ما يتفق عليه الجميع أن الملف الرئاسي سيكون جزءا أساسيا ومتصدرا من حوار المستقبل-
حزب الله، وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا معنى لهذا الحوار الذي وضعت خارجه كل الملفات
الخلافية التي لها أبعاد إقليمية وسيكون حوارا فارغا من دون مضمون ومن دون هدف،
ولكن الاختلاف واقع حول كيفية مقاربة الملف الرئاسي وما سيئول إليه. ففي وقت يرفع
تيار المستقبل يافطة «الرئيس التوافقي» لم يبلغ حزب الله هذه المرحلة ولم يخرج بعد
من موقفه ومرشحه العماد ميشال عون.
وعشية انطلاق هذا الحوار، تسود نظريتان ومعادلتان فيما خص
موضوع رئاسة الجمهورية:
1 ـ المعادلة الأولى السائدة على نطاق واسع في أوساط 8
آذار، ومفادها أن الحوار الرئاسي بين المستقبل وحزب الله لا يعني حكما وبالضرورة أن
عون صار خارج البحث والتداول، وأن مبدأ الرئيس التوافقي قد حسم، فإذا كان الرئيس
سعد الحريري يسعى من خلال هذا الحوار الى العودة الى رئاسة الحكومة بعد الاتفاق على
رئيس جديد، فإن رئاسته للحكومة تقابلها رئاسة عون للجمهورية ومن منطلق أن التوازن
في الحكم (السلطة التنفيذية) يفرض إذا كان رئيس الحكومة من صقور وقيادات 14 آذار أن
يكون رئيس الجمهورية من صقور وقيادات 8 آذار، وبالتالي فإن معادلة «عون ـ الحريري»
لاتزال قائمة كخيار واقعي وعلى الأقل كاحتمال نظري. وإذا كان عون خاض حوارا مع
الحريري على امتداد أشهر على أساس هذه المعادلة ووصل الى طريق مسدود بعدما أخذ
الحريري في موضوع الحكومة من دون أن يعطي، لعدم رغبة أو عدم قدرة، في موضوع
الرئاسة، فإن حزب الله يكمل في حواره مع الحريري ما كان بدأه عون وينطلق في «سباق
البدل» من النقطة التي توقف عندها حوار عون الحريري، وبالتالي فإن إعلان حزب الله
أن مرشحه هو العماد عون ليس مناورة سياسية ولا موقفا عاطفيا وإنما هو خيار مبني على
حسابات سياسية واستراتيجية، وحيث ليس في حسابات الحزب تكرار سيناريو 2008 (الإتيان
بـ «ميشال سليمان آخر» وممارسة ضغط على عون للانسحاب) ولا تكرار سيناريو 2005
(التحالف الرباعي على حساب عون).
2 ـ المعادلة الثانية السائدة على نطاق واسع في أوساط 14
آذار ومفادها أن التوازن السياسي النيابي يمنع على أي فريق (8 و14 آذار) إيصال
مرشحه وكسب معركة النصاب (تأمين الثلثين)، وبالتالي فإن معادلة الرئيس التوافقي
ستفرض نفسها في نهاية المطاف وسيجد حزب الله نفسه عاجلا أم آجلا بحكم التوازن
الداخلي الدقيق وتحت وطأة تصاعد الضغوط والمداخلات الدولية والإقليمية أمام حتمية
الانتقال الى التفاهم على الرئيس التوافقي إذا كان يريد للأزمة السياسية وللفراغ
الرئاسي حلا. وهذا معناه أن تعاطي حزب الله مع عون سيتحول من مرحلة «عون هو الرئيس»
إلى مرحلة عون هو الشريك في عملية الرئيس التوافقي، والملف الرئاسي يمر في الرابية
ولكنه لا يقف عندها.
في هذا المجال يطرح حزب الله مسألة إرضاء عون والثمن
السياسي الذي سيعطى له مقابل تنازله عن رئاسة الجمهورية، وبات شائعا أن التقديمات
والمطالب باتت تتمحور حول النقاط التالية:
? دور وكلمة في اختيار الرئيس التوافقي وإعطاء عون حق
الفيتو، بمعنى أنه ليست له قدرته إيصال من يريده ولكن له حق استبعاد من يرفضه.
? الحكومة الجديدة (الحصة الوازنة مع بقاء وزارتي
الخارجية والطاقة في يد التكتل).
? قانون الانتخاب للوصول الى القانون الأنسب والأقرب إلى
مبدأ المناصفة، وليكون الحصول على هذا القانون هو البديل والتعويض عن عدم الوصول
الى «الرئيس القوي».
? قيادة الجيش التي تطرح مسألة التغيير فيها مع كل رئيس
جديد، ويطرح اسم العميد شامل روكز في لائحة الترشيحات لهذا المركز الحيوي.
وفي حال انتخاب رئيس توافقي للجمهورية وسيكون أقرب الى 8
آذار، فإن رئيس الحكومة الأولى في العهد الجديد سيكون توافقيا ومحسوبا على 14 آذار،
هذا منطق حزب الله، أما منطق تيار المستقبل فيقول ان عودة الحريري الى رئاسة
الحكومة ليست متصلة برئيس الجمهورية وهويته السياسية، وإنما بالواقع السني
والأكثرية النيابية.
في ظل هاتين المعادلتين ترتسم 3 احتمالات:
ـ الاحتمال الأول الاضعف وشبه المستحيل في ظل المعطيات
والتوازنات الراهنة هو انتخاب عون رئيسا للجمهورية.
? الاحتمال الثاني الوارد والممكن ولكن ليس في القريب
العاجل وإنما ابتداء من مطلع الربيع القادم هو الاتفاق على رئيس للجمهورية من ضمن
ترتيبات سياسية للمرحلة المقبلة.
? الاحتمال الثالث والأقوى حتى الآن هو استمرار الوضع
الحالي حتى إشعار آخر وإلى أن يطرأ تحول جذري في المسار الإقليمي: من جهة استمرار
معادلة «عون ـ أو الفراغ»، ومن جهة ثانية استمرار حكومة سلام حتى نهاية ولاية
المجلس الممدد له، وأيضا استمرار القيادات العسكرية والأمنية في مراكزها.