من تداعيات التأزم الإقليمي على الداخل اللبناني، وضع الجيش في دائرة الإستهداف الأمني وتأرجح المؤسسات الدستورية على حافة الفراغ. ففي الوقت الذي لا يزال الاستحقاق الرئاسي يدور في حلقة مفرغة من دون بروز اي مؤشرات لامكانية احداث ثغرة ولو بسيطة في جدار الازمة، سرع النائب وليد جنبلاط، المتشائم والمتخوف مما هو قادم، بعد المعطيات السلبية التي سمعها في باريس خلال زيارته الاخيرة لفرنسا، من حركته السياسية مستكملا زيارته للاقطاب الموارنة ، محاولا التقريب بين الافرقاء، لبت الملفات السياسية العالقة، انطلاقا من اهمية استئناف الحوار بين جميع المكونات اللبنانية، في ضوء العواصف السياسية والامنية التي تضرب المنطقة والتي لن يكون لبنان بمنأى عنها اذا استمرت حال المراوحة القائمة.
ورغم ان لقاء الـ «ج- ج» ، لم يفكك كل تعقيدات الملفات المطروحة وفق مصادر مواكبة للقاء الا انه ساهم في مكاشفة صريحة وايجابية حول نقاط الالتقاء والاختلاف ، بين رجلين لدودين تسود علاقتهما المدّ والجزر، من مسألة الرئاسة التي يحاول «البيك» ان يلعب دور «عرّاب» تسويتها، مرورا بمسألة التمديد للمجلس النيابي الذي هو مصلحة درزية مسيحية مشتركة في ظل الظروف الحالية، وصولا الى ملف الارهاب وموقع لبنان في المعركة الدولية ضده، دون اغفال طيف حزب الله الحاضر الاساسي في كل تلك الملفات .
فطريق المختارة – معراب بحسب المصادر نفسها التي فتحت لبعض الوقت، في حركة تحصين للمؤسسات، «أقفلت»على التأكيد على أهمية التواصل والحوار والإقرار بنقاط الخلاف، رغم وجهات النظر المتطابقة حول أمور كثيرة، ولا سيما ضرورة التوصل الى إنتخاب رئيس توافقي، دون ان ينجح اي منهما في أخذ البيعة من الآخر لتسهيل العبور نحو الرئاسة. اما بالنسبة الى المخاطر المحيطة بلبنان، فإن التوصيف بمعظمه كان واحدا بين الفريقين، لكن التباعد تجلى حول مقاربة دور «حزب الله»، ففيما شدد جنبلاط على أن التركيز على مشاركة الحزب في سوريا يعقد الأمور ولا يحل المشكلة، إعتبر جعجع أن ما يقال هو لتوعية الحزب على مسؤولياته اللبنانية.
غير ان المحطة الجنبلاطية في معراب التي تقاسم اهميتها الشكل والمضمون ، بدت لافتة انطلاقا من عوامل كثيرة ابرزها:
– حضور المرشح الرئاسي هنري حلو في عداد الوفد الجنبلاطي، علما ان جعجع كان رفض سابقا تحديد موعد له، ما وتر العلاقات على خط الرابية – معراب. وتكتسب المسألة اهميتها انطلاقا من كلام عن «اتفاق رباعي» بين بري- الحريري – جنبلاط – الراعي بدعم فرنسي لتسويق حلو كمرشح وسطي، غير محسوب على اي فريق ولا يشكل استفزازا لاحد.
-الغياب اللافت لكل من تيمور والوزير اكرم شهيب اللذين تربطهما علاقات متينة بالقواعد القواتية في الجبل ، وكذلك غياب النائب جورج عدوان ، في مقابل الحضور اللافت للنائبين غازي العريضي وانطوان زهرا.
– جاء اللقاء عشية المبادرة «المشروطة» التي ستطلقها قوى الرابع عشر من آذار حول الملف الرئاسي، والذي تنطلق من انسحاب متزامن لجعجع وعون من السباق الى بعبدا تمهيدا للاتفاق على مرشح توافقي واعلانه. وفي هذا الاطار اشارت مصادر اشتراكية الى ان حركة جنبلاط تجاه القوى المسيحية لا تتناقض مع المبادرة. فهو لاقى بري والحريري اللذين اطلقا من جنيف وروما موقفا واضحا من الرابية، كل حسب اسلوبه، والذي مفاده المطلوب رئيس توافقي ولا مكان لعون بينهم، علما ان مسايرته لعون هدفها احراجه لاخراجه.
– غداة موقف جنبلاط الصادم من جبهة النصرة التي يلاقي في مكان ما موقف جعجع من الاحداث في المنطقة.
– تطابق تشخيص مخاطر المرحلة من جوانبها كافة الداخلية والاقليمية.
