ما كان قائما في بلدة كفركلا في جنوب لبنان، من بوابة عبور بين لبنان وفلسطين المحتلة ، تحت الحراب الاسرائيلية، واطلاق تسمية «الجدار الطيب» عليها، اصبح قائما في منطقة القنيطرة المطلة على المناطق السورية المحتلة في الجولان، حيث يجاور العلم الاسرائيلي اعلام «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» ،.. المشهد بدا سورياليا حين ترتفع راية كتب عليها «لا اله الا الله» الى جانب نجمة داوود الصهيونية، حتى بات المشاهد يرى عناصر «النصرة» بسلاحهم وباقنعتهم السوداء وهم على مقربة من جنود الاحتلال ، ولا يفصل بينهما سوى اسلاك شائكة لن تكون عائقا امام اي تواصل عملياتي بينهما.
والجدار الحدودي الذي اقامه الاحتلال الاسرائيلي في تجربتها المريرة في جنوب لبنان ، شكل على مدى 22 عاما ، الرئة التي منها عززت احتلالها وعملت على تغلغل اجهزة استخباراتها التي انشأت ميليشيات عميلة لها، واقامت بواسطتها حزاما امنيا كان اشبه بأكياس رمل يحميها من ضربات المقاومة للداخل الفلسطيني المحتل، مقابل فتات من «الاغراءات» التي قُدمت ، من خلال عمليات تجنيد وفتح الحدود امام يد عاملة متواطئة مع الاحتلال، ووصلت قوات الاحتلال الى الاعلان عن «دولة لبنان الحر» التي شكلتها النواة الاولى للميليشيات التي تعاملت مع الاحتلال، من ضباط تمردوا على قيادة الجيش اللبناني وعملوا باخلاص مع الاحتلال الاسرائيلي (العام 1976 الرائد سعد حداد وخلفه انطوان لحد من العام 1985 وحتى تحرير الجنوب في ايار العام 2000)، وربما بدأت افكار التجربة اللبنانية المريرة تُدغدغ العقل الاسرائيلي على جبهة القنيطرة في الجولان السوري المحتل، حيث بدأت منذ اكثر من عام بفتح ابواب حدودها في الجولان باستقبال جرحى «الجيش السوري الحر» ومنظمات اسلامية اخرى معادية للنظام في سوريا.
الاسرائيليون يراهنون على سيطرة المجموعات الارهابية المعارضة للنظام في سوريا على المعبر القائم في الجولان السوري المحتل، وهي خطوة عسكرية ميدانية اعتبرتها اوساط الكيان الصهيوني بانها تساهم في زعزعة النظام السوري، وزيادة الوتيرة في فقدان السيطرة على المزيد من المناطق الحساسة، الامر الذي فتح الباب امام اسرائيل لتعزيز علاقاتها مع المجموعات الارهابية ، التي قطعت شوطا هاما خلال الاشهر الماضية من خلال استقبال الحرجى الذين يسقطون خلال المواجهات مع الجيش السوري، والعمل على استثمار هذه المتغيرات الميدانية، لجهة استنساخ تجربة الاحتلال الاسرائيلي في لبنان، من خلال اعتماد بوابات الحدود للدخول الاسرائيلي ميدانيا على الارض السورية عبر تقديم اشكال متنوعة ومتعددة من الدعم للتنظيمات الارهابية في مواجهة نظام الرئيس بشار الاسد.
ويقول الخبير الصهيوني في الشؤون السورية ايال زيسر.. باتت توجد على حدود هضبة الجولان منظمة «معتدلة» هي جبهة النصرة، وان اسرائيل مرتاحة للتعامل مع مع هذه الجماعات، فلا توجد عداوة بين اسرائيل وجبهة النصرة في هضبة الجولان، فالاسبوع الماضي سلمونا بهدوء صحافيا اميركيا كانوا اختطفوه قبل اشهر، وهناك مئات الجرحى من عناصر جبهة النصرة ادخلوا المستشفيات الاسرائيلية للمعالجة ، فلا عداوة بين الطرفين، والمجموعات التي تقاتل (الرئيس) بشار الاسد تؤمن بالمبدأ القائل «عدو عدوي هو صديقي» لذا يرون في اسرائيل عدوا وليس هناك من خوف على سيطرهم لمعبر القنيطرة.
اما المحلل الصهيوني امير بار شاروم فاتهم حزب الله بالقتال الى جانب الجيش السوري ضد المجموعات الاسلامية المعارضة، لافتا الى ان حزب الله قد يكون هو من اطلق طائرة من دون طيار فوق الاراضي السورية المحتلة في الجولان ، وقال ان اسرائيل رصدت الطائرة واسقطتها بصاروخ ، وانا واثق بان حزب الله لديه منظومة طائرات استطلاع متطورة ، وكل التقديرات الاسرائيلية تشير الى ان القتال سيتصاعد مع وصول حزب الله الى تخوم الحدود عند هضبة الجولان لمساعدة الجيش السوري ، وهذا ما دفع بقيادة جيش الاحتلال الى اعلان هضبة الجولان منطقة عسكرية، الامر الذي اثار ريبة المستوطنين الصهاينة الذين رأوا في الاعلان تعبيرا عن خوف اسرائيلي من وجود حزب الله في المنطقة.
ونقلت صحيفة «هآرتس» الصهيونية عن مسؤولين امنيين صهاينة قولهم أن من يسيطر فعليًا في الجانب السوري من معبر القنيطرة هم عناصر ميليشياوية متمردة «معتدلة» نسبيا، تابعة للجيش السوري الحر، وأنه في هذه المرحلة لا يبدو أن هناك خطر فوري من جانب منظمة جبهة النصرة الموالية للقاعدة، ومع ذلك، فإن قوات الجيش الإسرائيلي موجودة بجهوزية عالية نسبيا في ظل التطورات الحالية، أن إسرائيل لا ترى وجود خطر فوري في الوضع الذي تشكّل في القنيطرة وأن المنطقة الواقعة على مقربة من الحدود يسيطر عليها الجيش السوري الحر، الذي تُعتَبر نظرته الى إسرائيل مقبولة. لم يوجه أحد من الجانب السوري سلاحه بإتجاهنا، لكن جيش الاحتلال طمأن هؤلاء المستوطنين من ان لا خطر عليهم من «جبهة النصرة»، وان هذه الجبهة لا تشكل خطرا عليهم، حتى وإن تواجدت على الحدود مع سوريا، ومن المستبعد ان تفكر بشن عمليات ضد اسرائيل، وإن التنظيمات المسلحة في سوريا، لن تقدم على استهداف اسرائيل، حتى مع تواجدها على الحدود. وبتفاؤل مفرط، يتعامل قادة الاحتلال الاسرائيلي مع التطورات الميدانية التي ادت الى سيطرة «جبهة النصرة» و«الجيش السوري الحر» على المعبر الحدودي في القنيطرة ، وتجاوز هذا التفاؤل بتقديم ما يلزم من اجل تحقيق المزيد من «الانجازات» العسكرية لـ «حبهة النصرة» بصفتها منظمة «معتدلة»، فالاسد.. يقول المحللون العسكريون الصهاينة ، هو العدو المشترك لاسرائيل ولـ «جبهة النصرة» التي باتت مؤمنة بمبدأ «عدو عدوي صديقي».
محمود زيات