وسط الاحداث الاقليمية – الداخلية الطاغية على الساحة العربية واللبنانية اليوم، أجرى موقع التيار.اورغ اتصال هاتفي مع مدير عام الاوقاف الاسلامية في دار الفتوى الشيخ هشام خليفة للوقوف عند أبرز المستجدات التي تشغل الرأي العام، وكان لنا هذا الحديث:
س: ما رأيك بممارسات ” داعش ” و ” جبهة النصرة ” في سوريا والعراق التي تهدف بشتّى الوسائل لقيام ” الدولة الإسلامية ” ؟
ج: إنّ ما يردنا من أخبار عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وعبر القنوات الصحافية، وما تعرضه هذه الوسائل من صور، يشكّل بإجماله حالة مرفوضة تماماً بإعتبار أنّها أولاً تخالف القواعد الشرعية في التعامل مع الناس ولو كانوا في حالة حرب.
ثانياً، إنّها تخالف ما أصبح معروفاً من العلاقات المشتركة بين المواطنين رغم إختلاف إنتماءاتهم الفكرية والمذهبية والطائفية.
ثالثاً، إنّ القيمين على هذا العمل ليسوا في موقع يؤهلهم لذلك، بإعتبار أنّهم ليسوا مكلّفين من المُسلمين أن يتكلموا بإسم الإسلام، فهم يمثلون حالات خاصة لاقت الإستهجان والإستنكار من كل المعنيين في الشأن الإسلامي بالذات. وهذا أصبح معلوماً لدى الجميع، من التصاريح المهمة والكبيرة على مستوى القمم السياسيّة من ملوك وحكام ورؤساء، وعلى مستوى القمم الدينية من مرجعيات دينية كبيرة في جميع أقطاب العالم الإسلامي.
ومما لا شكّ أنّ الرفض يكون أيضاً لإعتبار أخير، أنّ هذه الصور التي بدأت تُنشَر في كل مكان، تشكِّل إساءة واضحة للأصول الإسلامية المبنيّة على التعارف، والتفاهم، والحوار، والتقارب، وترسيخ مبادئ العيش المشترك بسلامٍ وأمان. وذلك مع التأكيد بأنّ حالات الحرب قائمة في أيّ مجتمع، ولكن السؤال هنا ” من الذي يُعطي قرار الحرب ؟ من الذي يخوض هذه الحرب ؟ وما هي الأدبيّات التي يجب أن تُراعى أثناء الحروب ؟ ”
س: هل تؤيد التفاوض مع الإرهابيين وبما في ذلك إطلاق سراح الموقوفين بقضايا وجرائم إرهابية من سجن رومية؟
ج: يعود الأصل في هذا الأمر إلى أصحاب القرار. إنّ التفاوض هو فعل ناتج عن وقائع مهمّة وخطيرة، إضافةً إلى تقييم هذه الخطورة وما يتبع ذلك، يعود إلى مجمل معطيات تشمل القرار السياسي، والقرار الأمني، وما إلى ذلك. لا يستطيع شخص محدّد أن يعلن تأييده أم رفضه لهذا القرار.
ولكن بالمبدأ إنّ التفاوض مع أي مرتَكِب ومخالف للقانون هو مرفوض. إنّ هذا التفاوض غير مسموح لا بالشرع، ولا بالقانون ولا بالدين. وبحسب الشرع الإسلامي، إنّ من إرتكب جرماً ووصل الأمر إلى الحاكم، فعلى الحاكم أن يحاكمه ويعاقبه وفق الأصول المعتمدة والقوانين الثابتة. وقد يرى الحاكم في حالات استثنائية ما لا يراه الآخرون، وهذا يعود للحاكم مع مستشاريه من السياسيين، والأمنيين، والدينيين.
س: كيف ترى قرار وزير العدل أشرف ريفي بملاحقة شاب أحرق علم ” داعش ” في الأشرفية، وخصوصاً أنّ هذا القرار جاء بعد ثلاثة أسابيع من الحادثة، ومع العلم أنّ هذا العلم ما كان للإساءة بالدين الإسلامي، بل حصل تعبيراً عن رفض لممارسات داعش بحق المسيحين والمسلمين وكلّ من يختلف عنه من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان. وقد رأينا تداعيات هذا القرار، ومنها تهديد ” جبهة النصرة ” بقتل المخطوفين العسكريين المسيحيين رداً على إحراق العلم؟
ج: إنّ أصل هذا الأمر مرفوض، وردات الفعل المسيئة من أيّ جهة جاءت، وبالتالي شاهدنا ردات فعل عكسيّة على إحراق العلم.
إذا أردنا أن نبرّر، فهذا التبرير سيفتح باباً واسعاً للإساءة والتطاول. أنا مع ضبط ردات الفعل ولندع الأمر إلى أصحاب الحكم والعقل، وإلى أصحاب القرار في هذه القضايا، لأنّ لبنان يمرّ بمرحلة خطيرة جداً. وأنا أشبّه لبنان اليوم كرجلٍ مريض يحتاج إلى عناية دقيقة، ولا يجوز أن نترك لجراثيم العصبيّة وجراثيم الإنفعالات أن تؤثّر على هذا الجسم الذي يجب أن يكون جسداً واحداً صحيحاً في مواجهة الخطر الأكبر.
إنّ إحراق علماً هنا، وكتابة على حائط هناك، لن يقدّم ولن يؤخِّر إلاّ بإتجاه زيادة التنافر والتناحر والعداء، وهذا أمر مرفوض، وبالتالي أؤيد كل قرار يؤخذ من أيّ مرجعية سياسيّة لضبط الجميع من دون استثناء، ولا أتكلم هنا عن حادثة الأشرفية، لأنّ ردات الفعل هي مرفوضة ومستهجنة.
أمّا مقولة أنّ العلم الذي أٌحرِقَ لا يمثّل الإسلام، إنّ هذا العلم بإجماله لا يمثّل، ولكن ما كُتِب عليه هو يمثّل الإسلام، وهنا يكمن الخطر. إنّ من أحرق العلم، غير مدرك للكتابة الموجودة، وكان يظن أنّه يحرق علم يعود لداعش. ولكن عند المسلم، هذه الكتابة الموجودة من شعار التوحيد، ومن إسم النبي محمد لها أبعاداً دينية.