ما يدفع الى طرح هذا السؤال جملة تطورات أمنية شهدها لبنان في الآونة الأخيرة في
أعقاب أحداث العراق وما شهدته من «طفرة وفورة ونجومية» لتنظيم الدولة الإسلامية
(داعش) الذي بدأت عاصفته تلفح الأجواء اللبنانية، هذه التطورات حسب تسلسلها
الزمني:
? رفع رايات «داعش» وأعلامها ومبايعتها على غرار ما جرى في بعض مناطق طرابلس
وداخل مخيم عين الحلوة، بعدما وضعت تنظيمات إسلامية حراك «داعش» عراقيا في خانة
«الانتفاضة السنية»، وسارعت الى الاستفادة معنويا ما يجري.
? استيقاظ وتحرك خلايا نائمة ومنفصلة (مجموعة زريقات ـ خلية القلمون ـ خلايا
الفنادق ـ بقايا حالة أحمد الأسير) في ظل وهج «انتصارات داعش» في العراق وما أحدثته
من إعادة بعث الحركة الإسلامية في المنطقة ولبنان بعدما كانت هذه الحركة تلقت ضربة
موجعة بعد سقوط الإخوان المسلمين في مصر، وهذا الأمر أثار خشية من أن تكون «داعش»
نجحت في الفترة الماضية في تجنيد خلايا نائمة وغب الطلب، ومن أن تقوم «داعش» على
إغواء مجموعات أصولية للانخراط معها.
? تعيين «داعش» بعد إعلانها قيام الخلافة الإسلامية أميرا لها على لبنان هو
عبدالسلام الأردني، وهذا يعني أن الساحة اللبنانية ملحوظة في خطة «داعش»
واستراتيجيتها الساعية الى الخلافة والى خلق بنية تحتية وبيئة حاضنة لها
مستقبلا.
? إعلان «لواء أحرار السنة بعلبك» الذي أعلن مبايعته لـ «داعش» وعبر «تويتر» عن
توكيل مجموعة خاصة من المجاهدين لتطهير إمارة البقاع الإسلامية بشكل خاص وإمارة
لبنان بشكل عام من «كنائس الشرك» ولإيقاف قرع «أجراس الشرك»، كما نشر هذا اللواء
صورة غير واضحة لمن قال انه قائد المجموعة الموكلة باستهداف الصليبيين في لبنان
المجاهد عمر الشامي في غرفة عمليات خاصة بتصنيع العبوات الناسفة، وهذا الإعلان أحدث
موجة من البلبلة والتصريحات والتحركات لمرجعيات دينية، ودفع الى إجراءات أمنية
جديدة.
مصادر سياسية ورسمية (حكومية) في بيروت تنظر الى هذا الوضع المستجد وتتعاطى معه
على أساس أنه لا يمكن التقليل من شأن خطر «داعش» وسعيه للتمدد والتسلل الى لبنان،
ولا ينبغي في المقابل المبالغة في تضخيم هذا الخطر والوقوع في حال هلع غير مبرر.
وفي التفاصيل:
1 ـ لبنان أصبح ساحة مشرعة على الأخطار الوافدة من العراق وسورية ويدخل في نطاق
الارتدادات المتأتية من «الحدث الداعشي»، ولا يمكن تجاهل وإغفال هذا الخطر مع وجود
احتمال لجوء طرف إقليمي أو محلي الى استخدام حالة «داعش» لبنانيا وتكبير حجمها
واستخدامها كـ «فزاعة» أو وسيلة تأثير على الوضع.
2 ـ لبنان ليس العراق وسورية وليس بيئة للإرهاب والتطرف ويملك مقومات حضارية
وسياسية لمنع هذا المد المذهبي من الوصول إليه، وحيث أن كل الطوائف تشعر بأنها
مهددة بخطر الإرهاب وتقف صفا واحدا لمواجهته. لبنان بتركيبته السياسية والطائفية لا
يمكن أن يشكل بيئة حاضنة ومرتكزا للحالة «الداعشية» التي تناقض الحالة اللبنانية
القائمة على الاعتدال والانفتاح والتوازنات الدقيقة.
3 ـ ضبط الحدود اللبنانية ـ السورية وإقفالها بشكل شبه كامل في وجه المجموعات
المتطرفة ساهم الى حد بعيد في فك ارتباط الداخل اللبناني بأزمتي سورية والعراق.
وهذا لإقفال في خطوط التواصل البري هو الذي دفع المجموعات الإرهابية الى توسل
الخطوط الجوية للوصول الى لبنان.
4 ـ هناك حالة جاهزية قصوى لدى الأجهزة الأمنية وحالة تنسيق غير مسبوق فيما
بينها، إضافة الى تمتعها بحماية وتغطية سياسية من حكومة ائتلافية جامعة في أساسها
شراكة المستقبل ـ حزب الله اللذين رغم كل الخلافات السياسية تتقاطع مصلحتهما على
ضرب الإرهاب وحفظ الاستقرار، واستمرار الحكومة.
5 ـ رغم هذه العوامل المطمئنة والكفيلة بكبح جماح الإرهاب والحد من خطورته في
لبنان، إلا أن هذا الوضع لا يعني أن لبنان في وضع مستقر وفي مأمن ومنأى، لا بل من
المتوقع ومن الطبيعي أن تحصل خروقات واهتزازات وتفجيرات تظل معزولة في مكانها
ومفاعيلها.
كما أنه لا يعني أن الوضع خال من ثغرات سياسية وأمنية قابلة للاتساع إذا لم يصر
الى سدها عبر ثلاث خطوات أساسية: انتخاب رئيس للجمهورية سريعا، والالتفاف السياسي
والشعبي حول الجيش والقوى الأمنية، وإحياء الحوار الوطني للاتفاق على المسائل
الساخنة أو على الأقل لتنظيم الخلاف حولها.