– الاقرار بأن الرهان على انتظار انتهاء الازمة السورية يعني بقاء لبنان لفترة طويلة دون رئيس، فرغم قلق جميع الافرقاء على مصير لبنان، الا انهم لا يتعاملون مع المرحلة بالمستوى نفسه من المسؤولية، حيث كان الرأي متفقا على أن الفريق الذي لا ينزل الى مجلس النواب هو من يساهم في تعطيل العملية الإنتخابية، ذلك ان كلمة السر الايرانية لم تصل بعد، كما ان حزب الله غير مستعد لان يقنع العماد عون بالانسحاب او المشاركة في تحمل كلفة هذا الانسحاب بأي شكل من الاشكال، اضافة الى انه غير مستعجل لاتمام الاستحقاق الرئاسي.
– استئثار الوضع الأمني بمعظم الوقت، نظراً لانعكاساته الخطرة على الاستقرار العام، والأوضاع الداخلية التي بدأت تشهد اهتزازات في البقاع والشمال، وتشعب النقاش الى كيفية مواجهة المخاطر الناجمة عن استهداف الجيش، وعن الاشتباكات الجارية بين حزب الله والجماعات المسلحة، في ضوء تمدد تنظيم «داعش» والاستنفار الاقليمي والدولي واللبناني لمواجهة خطر الارهاب التطرف.
– لم يغير جنبلاط «المنطق» الذي قاده لزيارة السيد نصر الله والعماد عون وان اسئلته وهواجسه هي نفسها ، رغم تأكيده على ضرورة استيعاب التطورات الاقليمية والدولية وترددات احداثها.
– مناقشة مسألة تسلح المسيحيين في الجبل التي كان سبق وبحثها الوزير شهيب في الرابية، بعد تسريبات عونية عن رفض الرابية اقتراحا اشتراكيا بتدريب شباب من الوطني الحر.
مصادر سياسية درزية اعتبرت ان زيارة جنبلاط الى معراب، بعيد اطلالته التلفزيونية المدوية عبر التلفزيون البرتقالي، نسفت التسريبات حول قيامه بعرض تسوية تقضي بالتوافق على انتخاب رئيس انتقالي لفترة سنتين، ذهبت إلى حد تسمية العماد عون، لتبين ان جنبلاط ليس في هذا الوارد، اولا لان دون ذلك عقبات قانونية ودستورية تتعلّق بتعديل الدستور وتأمين النصاب اللازم لذلك، وثانيا والاهم الحساسية المارونية تجاه هذه المسألة، فتقليص مدة الرئاسة يعني الانتقاص من حجم الموقع الماروني وأهميته وجنبلاط ليس في وارد الدخول في مثل هذا البازار، لافتة الى ان الزيارة ستصب الزيت على نار الثامن من آذار الغاضبة، والتي تصف في مجالسها الجولات الجنبلاطية «بالحركة بلا بركة»، واعتبرت أن مجريات وفحوى اللقاء الذي جمع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» معتبرة ان زيارة معراب جاءت بمثابة «رفع عتب»، تعبيراً عن استيائها من موقفه الأخير بتبرئة جبهة النصرة من تهمة الإرهاب، كاشفة عن اطلالة للنائب طلال أرسلان مساء الثلاثاء عبر قناة OTV للرد على جنبلاط باسم 8 آذار.
في حمأة اهداءات الكتب التي لم تخلُ من السياسة كثرت الالغاز والتساؤلات. فيوم أهدى النائب وليد جنبلاط العماد ميشال عون رواية «دروز بلغراد»، كان من السهل معرفة سبب اختيار الكتاب الذي يروي قصة حنا يعقوب، المسيحي اللبناني الذي نفي عن طريق الخطأ إلى بلغراد بعد أحداث 1860، وكأن زعيم المختارة كان يلمح إلى خيارات قد تحول المسيحيين في لبنان إلى ضحايا ما لا ذنب لهم فيه، على غرار ما حصل مع بطل الرواية. أما اليوم، فلا نعرف لماذا قرر جنبلاط أن يهدي الدكتور سمير جعجع رواية «السلتي الأخير»، «تاريخ الجرائم المرتكبة بإسم الله»، بحسب «البيك». فهل السر في اختيار الكتاب للتلميح إلى جرائم الحرب الأهلية ؟ أم أنه في اختيار الكاتب الذي بدأ حياته يساريا وانتهى يمينيا طامحا للوصول إلى الرئاسة في بلاده؟
أيا تكن الإجابة، فإن النائب ستريدا جعجع شاءت أن تكون أكثر وضوحا في إهداءاتها ، التي «غازلت» جنبلاط حين أشادت بحكمته، مفتقدة جرأته التي عرفتها في العام 2005، محاولة اعادته الى إصطفافها السياسي.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...