بعد الهزيمة النكراء لرجب طيب أردوغان والمتزعمين جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وما نتج من قلبٍ للطاولة على العرابين الذين سعوا لخلق كنتوناتٍ تجعل المنطقة برمتها مسرح صراعات مذهبية، وبحثهم عن أزماتٍ تحت شعار “الإسلام في خطر”.
فأردوغان مثلا هو أكثر المتضررين من رفع الحصار النفطي عن إيران.
أثناء العقوبات كان الإيرانيون يستخرجون النفط لتخزينه في مستوعباتٍ صنعت خصيصاً لهذا الغرض، لأن إمكانية توقيف محطات الضخ معدومة لما يسببه ذلك من تلفٍ لها، ولن تستطيع إيران بين ليلة وضحاها إعادة ترميمها، فكانت أمام خيارين لا ثالث لهما أولا، إحراق المواد المستخرجة وهذا سيزيد نسبة التلوث ويهدد البيئة.
الخيار الثاني، هو بيع النفط إلى تركيا.
إستغل أردوغان الحاجة الإيرانية وجعل إبنه البكر المتهم بالفساد مسؤولا عن إستيراد النفط الايراني بأسعارٍ وصلت إلى أربعين دولارٍ للبرميل، في حين أن السعر الرسمي في الأسواق العالمية تجاوز المئة وعشرة دولارات.
هذا يُعيدنا إلى إستثناء أنقرة من فرض عقوباتٍ أمريكية في حال إستيرادها النفط الإيراني عكس باقي الشركات الأوروبية، ومن حق الدول أن تستغل حاجة دولةٍ ما لزيادة أرباحها.
بعد إنفراج العلاقات الغربيه مع طهران وتوقيع الاتفاق النووي ورفع جزئي للعقوبات، بدأ إعتماد أردوغان على النفط السوري بطاقةٍ إنتاجيةٍ قصوى، لقد حاول التنصلَ من الأمر عندما علا صراخ زعيم المعارضة التركية “كمال قليتشدار أوغلو” في مجلس النواب متهماً إياه سرقة النفط السوري ودفع تعويضاتٍ كبيرة لأصحاب المصانع التي كانت تعتمد التجارة مع سوريا، الأمر الذي جعله يكسب أصواتاً أكثر من المناطق التي لم تتأثر بالحرب.
عند إستلام أردوغان مقاليد السلطة التنفيذية عام ???? بدأ التأسيس لذراعٍ عسكريةٍ تكون مساندةً لمشروع زعامة العالم الإسلامي، كون عملية الإحتلال التي نفذها أجداده لم تنتهي بعد، خاصة وأن الاطماع بوجود تقسيمٍ جديدٍ للمنطقة على غرار سايكس بيكو تدغدغ حلم الريادة عنده، ولأن تجربة سلفه “نجم الدين أربكان” قائد حزب الرفاه المنحل عام ???? لم تكن مشجعة، بعد محاربته من المؤسسة العسكرية العلمانية لذا بنى جسور التواصل مع إخوانيي مصر وسوريا والعراق على وجه الخصوص.
إعتمدت سياسته على تمزيق دول الجوار لتخويف الشعب التركي من أن الحرب في طريقها إليكم، فيصبح الحامي من جهة، وبنظر الجميع المنقذ من العواصف المحدقة إقليمياً كالعراق وسوريا، إضافة إلى تجميد الخلاف مع اليونان حول السيادة على الجزيرة القبرصية وبذلك تصبح المشكلة التاريخية لأنقرة مع الأكراد ثانوية فيستطيع الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي من باب أنا أو لا أحد.
“ثقةُ الشارع العربي”
من يراقب تعاطي نظام المخلوع حسني مبارك قبل وبعد أردوغان يعرف أن إغداق الأسواق المصرية بالبضائع التركية والعكس، يُدرك حميمية العلاقة بين الجانبين وصولاً إلى هدف كسب ثقة الشارع العربي، فبدأ على عكس كل رؤساء الحكومات السابقين التودد تجاه العرب، خاصة من هم على تماسٍ مباشرٍ بالقضية الفلسطينية.
فمرةً يفتعلُ مشكلة مع شيمون بيريز في مؤتمر دافوس الشهير وهو المؤتمر نفسه الذي تهافت فيه الإخونجيون على وسائل الإعلام الإسرائيلية من جاكرتا إلى المغرب.
ومرةً أخرى يحتجُ ضد الإعتداء على سفينة مرمرة التي قضى عليها أحد عشر تركياً، ومرة إهانة سفيره في تل أبيب، وكل هذا شعارات خاويه وبروبغندا فاقعة أثبتت الافعال على الارض زيفها.
