في خطوة غير مسبوقة لمسؤول أوربي رفيع المستوى قام وزير الخارجية الفرنسي السابق برنارد كوشنير بزيارة مفاجئة إلى مدينة القامشلي السورية يوم الثلاثاء الماضي، وكان في استقباله من معبر “سيمالكا” الحدودي بين سوريا والعراق مسؤولون في الإدارة الذاتية (المعلنة قبل حوالي عامين من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي) ومن المفترض بحسب مصدر خاص في الإدارة الذاتية “فضل عدم الكشف عن اسمه” أن يستكمل كوشنير زيارته اليوم الأربعاء بزيارة مدينة عامودا عاصمة مقاطعة الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية مؤكدا أن الزيارة ستستغرق عدة أيام سيقوم خلالها الوزير الفرنسي بزيارة كافة المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية بما فيها المؤسسات الأمنية والعسكرية.
ولفت المصدر بأن زيارة كوشنير تأتي في سياق الانفتاح الدولي والإقليمي على الإدارة الذاتية بعد تمكن قواتها “وحدات حماية الشعب” من إثبات قدراتها بالتصدي لهجمات تنظيم داعش في عدد من المناطق وبوجه خاص مدينة كوباني “عين العرب” مؤكداً بأن الوزير الفرنسي موفد رسمي من قبل الحكومة الفرنسية.
هذا وكان وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس قد أعلن أن بلاده تسعى لإنقاذ مدينة حلب السورية وإنشاء “مناطق أمنية” محظورة على طيران النظام السوري وعلى تنظيم الدولة الاسلامية.
وأكد فابيوس في حديث لإذاعة فرانس انتر “اننا نعمل مع مبعوث الامم المتحدة ستافان دي ميستورا لمحاولة إنقاذ حلب ومن جهة أخرى لإقامة ما يعرف بـ”المناطق الآمنة” مضيفا “سبق وقلت قبل بضعة اسابيع في الصحافة الفرنسية والدولية انه يجب انقاذ جلب، لانني كنت احدس منذ ذلك الحين انه بعد كوباني حيث تم وقف تقدم “داعش”، سيكون الهدف المقبل لداعش انما كذلك لبشار الاسد هو حلب. غير ان التخلي عن حلب سيعني الحكم على سوريا وجيرانها بسنوات، واكرر سنوات، من الفوضى مع ما يترتب عن ذلك من عواقب بشرية فظيعة”.
وتأتي التحركات الفرنسية هذه عقب زيارة المبعوث الدولي (دي متسورا) إلى دمشق في مساعيه للحد من مأساة السوريين بإقامة مناطق عازلة، والذي أعرب للمسؤولين السوريين عن حرصه على التنسيق مع دمشق، مشدداً على أنه لم يبلور رؤيته الخاصة بتنفيذ تلك المبادرة بعد، وإن كان قد وجد ترحيباً من الدول الأعضاء في مجلس الأمن بتلك المبادرة التي لا تعني وقف إطلاق النار بالمفهوم التقليدي وبدء مفاوضات تقليدية لنزع السلاح، إنما تجميد الأمور على ما هي عليه ميدانياً.
وكان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو قد شدد خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه برئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني في زيارته الأخيرة لمدينة أربيل العراقية على ضرورة إقامة مناطق آمنة في شمال سوريا تحسبا لموجات جديدة من النزوح.
وتخوض وحدات حماية الشعب التابعة للإدارة الذاتية منذ أكثر من عامين اشتباكات في المناطق ذات الغالبية الكردية من الشمال السوري ضد هجمات مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق تتداخل فيها سيطرة كلا القوتين وبوجه خاص في مدينة الحسكة والتي تعتبر المدينة الوحيدة في سوريا التي تتواجد فيها ثلاث قوى (داعش، النظام، وحدات حماية الشعب) حيث يتكثف وجود داعش في حيي الغويران والنشوة وتسيطر وحدات حماية الشعب على حيي العزيزية والصالحية لوجود أغلبية كردية فيهما فيما يسيطر النظام على وسط المدينة ويتخوف مواطنو مدينة الحسكة من تكرار سيناريو مدينة كوباني في مدينتهم بعد تمكن تنظيم داعش من السيطرة على الطريق القديم الذي يربط المدينة بالقامشلي فضلا عن انسحاب الوحدات الكردية من مركز المدينة واقتصار وجودها في الضواحي.
وفي سياق متصل ذكرت مصادر كردية مطلعة بأن النظام السوري قام مؤخراً بعد الإعلان عن اتفاقية دهوك العراقية التي أقيمت برعاية رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني بين قطبي الحركة الكردية في سوريا (المجلس الوطني الكردي، حزب الاتحاد الديمقراطي) قام بدعوة عدد من رؤوس العشائر العربية الموالية (عشيرة طي، عشيرة جبرو، عشيرة حرب) إضافة لما يعرف بـ (عرب الغمر) للوقوف على تداعيات هذا الاتفاق وسبل الوقوف في وجهه وبحسب تلك المصادر فإن اللقاء تمحور حول الحد من نفوذ القوى الكردية وإبداء المخاوف إزاء النتائج المتوقعة من اتفاقية دهوك، وكأحد نتائج الاجتماع تم إقرار تسليح هذه العشائر للتصدي لأي تحركات كردية محتملة.
التحركات الأخيرة لكل من النظام السوري وتنظيم داعش في المناطق ذات الغالبية الكردية من الشمال السوري قد يجعل من قيام مناطق عازلة في الشمال السوري، أمرا لا مفر منه ومن المحتمل جدا أن يكون ذلك من بوابة الأقلية الكردية في خطوة أخرى من النظام السوري باللعب على وتر الأقليات لخلط أوراق (دي ميتسورا) وإبعاد نفسه عن مخاوف التنازل عن السلطة بزرع الفتنة بين المكونات السورية كما فعل ذلك في كوباني وغيرها من المناطق.