في حمأة المشهد الدولي والإقليمي المأزوم بين «المعسكر الاميركي» من جهة و«الروسي» من الجهة الأخرى على خلفية الإئتلاف الدولي لمكافحة الارهاب، يبدو المشهد اللبناني ،بحسب مصادر سياسية ،مشدودا الى ما يمكن أن ينتج عن هذا التأزم، مع تحويل التطورات الاقليمية ملف الاسرى العسكريين الى ما يشبه «اعزاز 2» في ظل الاصطفافات الجديدة وصعوبة ايجاد طرف مفاوض موثوق.
فعلى أهمية الملفات السياسية والاستحقاقات المتزاحمة والازمات الضاغطة، استأثر ملف العسكريين المخطوفين بالاهتمام السياسي، تقول المصادر ،في ضوء تطورات الساعات الاخيرة مع عودة اهالي العسكريين الى الشارع مصعدين من منسوب تحركاتهم بمسيرات واعتصامات ومواقف وصلت حدود التهديد جراء حرب التهديد والوعيد والضغط النفسي الممارسين من قبل تنظيمي «داعش» و«النصرة» لحمل السلطات اللبنانية على تنفيذ شروطهما ومطالبهما والا حسم امر جميع العسكريين خلال ثلاثة ايام، بعد الانهيار المفاجئ في المفاوضات وتبدد الاجواء الايجابية التي سادت عقب زيارة الوفد الحكومي اللبناني للدوحة والكلام الايجابي الذي سمعه من الجانب القطري، حيث اكدت المعلومات ان وسيط الدوحة سيصل الى بيروت خلال الساعات الاربع والعشرين المقبلة نتيجة الاتصالات التي اجراها بالمسلحين والوعد بعدم تنفيذ تهديداتهم باعدام اي عسكري .
بيانات التهديد تلك وضعتها المصادر الامنية في إطار «حرب استنزاف» معنوية في محاولة للضغط على الجانب اللبناني ودفع عملية التفاوض العالقة عند نقطة مبادلة المخطوفين بموقوفين في سجن رومية والتي باتت في سباق فعلي مع الحرب على الارهاب التي توضع اللمسات الاخيرة عليها والتي يمكن ان تفضي الى تعقيدات تفقد الارهابيين القدرة على استثمار ورقة العسكريين، دون استبعادها حصول «فرْملة» مقصودة في المفاوضات في انتظار تبلور حدود ونتائج الحرب المنتظرة وإن كانت الخشية كبيرة من ان تبادر «داعش» في حال مهاجمتها الى تصفية كل العسكريين اللبنانيين لديها، فتخسر «النصرة» بذلك امكان التفاوض،يفسر رفع الجبهة لتهديداتها خشية ان تطيح التطورات المرتقبة على الارض بأي مكتسبات آنية يمكن ان تحققها وتالياً ان يكون الملف داخل دائرة المراوحة التي قد تستمر اشهراً.
واعتبرت المصادر ان معطيات عديدة عكست تاثيرها على الملف وزادت من تعقيده، من المؤتمرات التي تعقد بهدف تنسيق وتوجيه الضربات لداعش والتنظيمات الارهابية الاخرى في
سوريا والعراق وفي اي مكان اخر، مرورا باشتراك
لبنان واشراكه الملتبس الى جانب الدول العربية في هذه المهمة ما يعني ان وجود «داعش» و«النصرة» ومن معهما من التنظيمات والعناصر الارهابية على الارض اللبنانية وتحديدا في جرود مدينة عرسال بات متعذرا لا بل مكشوفا امام الطيران الاميركي ومن معه، تأكد الارهابيين من صلابة الجيش اللبناني وتماسكه في مواجهتهما والرفض اللبناني لاحتضانهما على امتداد الأرض اللبنانية وتنامي الحديث عن إمكان قيامه بعملية عسكرية نوعية إذا ما فشلت الوساطات القائمة لاستعادة اسراه سالمين، وصولا الى اضطرار المسلحين لترك الجرود مع حلول فصل الشتاء وتعذر بقائهم حيث هم لافتقارهم لمقومات الحياة المطلوبة والنزوح باتجاه القلمون السورية، وسط الحاجة الى التمويل اللازم والتي ستزداد اكثر فأكثر مع بدء مواجهتها عسكريا واجبارها على التخلي عن منابع ومصافي النفط التي سيطرت عليها في
العراق وسوريا وتالياً التضييق عليها مالياً لتجفيف مصادر تمويلها على طريق قطعها نهائياً.
