارع القرية. كانت كل جريمتهم التي استحقوا عليها هذا العقاب الوحشي، أنهم “شيعة” في قرية لا تقبل إلا بأهل السنة.
لا تقبل إلا بأهل السنة.
وفي 30 يناير 2012، في قرية “احمد عرابي”، قتل أهالي القرية لصّين انتقاماً منهما على قتلهما أحد أبناء القرية. لم يكتفوا بقتلهما فحسب، بل علقوا جثتيهما العاريتين على أحد أعمدة الكهرباء ليكونا عبرة لمن يعتبر في مشهد شديد الوحشية. الأمر نفسه تكرر في ديسمبر 2012 في قرية أنشاص بمحافظة الشرقية. اجتمع أهالي القرية على قتل إثنين من اللصوص، وسحلوا جثتيهما.
كذلك تكرّرت في الفترة الأخيرة ظاهرة التهجير القسري للمسيحين من قراهم. حدث ذلك في أكثر من قرية. لعل أشهر هذه الأحداث ما وقع في قرية “دلجا”، في صعيد مصر، في سبتمبر 2012. سيطرت مجموعة من الإسلاميين على القرية وأصدرت أوامرها للمسيحين، إما بدفع الجزية أو بترك القرية. جرى هذا وسط تراخٍ أمني مزعج، مما دفع حينذاك بالبرلمان الأوروبي إلى التدخل والإعراب عن قلقه من تدهور الوضع. المشهد نفسه حصل في قرية “دهشور”، في الجيزة، حيث طُرد المسيحيون من قريتهم، على خلفية اشتباكات طائفية بين مسلمين ومسيحيين اندلعت بسبب إتلاف مكوجي مسيحي بالخطأ قميص شاب مسلم.
إذن، نحن أمام مجتمع جاهز نسبياً لفعل أو للتغاضي عن فعل عنف يطال مَن يخالفنا في المذهب الديني (الشيعة)، أو من يخالفنا في الدين نفسه (المسيحيون)، أو من يخرج عن أطر المجتمع (اللصوص). هؤلاء يمكن قتلهم والتمثيل بجثثهم أو طردهم وتهجيرهم من قراهم.
“دولة الخلافة” بعيون الإسلاميين
“.ماذا عن موقف الإسلامين في مصر، وبشكل خاص الشباب منهم، من “دولة الخلافة”؟عمرو مدحت، أحد المنشقين عن الحركة الإسلامية، وزميل إسلام يكن، صاحب الفيديو الشهير، تحدث لرصيف22 عن “داعش“، قال: “دولة الخلافة الإسلامية، هي حلم أغلبية الشباب الإسلامي. قد يختلف البعض معها حول أسلوبها، أو مبالغتها في القسوة، لكن المؤكد أن الخلافة الإسلامية، وتطبيق شرع الله في الأرض هما غاية المراد من ربّ العباد. وعليه، لو أعلنت “الدولة الاسلامية” أميراً لها في مصر، فستجد الكثيرين من شباب الإسلام السياسي، يبايعونها بدون تردد”.
“كفانا هوانٌ”، بهذة العبارة يبدأ خالد كلامه، وهو أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين، والمعرّض للفصل من كليتة في جامعة القاهرة على خلفية اتهامه بالانتماء إلى جماعة محظورة وبتدمير الممتلكات العامة. ويضيف: “للأسف، قيادات الجماعة (الإخوان المسلمون) متخاذلة وشعار “سلميتنا أقوى من الرصاص” لم يعد يفيد. نحن نُقتل في الشوارع، الناس تسلمنا إلى الأمن، والإعلام يشوه صورتنا. التمسك بالسلمية هو والهوان سواء. لا مناص من المواجة والجهاد ضد الطاغوت (يقصد الرئيس السيسي)”. لذلك، يرحب خالد بالتعاون مع “داعش” ومبايعتها، وإن كان يؤكد اختلافه معها في كثير من النقاط الشرعية، لكن هذه أمور مؤجلة”، على حدّ تعبيره.
أما صابر البيلي، الشاب السلفي وعضو جماعة “حازمون” في الإسكندرية، فيبدأ كلامه لرصيف22 بترديد آيات قرآنية: “بسم الله الرحمن الرحيم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق”. يرى البيلي أن “الغرب الكافر يكيل بمكيالين، ويرتضي الذبح لأبناء الإسلام، وعلينا الصمت والرضوخ، أما لو دافعنا عن عقيدتنا نصبح إرهابيين وقتلة”. لا يتفق الشاب السلفي مع فكر “الدولة الإسلامية” لكنه يؤيدها ويثق في أنها “ستسود الأرض قريباً كما وعدنا رسول الله”.
تعليقاً على إمكان انتشار “داعش” في مصر، يقول محمد الرافعي، استاذ العلوم السياسية، لرصيف22: “انسداد الأفق السياسي أمام الشباب، بخاصة شباب الإسلام السياسي، سوف يدفع بهم إلى تبني الأفكار الأكثر راديكالية، وربما مبايعة الخليفة الداعشي فضلاً عن الميل إلى العنف والاستعداد الاستشهاد”. لكن الرافعي يستبعد انتشار أفكار التنظيم المتطرف في مصر إلى حد يمكّنه من السيطرة على الدولة. يعزو ذلك إلى اتساع الدوله وازدحامها بالسكان، “فنحن نتحدث عن قرابة الـ90 مليون نسمة. صعب جداً أن تكون الغلبه هنا لعناصر جهادية. مهما بلغ عددهم سيذوبون وسط الناس”. ولا يستبعد لجوء جماعات جهادية إلى تنفيذ عمليات إرهابية، “أما السيطره على مناطق بأسرها كما يحدث في سوريا والعراق، فيكاد يكون مستحيلاً