من جهة كان يصدح ضد إسرائيل ومن جهة اخرى كانت المناورات بين جيشيهما على قدمٍ وساق مع تنسيقٍ أمنيٍ غير مسبوق خاصة بعد ثورة يناير في مصر حيث كان الرئيس التركي “عبدالله غول” أول زعيمٍ يجتمع بالمشير طنطاوي لبحث مصير حسني مبارك وإيصال الرسالة الإسرائيلية الشهيرة أن تل أبيب ترغب في منح اللجوء السياسي لمبارك وعائلته.
“المستنقع العراقي “
أكثر ما أرَّقَ أردوغان رؤية عراقٍ ديمقراطي منفتح على العالم لأنه يُشكل خطرا إستراتيجيا على الإقتصاد التركي، فبدل أن تكون أنقرة بوابة المستثمرين، ستتجه الأنظار نحو بغداد نظرا للمخزون النفطي الهائل الموجود في باطن أرضها، حيث بدا العراق في وقتٍ قياسي محط رجال الاعمال من عرب وأجانب.
هذا الامر إندرج في خطة أردوغان لجذب المستثمرين خاصةً أن مئات ملايين الزوار إلى العتبات المقدسة سنويا في العراق يجعلُ السياحة التركية في وضعٍ صعب.
الأمر الأهم أنه وضع نصب عينيه المخزون النفطي في مناطق الأكراد، فتركيا بحاجة إلى النفط أكثر من أي شيءٍ آخر، لان إنتاجها من الذهب الأسود جنوب شرق البلاد لا يغطي واحد في المئة من حاجة السوق المحلي، لذا لا بد من إفتعال الأزمات لدول الجوار حتى يحصل على مبتغاه.
لقد دعم أردوغان الزرقاوي في العراق وقدم تسهيلاتٍ إلى بعض الأطراف كحارث الضاري وغيره، وما إستقباله لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي المدان بجرائم إرهابية وعمليات تفجير إلا دليلاً واضحاً على هذا التورط، إذ كيف لدولةٍ تحترم نفسها وتستقبل شخصاً مدان بمئات عمليات القتل في العراق؟
بعد ذلك صعد نجم البغدادي وجرى ما جرى من خيانةٍ في الموصل تحت عيون الامن التركي.
كل المقاتلين بعتادهم وعديدهم مروا إلى الموصل عبر الاراضي التركية حتى سيارات الدفع الرباعي هي نفسها التي إشترتها قطر للمعارضة الليبية وحولتها فيما بعد إلى سوريا لمؤازرة التنظيمات الإرهابية هناك، ولا يمكن لعاقلٍ تصديق أردوغان بدليل، كيف يمكن للأمن التركي أن يعتقل عنصراً من عناصر حزب العمال الكردستاني يُخفي سلاحا فرديا تحت ثيابه على كامل القطر التركي، ولا يرى مئات صهاريج النفط السوري أو آلاف المقاتلين الذين يعبرون من وإلى المطارات التركية للقتال في سوريا؟
قد يسألُ سائل ماذا يستفيد أردوغان من هذا الامر؟
الجواب بسيط، تُعتبرُ كردستان العراق وهي تسميةٌ قومية كردية خاضعة لسلطة الحكومة المركزية في بغداد، وهذا نصت عليه إتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين فرنسا والمملكة المتحدة عام ????.
وإذا أراد الأكراد الإستقلال فحكماً تخضعُ لسلطة أنقرة ولا يُخفى على أحد الأطماع التركية بخيرات تلك المنطقة، ولو كانوا يعلمون حينها بالنفط وخلافه لما تنازلوا عن سلطتهم عليها.
ماذا يجري اليوم ؟
لو عدنا إلى حقبة الحكم العثماني نجد أن عملية القتل والتعذيب وقطع الروؤس وسبي النساء والإبادات كلها حصلت في عهدهم بحق الدول التي إحتلوها.
نذكر منها مجازر ديار بكر وطور عابدين ودير الزعفران حيث قُتِلَ واغتصبت عشرات الآلاف من النساء والأطفال وهجروا مئات الآلاف من بلادهم لأنهم رفضوا مبايعة الوالي العثماني، إضافةً إلى المجازر بحق الأرمن.
كل ما يريده أردوغان اليوم هو تمزيق المنطقة تحت شعار الدين لذلك إستعان بالمرتزقه من أمثال البغدادي وغيره لإعادة السيناريو العثماني القديم المتجدد.
آخرُ أكاذيبه هي تحذير داعش من تفجير مرقد “سليمان شاه” الموجود داخل الاراضي السورية، وامتثلت داعش للأمر وكأن سليمان شاه هو أفضلُ من النبي يونس أو حجر بن عدي وأخرين دمرت ما يسمى دولة الخلافة أضرحتهم.
صفحة الكاتب محمود هزيمة على فايسبوك: facebook.com/mahmoud.hazime
صفحة الكاتب محمود هزيمة على تويتر: twitter.com/mahmoud_hazime
الخبر برس