من جهتها دعت اوساط مطلعة على دقائق الملف الى ضرورة الحرص على ابقائه بعيدا عن المزايدات والسجالات والتوظيفات السياسية، مبدية تخوفها من تعثر المفاوضات، بعد استعجال الدولة اللبنانية في كشف «تكتيكاتها» واوراقها، ومن بينها هبة الاجهزة الامنية وعمليات توقيف عشرات السوريين من باب تعزيز اوراق القوة تلك، وفشل الجهات الراعية للمفاوضات في حل الملفات على الطريقة المهودة عبر عرض دفع فديات مالية مقابل الاسرى، ما اعاد الامور الى المربع الاول، وسط اصرار المسلحين على موضوع «المقايضة» تحت اي صيغة او شكل كانت، مقابل قرار رسمي تتجاذبه الاطراف السياسية المتناقضة، ما يدخل القضية في نفق مظلم راسما مستقبلا خطيرا ومخيفا في حال تنفيذ التهديدات لما له من تداعيات وعواقب على مجمل الوضع اللبناني الهش اساسا.
وفي السياق الامني، تزداد إحتمالات اهتزاز الاستقرار، بحسب التقارير الامنية التي تحدثت عن إحتمالات إنفجار الوضع من جرود عرسال، مع الكشف عن أن الجرفات التي نقلها المسلحون الى الجرود تستهدف شق طرق بديلة للطرق التي أقفلها الجيش، بعد قراره ضبط تهريب المازوت الى تلك الجرود ونزول المسلحين الى وادي حميد وخطفهم المعاون كمال الحجيري من مزرعته، التي افادت المعلومات ان لواء فجر الإسلام التابع لتنظيم «داعش» هو من يقف وراء خطفه، فيما اكد مصدر سوري في القلمون أن المعاون أول في الجيش كمال الحجيري أصبح في قبضة الدولة الاسلامية، وصولا الى دير العشائر من دون أن ننسى شبعا وتوابعها وما يقابلها في الجولان، وكشف مصدر في 8 آذار عن تسلل أشخاص تابعين للجماعات المتطرفة إلى الهرمل عبر جرودها، وسط استنفار للاهالي والاحزاب والقوى الامنية والعسكرية في المنطقة.
عزز هذا القلق المخاوف من إمكان العودة الى سيناريو السيارات المفخخة والإنتحاريين في ظل تقارير عن وجود مئات من اللبنانيين وغير اللبنانيين منضوين تحت راية «داعش»، وفي هذا الاطار عادت طرابلس الى الواجهة مع ظهور حالات «داعشية» تتولى قيادة مجموعات مسلحة في بعض احياء طرابلس، والمخاوف المتنامية من وجود خلايا نائمة بعدما بينت المعطيات المتوافرة عن انكشاف امني خطير تمثل في انضمام خمسة من ابنائها الى تنظيم الدولة الاسلامية في جرود عرسال وهم: أحمد ميقاتي وابنه عمر وهما مطلوبان للاجهزة الامنية في
لبنان، وبلال ميقاتي المتورط باعدام أحد الجنود اللبنانيين بحسب ما أظهرت تحقيقات أحد الاجهزة الامنية، اضافة الى محمد العتر الملقب بأبو يعقوب الذي كان حاضرا خلال اعدام أحد العسكريين، وشقيقه بلال العتر، وجميعهم كانوا قد غادروا مدينة طرابلس بعد البدء بتنفيذ الخطة الامنية، فضلا عن ورود إتصال تهديد الى غرفة عمليات سرية زغرتا من رقم خليوي عرف صاحبه عن نفسه بانه يدعى سيف الاسلام وسوف يفجر نفسه بالجيش بحزام ناسف، محذرا من دخول الجيش الى وادي خالد «لانه سوف يرى مفاجآت كبيرة».
ولدى معاودة غرفة العمليات الاتصال به صرح انه في الانتظار، ولا يبدو ان المشهد الداخلي المتآكل سيفرز اي جديد سياسيا أو امنيا أو اجتماعيا يوحي بامكان احداث خرق في اي من الازمات المعقدة والمتداخلة ببعضها البعض، الى درجة بات يصعب التكهن بمصيرها.
فالانتخابات الرئاسية لم تعد في حسابات اهل السياسة، حتى ان الجهود والمساعي التي بذلت من قبل بعض الاطراف ان لمحاولة اقناع المعرقلين بالعودة عن قرارهم او حتى لمجرد ملء الوقت الضائع، تبدو اختنقت عند عقدة ترشح القادة، وملف العسكريين المخطوفين الذي اصبح طبقا رئيسيا في اي لقاء داخلي او خارجي يلفه الغموض المطبق على حقيقة ما اذا كان الوسطاء تمكنوا من احراز تقدم يتيح المراهنة على وضع حد للازمة واطلاق سراح جميع العسكريين وعودتهم سالمين.
اما الملف الاقتصادي فيترنح في دائرة المعاناة المستمرة بعدما بلغ الوضع حافة الانهيار وتوالت صرخات الهيئات الاقتصادية وتحذيراتها من خطورة ما آلت وستؤول اليه الامور في حال استمرار البلاد من دون رئيس جمهورية، فيما خفتت اصوات النقابيين المطالبين باقرار سلسلة الرتب والرواتب بعدما بح صوتهم من دون نتيجة.