في منتصف الثمانينات خاض “حزب الله”، الفتيّ يومها، نقاشاً كبيراً مع قيادة الحرس الثوري من اجل تغيير تكتيكه العسكري، يومها كان الحرس الثوري يعتمد، كما التنظيمات الاسلامية اليوم، تكتيك الموجات البشرية، وهذا ما صُبغ به حزب الله، الى حين قرر الاخير ان يكون مختلفاً، ان يبتكر تكتيكه الخاص، الذي اصبح بعد عشر سنوات تكتيكاً يدربه “حزب الله” لضباط الحرس الثوري الايراني. هي ليونة حزب الله التي جعلته يفعل ما لا تستطيع ايران فعله. ويوم شعر انه من المفيد ان يكون هناك آخرين غير الشيعة يقاتلون اسرائيل انشأ سرايا المقاومة. ليونته ظهرت ايضاً حين قرر من يملك القرار في ايران انه لا داع للدفاع عن الاسد، لان سقوطه سيعني حتماً ظهور المهدي المنتظر، سعى حزب الله بكل جهده لاقناع القيادة الايرانية ان سقوط الاسد يعني سقوط دولة الامام المنتظر.
ينظر “حزب الله” الى تطوره على انه حتمية تاريخية، لا يتعاطى مع جسمه التنظيمي كجمعية سياسية ستشيخ يوماً ما، او قد تصل الى مداها الاقصى، ولا يستسلم لفكرة تبعيته التنظيمية سابقاً، والمالية لايران. في عقل الحزب لا حدود للتوسع، ولا سقوف للنجاح. هو يملك ما لا تملكه ايران، امه الحنون. كالخلية البشرية يتطور، لا يحاول صناعة اجسام حوله، كل ما يفعله هو اخضاع نفسه للتكاثر، يعمل على توسيع جسمه الى ما لا نهاية. يتغلب الحزب على كل عوائق تقدمه، يتحايل على واقعه وعقيدته. يتحايل على كلّ شيء.
فشلت ايران بتكرار تجربة “حزب الله” في بلدان عربية اخرى، كالعراق مثلاً او البحرين. المحاولات المستمرة منذ عقود اوصلتها الى حائط مسدود. لاسباب كثيرة استمرّ الفشل، ففي حين كان حزب الله في لبنان يأخذ استقلاله التنظيمي عن الحرس الثوري الايراني في العام 2006، كانت ايران تقتنع بعجزها عن صنع حزب الله ثان.
سنوات قليلة كانت كفيلة بتسليم ايران لحزب الله الملفات العربية، من سوريا الى العراق وصولاً الى اليمن والبحرين والسعودية والكويت، عمل الحزب كما يعمل دائماً، العقيدة اولاً، ومن هنا برزت الاحاديث الكثيرة عن موجات التشييع التي قيل ان حزب الله يساهم بها في كل من سوريا والعراق بعد العام 2007، وبدأت الدورات التدريبية للشيعة من الدول العربية (البحرين، اليمن) في لبنان، في حين انشأ الحزب معسكرات في العراق لتدريب الشيعة العراقيين.. لم ينشئ حزب الله احزاب في اي من تلك البلدان، عمل كأنه يؤسس كتائب مقاتلة تابعة له تنظيمياً ولوجستياً وعقائدياً.
بعد الحرب السورية تطور حزب الله لبنانياً، وازدادت ميزانيته، والميزانيات المخصصة للبلدان العربية، فكل المتطوعين “الشيعة” للقتال في سوريا يستلمهم حزب الله، يدربهم، يكودرهم، ويثقفهم دينياً، ويقودهم في المعارك. عمل حزب الله على خلق نواة ما سيكون في يوم قريب امتدادا طبيعية لحزبه في البلدان العربية. يتحدث البعض عن عشرات آلاف المقاتلين في اليمن خضعوا لدورات تدريبية اشرف عليها حزب الله في لبنان وايران، وعن عشرات آلاف العراقيين من غير المنتمين لاي حزب او تيار سياسي وشعبي في العراق اصبح السيد حسن نصر الله قائدهم الاول والاخير. يتحدث المطلعون عن عشرات آلاف المقاتلين الشيعة من بلدان الخليج وافغانستان والهند.
قرر حزب الله ان يكون طليعياً، ان يتمدد الى ما لا نهاية. ماكيناته التنظيمية لا تهدأ وخبرائه في كل الدول العربية. حزب الله اليوم، بعد نحو 30 عاماً على تأسيسه، اصبح في كل مكان.