بعد الرسالة الوحشية والقاسية من “الدولة الاسلامية” إلى اللبنانيين عموماً والسُنة خصوصاً، بذبح ابن بلدة فنيدق العكارية الرقيب البطل علي السيّد، ها هي “جبهة النصرة” تكشف عن أنيابها، بأربع رسائل طائفية، استهلتها بواحدة تهدد السُنّة بدفع الثمن في حال تورطوا في حرب إلى جانب الجيش اللبناني، كدعوة مبطنة إلى العسكريين السنة للانشقاق عن مؤسسة تعتبر خط الدفاع الاخير عن هذه الجمهورية.
اثنتان من الرسائل الأربع في فيديو “النصرة” الأخير “من سيدفع الثمن”، ليستا غريبتين على الشعب اللبناني الذي اعتاد توجيه التهديدات لـ”حزب الله” في شكل يومي، نظراً إلى تدخل الأخير في القتال إلى جانب النظام في سوريا من دون اذن الدولة وغرقه في مستنقع تنفيذ الاجندة الايرانية وجذبه الارهاب، لكن المفارقة الجديدة ترتبط برسالة إلى السُنة وأخرى إلى علماء المسلمين في العالم تطعنان بوطنية الجيش اللبناني وتفصلان الوجود السني عن الجيش.
وواضحٌ أن “النصرة” تمادت كثيراً في تهديداتها طامحة لدخول صلب المعادلة اللبنانية ولاسيّما الساحة السنية، لكن عليها أن تدرك أن “أهل مكة ادرى بشعابها” وأنها غير مرحب برسائلها في هذا الوطن، خصوصاً أنه معروف مشاركة هذا التنظيم “القاعدي الهوى” بتفجيرات ازهقت أرواح بريئة في لبنان وبتصرفات متطرفة ودموية في سوريا، لماذا غير مرحب بها؟ لأن لبنان ليس سوريا او العراق أو مصر أو ليبيا، والمسلم السني في هذا البلد يتميّز بمشاركته 17 طائفة متعددة، في بقعة جغرافية لا تتعدى مساحتها 10452 كلم مربع، لديه مراجع اسلامية ترشده بمحبة وليس بالقوة على الحلال والحرام ولا ينتظر النصيحة من “جبهة النصرة”، ولديه جيشه، غالبية جنوده من السُنة.
“الجماعة الاسلامية”: خيارنا الجيش
رداً على رسالة “النصرة” إلى سُنة لبنان، يقول النائب عن “الجماعة الاسلامية” عماد الحوت: “ليس لدينا خيار إلا أن نكون مع الجيش، لكن لدينا رؤيتنا في ادارة الأزمة”، مشدداً على “ضرورة عدم انخراط الجيش في عملية استنزاف كبديل عن قوى أخرى قررت أن تذهب وتقاتل إلى جانب النظام”.
“الجماعة الاسلامية” ليست مع الخطاب الطائفي او المذهبي، ومعروفة بدعمها ثورة الشعب السوري وعلى رأس السطح”، لكن الحوت يؤكد أن “الجماعة تميّز بين طريقة أداء ثورية وطريقة أداء عنفية لا توصل إلى نتائج ايجابية أو مقبولة”. ويقول: “الجيش اللبناني جيشنا وهو ليس دخيلاً على لبنان ومن الطبيعي ان نكون معه في معركة واحدة، لكن في الوقت عينه لدينا رؤيتنا في طريقة ادارة المعركة ابلغناها لقيادة الجيش والحكومة، كما لاحظنا تنسيق هيئة العلماء في فترة من الفترات مع الدولة”.
ويرفض الحوت تدخل “النصرة” في الشؤون اللبنانية، أكان عسكرياً أو سياسياً، ويقول لهم: “لدينا القدرة على إدارة الشأن اللبناني ذاتياً”، لكن في الوقت عينه، مثلما لا يقبل بتدخل أحد من الخارج بلبنان، لا يمكن للحوت إلا ان يتفهم الشعب السوري في رفضه وجود “حزب الله” في سوريا، ويقول: “مثلما يمثل المسلحون بالنسبة لي جسماً غريباً، فإن “حزب الله” بالنسبة إلى السوريين هو جسم غريب”.
