“كل دولة في العالم عندما تشعر بوجود خطر يتهدّدها تلجأ إلى اغلاق الحدود ريثما تنتهي من الترتيبات الأمنية التي لا بد منها”… هكذا ألمح وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة اللبنانية رشيد درباس إلى إمكانية إقفال الحدود مع سورية على خلفية أحداث عرسال، في كلمةٍ ألقاها بعد التئام اللجنة الوزارية المكلفة متابعة أزمة النزوح السوري إلى لبنان، برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وحضور وزيري الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والداخلية والبلديات نهاد المشنوق.
خُصّص اجتماع اللجنة الوزارية الأخير في السراي الحكومي لبحث موضوع النزوح بعد تداعيات أحداث عرسال التي أدت إلى ما أدت إليه من خلل أمني واجتماعي، وهو ما أسماه درباس “بالكارثة البشرية التي أحاطت بالمدينة وسكانها”. وصمّمم المجتمعون على ضرورة الإمساك بهذا الملف من قبل الدولة بصورة صارمة وألا تترك الأمور لأي جهة أخرى.
كل الاحتمالات واردة
يؤكّد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ”صدى البلد” بأن “كل الاحتمالات واردة من أجل حماية وطننا وشعبنا وضيوفنا، ومن ضمنها إقفال الحدود. والدولة اللبنانية هي سيّدة أراضيها فالقرار الأوّل والأخير لها”.
مشيراً إلى أن “إقفال الحدود هو أحد الخيارات، ومن الممكن ألا نضطر للجوء إليه، ولكننا طرحنا عدّة أفكار للجوجلة، أما النتائج النهائية فلم نصل لها بعد، على أن أوضّح الأمور وأشرحها أكثر بعد اجتماع مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل(غدا)”.
نازح/غير نازح
وأكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بدوره لـ”البلد” بأن “كل شيء ممكن، حتى إقفال الحدود، بما يحفظ لبنان ومصلحة اللبنانيين”. هذا ويُذكر بأن المديرية العامة للأمن العام كانت قد ذكّرت أمس جميع الرعايا السوريين في لبنان “بوجوب تدوين صفة نازح أو غير نازح، مع ذكر رقم التسجيل لدى المفوضية العليا للاجئين في حال وجوده وذلك عند تقدمهم من مراكز الأمن العام الحدودية لإتمام معاملاتهم الإدارية والقانونية”.
فهل إقفال الحدود مع سورية في ظل وجود عشرات المعابر اللاشرعية التي تغفل أو تتغافل الدولة اللبنانية عن مراقبتها، ممكنٌ أم هو ضربٌ من المستحيل ؟ وإذا أمكن ذلك، فما هي الآلية الصحيحة التي يجب اتخاذها، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك إيجاباً على ملف النازحين السوريين في لبنان ؟
يوضّح العميد الركن الدكتور هشام جابر لـ”البلد” آلية إمكان إقفال الحدود السورية، ويشرح لنا كيفية تداخل الحدود اللبنانية السورية بين شرعية وغير شرعية، والآلية التي يجب اتباعها فيما يخصّ ملف النازحين للوصول إلى نتائج مستقبلية أقل كارثية من تلك التي وصلت اليها الأوضاع في عرسال مؤخراً.
أكثر من 250 كلم
يرى العميد المتقاعد هشام جابر، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات، بأنه “بإمكان الدولة اللبنانية بكل سهولة إغلاق المعابر الشرعية بوجه النازحين السوريين ولا قانون يمنعها من ذلك، أما المعابر غير الشرعية والتي هي ليست تحت السيطرة، فيصعب إقفالها بشكلٍ محتّم، وذلك لأن طول الحدود اللبنانية السورية يُقدّر بأكثر من 250 كلم، ممتدة من الشمال من عكار العريضة إلى البقاع الغربي تحديداً في منطقة دير العشائر. وهناك حدود طبيعية ترسم الحدود مثل النهر الكبير في الشمال. والساقية التي تفصل القصر اللبنانية عن القصير السورية في سهل البقاع. بينما الحدود الشرقية بين لبنان وسورية فهي رأس سلسلة جبال لبنان الشرقية الممتدة من شمالي البقاع إلى البقاع الأوسط، ولكن رأس السلسلة يمكن أن يكون عرضه بين 200 و400 متر في بعض الأماكن”.
عملية صعبة
يتابع العميد جابر موضّحاً أسباب عدم ترسيم الحدود منذ الاستقلال وحتى اليوم “منذ الاستقلال بدأت تتزايد أعداد المعابر غير الشرعية بين لبنان وسورية في كلّ مكان تسمح فيه الطبيعة بذلك، بسبب عمليات التهريب بين الدولتين اللبنانية والسورية، والتي لم يتم إقفالها لأنها تفيد الطرفين. ولكن بعد الأزمة السورية أصبحت هذه المعابر غير الشرعية معابرَ للسيارات المفخخة وللمسلحين. قام الجيش بدوره بمراقبة بعض المعابر ولكن يصعب على الدولة اللبنانية إقفالها أو السيطرة عليها بشكل كامل لأن ذلك يحتاج لعديد من العساكر وعدد من طائرات الاستطلاع والمراقبة”.
فرز النازحين
أما الخطوات التي يجب أن تتخذها الدولة اللبنانية فيما يخص ملف النزوح السوري، فيرى العميد جابر أن “الواجب الانساني لا يحتّم أن يفوق عدد النازحين في لبنان عدد اللبنانيين أو يوازي عددهم، لأن النزوح السوري إلى لبنان يختلف عن النزوح السوري إلى أي مكان آخر نسبةً لعدد سكان لبنان ونسبةً لوضع النازحين في لبنان. ويجب إقفال الحدود، بطريقة مدروسة، اليوم قبل الغد، ثم فرز النازحين عن غير النازحين، وإقامة مخيمات بعيدة عن المدن تتوفر فيها الشروط الإنسانية وتتولى الأمم المتحدة والدول المانحة الاهتمام بها، بإشراف منظمات دولية بالإضافة إلى إشراف الدولة اللبنانية”.
نتيجة منطقية
فما الانفجار الأمني والاجتماعي الذي شهدته مدينة عرسال في الأيام الأخيرة إلا نتيجة منطقية من نتائج سوء التعامل والإهمال الممنهج الذي اعتمدته الدولة اللبنانية في ملف النزوح السوري، حيث استفاقت اليوم دولتنا على وجوب الإمساك به “بصرامة”. فهل سيكون آخر الدواء “إقفال الحدود” أم أن دولة “حلول اللحظات الأخيرة” ستنتظر المزيد من الانفجارات الأمنية والاجتماعية لتتحرّك..؟؟!
البلد