إقامة مخيمات للنازحين السوريين في مناطق قريبة من الحدود اللبنانية ـ السورية،
يشكو لبنان من عدم وفاء الدول المانحة بالتزاماتها لتقديم مساعدات مالية وعينية
تمكن لبنان من الاستمرار في تقديم الرعاية اللازمة للنازحين.
وقد أبلغ رئيس الحكومة تمام سلام الوزراء بأنه ينوي إثارة هذا الملف بكثير من
التوسع والموضوعية لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، خلال مؤتمر مجموعة الدعم
الدولية الذي سينعقد في برلين نهاية الشهر الجاري بحضور ممثلين عن 40 دولة.
ويأمل الرئيس سلام أن يضع المؤتمر آلية لمتابعة الدعم المالي واللوجستي والأمني
ليصار في ضوئها تقدير الدعم اللازم عبر الصندوق الائتماني الذي أنشأه البنك الدولي
لهذه الغاية.
وتفيد مصادر وزارية معنية بارزة بأن الدولة اللبنانية في أزمة حقيقية في التعامل
مع النزوح السوري، إذ لا توجد وحدة حقيقية في الموقف، ولا يوجد وضع سوري مؤهل
لإعادة النازحين إلى سورية.
وتلفت إلى أن كل الحلول المطروحة لقضية النازحين السوريين ليست مثالية، سواء
أكان إبقاؤهم منتشرين عشوائيا، مثلما هي الحال اليوم، أم وضعهم في تجمعات سكنية
مثلما فكرت الدولة في مرحلة ما، الحل النهائي والطبيعي للنازحين هو عودتهم إلى
بلادهم، إذ إن الأمر لم يعد من تداعيات الحرب السورية على لبنان، بل من تداعيات
النزوح الذي باتت انعكاساته مستقلة عن تداعيات الحرب السورية تحديدا، إن الأمر بات
فعلا وليس رد فعل.
والنازحون باتوا في حد ذاتهم عبئا يولد تداعيات، وان يستمر وضع النازحين
السوريين في لبنان كما هو عليه، فهذا يعتبر بمثابة إسقاط للكيان اللبناني، الجميع
يتحدث عن تأثير النزوح السوري على الوضع الاقتصادي والمالي، لكن قليلين من يتحدثون
عن تأثير ذلك على الكيان اللبناني.
فالنزوح بشكله الأمني والنوعي والعددي، أسقط الحدود اللبنانية ـ السورية، وضرب
النسيج الاجتماعي، وغير في الديموغرافيا وبالتالي أصبح يشكل تهديدا للكيان اللبناني
وللوحدة اللبنانية، واليوم هناك خشية لدى البعض من ان يتحول النزوح الى هجرة
فاحتلال للبنان.
وهذا ما لا يستطيع اللبنانيون تحمله سواء أكانوا مسيحيين أم مسلمين، ولا بد من
وقفة وطنية جامعة حيال الموضوع.
هناك من يقول إن إقامة المخيمات سيحولها إلى تجمعات تتعرض للقصف في أي لحظة أو
تصبح بؤرا أمنية، لتكون فيما بعد صورة طبق الأصل عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
هؤلاء لا يأخذون بعين الاعتبار حجم انتشار الوجود السوري في لبنان في كل منطقة
أو تجمع طائفي أو مذهبي أو جغرافي لنفقد فيما بعد السيطرة على الحركة الداخلية لهذا
الوجود.
الوزير المعني بهذا الملف «وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس» ينطلق من هذا
الواقع للقول إنه «عند وجود أي احتقان، فإننا نلجأ في بادئ الأمر إلى إبعاده عن
الأماكن الحساسة والأساسية، وكان تفكيري ومن ثم اقتراحي أن نعتمد مناطق بعيدة عن
العمران وقريبة من الحدود لإقامة مخيمات متوسطة تكون تحت الرقابة الأمنية والصحية
والتربوية».
لا ينكر درباس ان التخوفات من إقامة مخيمات للنازحين وجيهة، «ولكن هناك فرقا بين
وجود 1400 مخيم عشوائي وليس لديك سلطة عليها ولا تعرف ما يحصل في داخلها».
ويلفت درباس الانتباه إلى أنه إذا كان الأمر غير ممكن في المنطقة الحدودية
العازلة، فلنبحث عن منطقة غير عازلة ولكن قريبة من الحدود اللبنانية السورية كما
فعل كل من الأردن وتركيا لمنع الاختلاط، أما نحن فنتركهم «سياح نياح».
ويحذر درباس من أن «من بين مليون ومائتي ألف نازح قد يكون هناك مائة ألف شاب
أدوا خدمتهم العسكرية، وإذا وصل السلاح إلى أيديهم يعني أنهم سيصبحون أقوى من الجيش
اللبناني».
الوزير المعترض في هذا الملف جبران باسيل يكرر أن إقامة مخيمات «أمر غير وارد
إطلاقا، وأي مخيم يقام من دون موافقة حكومية غير شرعي ولا يعطي سكانه حقوقا، هذا
أمر مرفوض تماما وهو توطين مقنع وتمهيد لتوطين السوريين».
وقال إن «الحكومة اللبنانية مطالبة بوضع خطة جدية لخفض عدد النازحين، بتنا اليوم
في مرحلة لا يجوز أن نقبل بأقل من تناقص الأعداد وليس تجميدها، وهناك إجراءات
يمكننا اتخاذها ولا نفعل، مثل منع غير النازحين من دخول لبنان، ونزع صفة النازح عمن
لا يستحقها».