“المستقبل”: الاستجابة الى رسائل “النصرة” انتحار
ليست “الجماعة الاسلامية” وحدها تمثل الشارع السني في لبنان، هناك جهات عدة إسلامية ومدنية وحزبية تمثلهم، وأكبرها “تيار المستقبل”، إذ يرى القيادي في التيار في مدينة الشمال المعروفة بخزانها السني، النائب السابق مصطفى علوش أنه “مهما حاولت النصرة أو داعش أو كل من خرج من غياهب التاريخ الأسود دخولعقول ابناء لبنان والسنة خصوصاً، فلن تستطيع اخراج السُنة من موقفهم الملتزم بالدولة والقوى الامنية والرسمية وخصوصا الجيش اللبناني”.
“المستقبل” يرى أن رسائل “النصرة” هي “محاولات خبيثة ورخيصة لها علاقة بحساسيات لبنانية، لكن على المسلم السني اللبناني ان ينظر إلى مصير الناس التي تستدرج الى هذه الدعوات الانتحارية”. ووجه علوش رسالة إلى السُنة وكل اللبنانيين، مشدداً على أن “الاستجابة إلى رسائل النصرة او اي دعوات شبيهة لمشاريع انتحارية هي نوع من الانتحار تهدف للقضاء في شكل تام على السنة في لبنان”.
“الأوقاف”: الحاكم الكافر العادل افضل من المسلم الظالم
وللسُنة في لبنان ممثلون ومتحدثون رسميون، يأخذون مشورتهم من مفتي الجمهورية الذي يعود في قرارته إلى الشريعة الاسلامية الصحيحة وإلى مجلس اسلامي ومجموعة من العلماء المعروفين باعتدالهم، ومنهم المدير العام للأوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة الذي يحرص في كل خطبة جمعة دعوة المصلين وجميع اللبنانيين إلى الالتفاف حول الجيش.
وتعليقاً على الرسالة الموجهة إلى علماء المسلمين في العالم بـ”تبيان حال الجيش حتى لا يلبس على أهل السنة…”، يؤكد خليفة أن مرجعيته مفتي الجمهورية اللبنانية، وليس “جبهة النصرة”، وهو يرفض “وجود جهة تريد فرض نفسها بالقوة، ويقول لـ”النهار”: “موقفنا يعتمد على الدعوة إلى الالتفاف حول الجيش اللبناني وكل القوى الامنية لأن لبنان ليس أمامه أي خيار آخر”.
وعن تلميح “النصرة” إلى الدعوة اللانشقاق عن الجيش، طالب خليفة الشباب اللبناني بـ”أن يسألوا الكبار عن 15 سنة أمضيناها بالخوات والتشبيح والاقتتال اليومي ومئات الاف القتلى والجرحى والمعوقين بسبب هذه التصرفات، لهذا ليس لدى اللبناني إلا ان يلتف حول القوى الامنية”.
“النصرة”، في رأي خليفة، لا تدرك انها تتعاطى مع بلد تركيبته ووضعه وجغرافيته تختلف عن موقع آخر: “فليقولوا ما يقولون، وستكون اقوالهم قاسية اكثر ربما، وقد ينفذون ايضاً ما يقولون، انهم مسلحون واعدادهم كبيرة وهم بجوارنا وهذا ما نبهت إليه الدولة”، وذكّر بدراسة بينت أن 4% فقط من السنة قد تتجاوب مع “هذا الكلام المتطرف”.
ويقول خليفة للسُنة: “هناك فتوى من ابن تيمية وهو مرجع عند الكثير من المسلمين، خصوصاً الفئة السلفية، تقول: الحاكم الكافر العادل افضل من الحاكم المسلم الظالم”، وبالتالي العادل من يؤمّن الاستقرار والامن ويحفظ أمن الناس وأموالهم وأملاكهم وهذا الدور مناط بالجيش والقوى الامنية الذي تقوم به، ليس على كامل الوجه لكن بشكل جيّد”. وتابع: “انظروا الى ما يحيط بكم في العالم من خراب ودمار وقتل، فهل يريد السُنة في لبنان ان يعيشوا مثل هذه الحالة؟”.