اذا كان المراقبون للمواقف المتناقضة التي غالبا ما يطلقها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط يجدون لها مبررات واسباباً، الا ان المواقف التي اطلقها الزعيم الدرزي من على شاشة احدى الفضائيات ليل الاول من امس عصية على التفسير ويعجز عن فهمها الضاربون في الرمل السياسي، لا بل شكلت صدمة لدى المتابعين لايقاع جنبلاط السياسي وفق الاوساط المواكبة للمجريات، لا سيما وان قول الشيء وعكسه في اللعبة السياسية شيء معهود ان لم يكن عرفاً لدى اصحاب فن الممكن في الحالات العادية، الا انه مرفوض في الحالات الاستثنائية التي تشكل محطات مفصلية في حياة الشعوب والمجتمعات.
وتضيف الاوساط ان مواقف جنبلاط هذه لا مبرر لها سوى الرعب، فهو قلق على مصير طائفته في زمن الفوضى الخلاقة ولكن هذا الخوف لا يبرر له اعطاء صك براءة «لجبهة النصرة» وكأنها احدى «الاخويات» من تهمة الارهاب ولا «لداعش»، التنظيم الذي اعتبره سيد المختارة «ظاهرة تملأ الفراغ» خصوصاً وان موقفه من «الوحش التكفيري» لا تزال اصداؤه تتردد في الاروقة السياسية، وهو من اطلق هذا التوصيف على التنظيمين الارهابيين منذ فترة وجيزة، فما هي الاسباب التي فرملت اندفاعة جنبلاط ضد التكفيريين، هل هذا الخوف من تحول المنطقة الدرزية من القنيطرة الى شبعا خطوط تماس مع «النصرة» المدعومة عسكرياً ولوجستياً من اسرائيل، ام ان لدى الزعيم الدرزي معلومات استقاها من الخارج املت عليه مواقفه المستجدة؟
ولعل اللافت وفق الاوساط ان جنبلاط يحاول الجمع بين الماء والنار، فبالاضافة الى اعطائه شهادة «للنصرة» التي تأتمر باوامر تنظيم «القاعدة» العالمي تبرئها من تهمة الارهاب، فانه بالمقابل وازن الامر سورياً معتبراً ان «سقوط الجيش السوري يعني سقوط الدولة» ودخول المنطقة جحيم الصوملة، فهل استشرف «ابو تيمور» طلائع سقوط اتفاق «سايكس – بيكو» وتداعياته على المنطقة بقبائلها وطوائفها وكياناتها، واراد من خلال مواقفه ان يحيّد الموحدين الدروز من المعمعة علماً ان «النصرة وداعش» يكفران كل من ليس معهما وان الحياد في مرحلة تتطلب «ابيض او اسود» يشكل مقتلاً لصاحبه.
وتشير الاوساط الى ان الزعيم الاشتراكي ربما اراد بقتاله التراجعي «تنظيم الخلاف» مع التكفيريين مع العلم ان هذه المقولة تصح مع خصومه السياسيين التقليديين الا انها لا تصح مع شذاذ الافاق اصحاب حضارة الذبح والسبي و«نكاح الجهاد» الذين يحللون دماء كل من ليس معهم، وان تقديم اوراق اعتماد او منحهم شهادات حسن سلوك لا تجدي نفعاً في لعبة «قاتل او مقتول»، وان دعوته للدروز اثناء جولته في منطقة راشيا وحاصبيا بالعودة الى تأدية الفرائض الخمس واعادة بناء المساجد لن تردع التكفيريين من استباحة الجبل الدرزي في حال امتدت المعارك من مقلب جبل الشيخ السوري الى المقلب اللبناني، اضافة الى ان موقفه هذا احدث صدمة لدى قواعده الدرزية وفي صفوف معظم المشايخ كون الدروز مذهباً من مذاهب الاسلام، وليسوا بحاجة الى شهادة احد.
وتضيف الاوساط ان جنبلاط الذي كان سباقاً الى طرح مبدأ «المقايضة» في ملف العسكريين انتزع ورقة من يد المفاوض اللبناني، ثم تراجع عن هذا الامر في اطلالته التلفزيونية واثر كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري ان «السجناء الاسلاميين يحركون مجموعات ارهابية من «فندق رومية»، ما يطرح السؤال البديهي هل ان الرعب يتحكم بمواقف جنبلاط ام ان ما لديه من معطيات ومعلومات املت عليه ذلك؟
اسكندر شاهين